(ما): إن الخبر جاء في التقديم منصوبا

المؤلف: أبو العباس، أحمد بن محمد بن ولاد التميمي النحوي (المتوفى: ٣٣٢ هـ)

 

ومن ذلك قوله في باب (ما): إن الخبر جاء في التقديم منصوبا في قول الفرزدق:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم *** إذ هم قريش وإذا ما مثلهم بشر

 

قال محمد: وليس هذا موضع ضرورة، والفرزدق لغته الرفع في التأخير، ومن نصب الخبر مؤخرا رفعه مقدما، ولكنه نصبه على قوله: فيها قائما رجل، وهو قول أبي عثمان المازني، والخبر مضمر.

 

قال أحمد: قول محمد: (وليس هذا موضع ضرورة)، لا حجة فيه على سيبويه، إنما هي رواية عن العرب، والمحاجة في [مثل] هذا على العرب، أن يقول لهم /١٠/: لم أعربتم الكلام هكذا من غير ضرورة لحقتكم؟ أو يكذب سيبويه في روايته، وهو عنده بخلاف هذه الحال، وإذا كان غير مكذب عنده فيما يرويه، وكانت العرب غير مدفوعة عما تقوله مضطرة بالوزن أو غير مضطرة، فعلى النحوي أن ينظر في علته وقياسه، فإن وافق قياسه وإلا رواه على أنه شاذ عن القياس، ولم يكن للاحتجاج بالضرورة وغيرها معنى، إذا كان الناقل ثقة.

 

فأما قوله: والفرزدق لغته رفع الخبر مؤخرا فكيف ينصب مقدما؟ فليس ذلك بحجة، لأن الرواة عن الفرزدق وغيره من الشعراء قد تغير البيت على لغتها، وترويه على مذاهبها مما يوافق لغة الشاعر ويخالفها، ولذلك كثرت الروايات في البيت الواحد، ألا ترى أن سيبويه قد يستشهد ببيت واحد لوجوه شتى، وإنما كذلك على حسب ما غيرته العرب بلغاتها، لأن لغة الراوي من العرب شاهد كما أن قول الشاعر شاهد إذا كانا فصيحين، فمن ذلك ما أنشده سيبويه لزهير:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى *** ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

 

ورواه أيضا، ولا سابقا شيئا، في مواضع أخر، وكذلك أنشد قول الأعور الثني:
فليس بآتيك منهيها *** ولا قاصر عنك مأمورها
بالرفع والجر، وهذا كثير.

 

وأما قول أبي عثمان، إنه على الحال المقدمة على النكرة، فلا يجوز، والذي ذهب إليه شر مما هرب منه، لأنه ليس بجائز عند النحويين: قائما رجل، على إضمار الخبر، ولأن يكون الخبر منصوبا مقدما كما كان مؤخرا أقرب إلى الجواز على ضعفه مما قال المازني، لأنه أتى بحال ولم يأت بعامل فيها، وأتى بمبتدأ ولم يأت بخبر له، وحذف في موضع لا يعلم المخاطب به ما حذف منه، ولا دلالة فيه على المحذوف، وهذا لا يجوز، لأن فيه إلباسا، وذلك وإن كان ضعيفا فلا إلباس فيه، أعني تقدم الخبر منصوبا، وما كان (ضعيفا) ولا لبس فيه فهو أجود مما جمع الضعف والإلباس.

 

قال محمد بن يزيد: واحتج أبو الحسن الأخفش في هذا الباب في /١١/ جواز العطف على عاملين بآيتين ليس في واحدة منهما عطف على عاملين، وذلك قوله عز وجل: ﴿ وفي خلقكم وما يبث من دابة ﴾ وقوله: ﴿ لعلي هدى أو في ضلال مبين ﴾، قال فعطف على (في) وعلى اللام، واللام ليست عاملة، ولكن قرأ بعض القراء: ﴿ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات ﴾ فنصب آيات، وعطف على عاملين.

 

قال أحمد: القول في هاتين الآيتين ما قال محمد بن يزيد، ليس فيهما عطف على عاملين، ولكن الشاهد في الآية التي جاء بها محمد بن يزيد، وهو قوله عز وجل: ﴿ وتصريف الرياح آيات ﴾، لأن (آيات) عطف على اسم إن، وتصريف عطف على ما عملت فيه (في) وهو مخفوض، فقد عطف بالواو على منصوب ومخفوض، والعاملان (إن) و (في)، والمعطوفان (تصريف) و (آيات).

 

فأما قول الأخفش: إنه عطف على (في) وعلى اللام في قوله عز وجل ﴿ لعلى هدى أو في ضلال مبين ﴾ فظاهر الفساد، لأن (في) لم يعطف علها شيء يلي حرف العطف، وهي معطوفة على ما قبلها.

 

المصدر: الانتصار لسيبويه على المبرد

ترك تعليق