فائدة التضمين وآراء العلماء فيه

فائدة التضمين:
أن تؤدي كلمة مُؤدى كلمتين فالكلمتان مقصودتان معاً قصداً وتبَعاً، فإذا استُعمل اللفظ في غير ما هو له فقد أضاف معنى إلى أصله، وجاز به موضعه إلى مواضع أُخر من دلالاته، فيكون كل مُنصرَف ينصرف إليه متصلا بأصله.
فالوقوف على ظاهره وطرفِ منه يقطعنا عن مذاق طعم الاتصال، طعم الجمع بين طعومه ومذاقاته.
فمرة يكون المذكور أصلا، والمحذوف المقدر فرعا: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) أي لتكبروا اللَّه حامدين على ما هداكم.
ومرة يكون العكس فالمحذوف الُمقدر أصل والمذكور فرع (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) أي الذين يقرون ويعترفون مؤمنين بالغيب.
ومرة يكون أحدهما مجملاً والآخر مبيناً وموضحاً (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) فالرؤية مجملة والتأمل والاعتبار تبيين للمعنى وتأليق لصورته. ومن عادة العرب أن يُعطوا المأخوذ منه حكما من أحكام صاحبه عمارة لبينهما وتتميما للشبه الجامع بينهما.
ومرة يكون المذكور خاصا والمقدر عاما (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ). فالشرب خاص بحاسة الذوق، والتلذذ عام: فيكون بالبصر في لمعان الماء وتدفقه وانفجاره من العين، ويكون بالسمع بصوت الخرير، ويكون بالجسد بالسباحة والعوم، و … فخص التلذذ بالشرب دون سائر الحواس.

ومرة يكون المذكور مطلقا والمقدر مقيدا (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) أي مقدسون، فالعكوف مطلق والتقديس مقيد.
ومرة يكون المذكور مُلمِّحا بالغرض والمقدر مُصرحا به (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) أي يميز ويكشف، فصرح بالعلم وألمح بالكشف.
ومرة يكون المذكور وسيلة للغرض والمقدر غاية (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) فالشرب وسيلة لغاية الاستمتاع واللذة.
ومرة تكون العلاقة بين المضمن والمضمن فيه علاقة جزء من كل (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ). فالدعاء تضرع وتوسل ورجاء، وما تدعون إليه هو المرجو والمطلوب وعنده المطالِبُ والحاجات وهو جانب من معاني الدعاء.
ومرة يكون المقدر سببا من أسباب المذكور (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ). فتضمن ارزقوا معنى اتجروا مما يجعل العلاقة بين المضمن والمضمن فيه سببية، فالتجارة سبب من أسباب الرزق.
وهكذا مرة … ومرة … ومرة … إلخ.

قياسية التضمين وآراء العلماء فيه:
ذكر أبو البقاء عن بعض العلماء أن التضمين إيقاع لفظ موقع غيره لتضمنه معناه. وقال: التضمين سماعي لا قياسي وإنما يُذهب إليه عند

الضرورة. ثم قال: ومن هذا الفن في اللغة شيء كثيرٌ لا يكاد يحاط به، ويؤخذ من هذا أن التضمين سماعي.
وذكر الشيخ ياسين في التلويح على التصريح: أن التضمين سماعي.
وقال صاحب التصريح بمضمون التوضيح الشيخ خالد الأزهري: واختلف في التضمين أهو قياسي أم سماعي؟ والأكثرون على أنه قياسي، وضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى. قاله المرادي في تلخيصه.
والتضمين النحوي قياسي عند الأكثرين، والتضمين البياني قياسي بإجماع النحويين. وقد ذكر ابن جني أنه لو نقل ما جُمع من التضمين عن العرب لبلغ مِئين أوراقاً. فإذا قررنا أن التضمين قياسي فقد جرينا على قول له قوةٌ واعتمدنا على ركن شديد. وإذا قلنا سماعي فقد يعترض علينا من يقول: إن من علماء اللغة من يرى أنه قياسي فلماذا تُضيقون على الناس؟ فنحن نثبت القولين، ولكن نرجح قياسيته، والقول بجواز استعماله للعارفين بدقائق العربية وأسرارها، ولا يصح أن نحظره عليهم لأنه داخل في الحقيقة أو المجاز أو الكناية. والبلغاء يستعملونه في كلامهم بلا حرج فكيف نسد باب التضمين في اللغة وهو يرجع إلى أصول ثابتة فيها؟ فعلى نحو – هذه التأويلات ينبغي أن يحمل ما ورد من هذا الباب وهو مقصور على السماع لا يجوز القياس عليه، وجميع ما أورده ابن قتيبة في هذا الباب إنما نقله من كتاب يعقوب بن السكيت في المعاني، وفي هذا الباب لم يذكر كلمة تضمين ولو مرة واحدة على كثرة ما أورده من مسائل وإنما يستعمل كلمة (الحمل)

وما دام التضمين لا يهتدي إليه إلا من أوتي بصيرة نافذة في إدراك الجمال، فهو غير مرتبط بقواعد. ذاتي لا يخضع لمعيار، له ماء ورونق، تحيط به المعرفة ولا تدركه الصفة، يغلب عليه طابع الملاحظة والتأمل الشخصي والاجتهاد.

المصدر: التضمين النحوي في القرآن الكريم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة:

ترك تعليق