المؤلف: إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج
المحقق: إبراهيم الإبياري

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏” وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ‏”‏.‏

• أي‏:‏ ولو كان المشهود عليه ذا قربى‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏” ولما جاءهم كتاب من عند الله ‏” إلى قوله ‏” يستفتحون على الذين كفروا ‏” فحذف جواب ‏” لمَّا ‏”‏.‏

• أي‏:‏ كفروا‏.‏

ودل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏” فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ‏” ولا يكون ‏” لما ‏” الثانية بجوابها جواب ‏” لما ‏” الأولى لأنا لا نعلم ‏” لما ‏” في موضع لما أجيب بالفاء كذا ذكره الفارسي‏.‏

فإذن نجئ بقول فلما رأيت الخيل زورا كأنها جداول زرع خليت فاسبطرت فجاشت إلى النفس أول مرة فردت على مكروهها فاستقرت فأجاب لما بقوله فجاشت‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏” فلما أسلما وتله للجبين ‏” فإن الجواب محذوف أيضاً‏.‏

وقيل‏:‏ بل الواو مقحمة‏.‏

وعلى هذا الخلاف قوله تعالى‏:‏ ‏” إذا السماء انشقت ‏”‏.‏ قيل‏:‏ جوابه محذوف

• أي‏:‏ قامت القيامة‏.‏

وقيل‏:‏ بل الواو في وأذنت مقحمة والجواب أذنت‏.‏

وقيل‏:‏ بل الجواب قوله‏:‏ ‏” فأما من أوتي كتابه ‏”‏.‏

وقيل‏:‏ بل الفاء مضمرة

• أي‏:‏ ف ‏” يا أيها الإنسان إنك كادح ‏”‏.‏

ونظير هذا قوله تعالى‏:‏ ‏” حتى إذا فتحت ياجوج ومأجوج ‏” إلى قوله‏:‏ ‏” واقترب الوعد الحق ‏”‏.‏

ومثله‏:‏ ‏” ولنحمل ‏”‏.‏

• أي‏:‏ اتبعوا سبيلنا ولنحمل‏.‏

ومثله‏:‏ ‏” فلما ذهبوا به وأجمعوا ‏” إلى قوله ‏” وأوحينا ‏” الواو مقحمة‏.‏

وقيل‏:‏ بل الجواب مضمر‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏” إذا وقعت الواقعة ‏” فقيل‏:‏ الجواب‏:‏ ‏” ليس لوقعتها كاذبة ‏”‏.‏

• أي‏:‏ إذا وقعت الواقعة لم يكن التكذيب بها‏.‏

وقيل‏:‏ بل الجواب قوله‏:‏ ‏” خافضة رافعة ‏”‏.‏

• أي‏:‏ فهي خافضة رافعة‏.‏

قال أبو علي‏:‏ وإذا جاز ‏” فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ‏” على تقدير‏:‏ فيقال لهم‏:‏ أكفرتم بعد إيمانكم فحذف الفاء مع القول وحذف الفاء وحده أجوز‏.‏

وقيل‏:‏ جوابه ‏” إذا رجت الأرض ‏”‏.‏

• أي‏:‏ وقت وقوع القيامة وقت رج الأرض‏.‏

وقيل‏:‏ بل العامل فيه‏:‏ اذكر‏.‏

ومن حذف الجملة قوله تعالى‏:‏ ‏” إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا‏.‏

وتقديره‏:‏ وأنتم محدثون فاغسلوا‏.‏

وقدره قوم‏:‏ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا من أجلها‏.‏

وكلاهما تحتمله العربية‏.‏

ومن حذف الجملة ما وقع في سورة الأعراف وفي سورة هود من قوله‏:‏ ‏” وإلى عاد أخاهم هوداً ‏”‏.‏

‏” وإلى ثمود أخاهم صالحاً ‏” ‏” وإلى مدين أخاهم شعيباً ‏”‏.‏

والتقدير في ذا كله‏:‏ وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً‏.‏

هذا على قول من قال‏:‏ إن العامل مع الواو في تقدير الثبات وله العمل دون الواو‏.‏

ومن قال‏:‏ بل العامل هو الواو نفسه لم يكن معطوفاً على ما تقدم من قوله ‏” ولقد أرسلنا نوحاً ‏”‏.‏

وذلك كقوله تعالى‏:‏ ‏” فكيف إذا جمعناهم ‏”‏.‏

‏” فكيف إذا أصابتهم مصيبة ‏”‏.‏

‏” كيف وإن يظهروا عليكم ‏”‏.‏

والتقدير‏:‏ فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم‏.‏

يدل على صحته قوله تعالى‏:‏ ‏” كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ‏”‏.‏

