الحمل على المعنى في اللغة

الحمل على المعنى:

هو “أن يعطى الشيء حكم ما أشبهه في معناه أو في لفظه أو فيهما “[1]، أو هو “حمل اللفظ على معنى لفظ آخر أو تركيب على معنى على معنى آخـر؛ لشبه بين اللفظيين والتركيبين في المعنى المجازي، فيأخذان حكمهما النحوي مع ضرورة وجود قرينة لفظية أو معنوية، تدل على ملاحظة اللفظ أو التركيب الآخرين ويؤمن معها اللبس “[2].

فمن الواضح أن الحمل على المعنى يتم بين لفظين بينهما تشابه، فنحمل معنى الثاني – مثلاً – على الأول؛ وذلك لوجود قرينة، وذلك “لأنهم يجرون الشيء مجرى الشيء إذا شابهه”[3]، ويلاحظ أيضًا أن كلا اللفظين موجود في الاستعمال اللغوي، وذلك لأن “حمل الشيء في بعض أحكامه لا يُخرجه عن أصله”[4]، ولأن العرب “كانت تُعنى بألفاظها، فتُصلحها وتُهذبها وتراعيها، وتلاحظ أحكامها بالشعر تارةً، وبالخطب تارةً أخرى، بالأسجاع التي تلتزمها وتتكلف استمرارها، فإن المعانـي أقـوى عندها وأكرم عليها، وأفخـم قدرًا في نفوسها”[5]، فكان العرب يحملون على المعنى أو يستغنون عن بعض الألفاظ ببعض؛ لهدف الوصول إلى سلامة التركيب وتجويد المعنى؛ وذلك لأن “كل جملة صحيحة نحويًّا تُعد جملة مستقيمة، ولكن الحكـم على هذه الاستقامـة بالحسن والكذب، يتعلق بالمعنى الذي تفيده عناصر الجملة عندما تترابط “[6].

ولكي يتضح لنا الأمر نسوق هذا المثال الذي يقول فيه سيبويه حين حملت (إلا) على معنى (لكن) لا لشيء إلا لصحة المعنى، وكان ذلك في باب يقول فيه: “هذا باب يختار فيه النصب؛ لأن الآخر ليس من النوع الأول”، ويقول: “وهو لغة أهل الحجاز؛ وذلك مثل قولك: ما فيها أحد إلا حمارًا، وكرِهوا أن يُبدلوا الآخر من الأول، فيصير كأنه مـن نوعه، فحمل على معنى (ولكن)[7].

وفي الاختصار يقول: “يَستغني العرب بقولهم (إلا) عن الفعل (أدعو)، أو الفعل (أنادي)”[8].

فالمعنى الجيد هو هدف الاختصار والاستغناء، والحمل والحذف، وغير ذلك من الوسائل اللغوية؛ لذلك يقول ابن جني: “رأيت غلبة المعنى للفظ، وكون اللفظ خادمًا للمعنى مشيدًا به، وأنه إنما جيء به له ومن أجله، وأما غير هذه الطريقة من الحمل على المعنى وترك اللفظ – الاستغناء – وتذكير المؤنث وتأنيث المذكر، وإضمار الفاعل لدلالة المعنى عليه، وإضمار المصدر لدلالة الفعل عليه، وحذف الحروف والأجزاء التوءَم، والحمل وغير ذلك حملاً عليه وتصوُّرًا له، وغير ذلك مما يطول ذكره، ويمل أيسره، فأمر مستقر ومذهب غير مستنكر”[9].

ويتشابه الاختصار مع الحمل على المعنى في كثرته عند العرب، وفي هذا الشأن يقول ابن الأنباري: “هو أكثر من أن يُحصى”[10].

وكذلك الاختصار فهو جل مقصود العرب، ومعظم كلامهم مبني على الاختصار.

 


[1] مغني اللبيب (2/ 674).

[2] الحمل على المعنى لأشرف مبروك، (ص6).

[3] الإنصاف (1/ 166).

[4]الإنصاف (1/ 142).

[5]الخصائص (1/ 237).

[6]النحو والدلالة؛ لحماسة عبداللطيف، (ص63).

[7]الكتاب (2/ 319).

[8] الكتاب (2/ 319) وينظر: الأشباه (1/ 77,78)، وشرح المفصل (1/ 127)، (2/ 40).

[9] الخصائص (1/ 237).

[10] الإنصاف (2/ 777).