ف ‏” عهد ‏” اسم يكون وعند الله صفة له‏.‏

وكيف خبر عنه أعني‏:‏ يكون‏.‏

وللمشركين‏:‏ ظرف يكون‏.‏

ومن حذف الجملة قوله تعالى‏:‏ ‏” ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم ‏”‏.‏

والتقدير‏:‏ من يحادد الله ورسوله يعذب فحذف الجواب كحذفه فيما قدمناه‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏” فأن له نار جهنم ‏” بدل من ‏” أنه من يحادد الله ورسوله ‏” والفاء زيادة على قوله سيبويه‏.‏

وقال غيره‏:‏ إن ‏” أنّ ‏” مرتفع بالظرف • أي‏:‏ فله أن له وستراه في بابه‏.‏

ومن حذف الجملة قوله تعالى‏:‏ ‏” قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ‏” والتقدير‏:‏ لالتجأت إليه‏.‏

فحذف الجواب‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وآله‏:‏ رحم الله أخي لوطاً قد وجد ركناً شديداً‏.‏

ومن ذلك الآية الواردة في صلاة الخوف وهو قوله عز من قائل‏:‏ ‏” وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ‏”‏.‏

اختصر وأوجز وأطنب وأسهب وأتى بالبلاغة والفصاحة بحيث لا يفوتها كلام ولا يبلغ كنهها بشر فتحقق قوله ‏” قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ‏”‏.‏

فاعرف أيها الناظر كيفية صلاة الخوف ثم انظر في الآية يلح لك إيماؤنا إلى ما أومأنا إليه‏.‏

قال أبو حنيفة‏:‏ إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين في وجه العدو وطائفة خلفه فصلى بهذه الطائفة ركعة وسجدتين فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو وجاءت تلك الطائفة‏.‏

فصلى بهم ركعة وسجدتين وتشهد وسلم ولم يسلم القوم وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت طائفة أخرى فصلوا وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهد ومضوا إلى وجه العدو وجاءت طائفة أخرى فصلوا ركعة وسجدتين بقراءة وتشهد وسلموا‏.‏

فإذا عرفت هذا فقوله تعالى‏:‏ ‏” فلتقم طائفة منهم معك ‏” فمعناه‏:‏ فلتصل طائفة منهم لم يصلوا معك • أي‏:‏ فلتقم طائفة بركعة فحذف‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏” وليأخذوا أسلحتهم ‏” • أي‏:‏ الذين انصرفوا إلى تجاه العدو ولم يصلوا معك وليأخذوا أسلحتهم‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏” فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ‏” يعني الطائفة التي صلت تقوم بإزاء العدو حين فرغت من ركعة عقيب السجدة لأن الفاء للتعقيب‏.‏

فلا يجوز‏:‏ إذا سجدت الثانية أن تقف لتتم الركعة الأولى فتضم إليها الركعة الثانية لأن الفاء يبطل معناها إذ ذاك فوجب أن يكونوا من وراء عقيب السجدة بإزاء العدو ولا تقف للركعة الباقية ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ركعة فحذف المفعول‏.‏

ولم يقل‏:‏ فلتنصرف الأولى وتؤدى الركعة بغير قراءة وتسلم‏.‏

فحذف هذه الجملة وحذف المفعول من قوله ‏” فليصلوا معك ‏” وحذف الجار والمجرور من قوله ‏” فلتقم طائفة منهم معك ‏” وأضمر في قوله ‏” وليأخذوا أسلحتهم ‏” غير الطائفة المأمورين بالقيام معه‏.‏

فلا ينصرف الضمير من قوله ‏” وليأخذوا ‏” إلى الظاهر قبله وإنما التقدير‏:‏ وليأخذ باقيهم أسلحتهم فحذف المضاف فاتصل المنفصل‏.‏

ونظير حذف الباقي قوله تعالى‏:‏ ‏” فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ‏” • أي‏:‏ ليتفقه باقيهم‏.‏

ولما أضمر غير المقدم ذكرهم رجع إلى ذكرهم في قوله ‏” فإذا سجدوا ‏” فخالف بين الضميرين اللذين أحدهما بعد صاحبه‏.‏

فلا يمكنك إنكاره بقولك‏:‏ لم خالفت بينهما ولم تجعل قوله ‏” وليأخذوا ‏” راجعاً إلى الطائفة التي أمرت بالقيام معه حتى تأخذ السلاح معه في الصلاة لأن اختلاف الضميرين قد جاء في التنزيل‏.‏

ترك تعليق