كتبه: أحمد مختار عمر

 

للغة ارتباط وثيق بعلوم الطبيعة، فإن أصوات لغة الكلام تنتج وتستقبل عن طريق أجهزة الجسم الإنساني، وتركيب هذه الأجهزة ووظائفها “أجهزة مثل الرئتين والقصبة الهوائية والفم واللسان والأنف والأذنين … إلخ” جزء من علم وظائف الأعضاء، كذلك فإن انتقال الصوت على شكل موجات صوتية عبر الهواء يدخل في اختصاص علم الطبيعة، وبخاصة ذلك الفرع المعروف بعلم الصوت. ولكن اللغة -من ناحية أخرى- لها علاقة وثيقة بعلم الإنسان، وعلم الاجتماع، باعتبارها نتاج علاقة اجتماعية، ووسيلة نقل الثقافة التي تعتبر من وجهة نظر علم الإنسان مجموعة تقاليد الشعب وأوجه استعمالاته للغته. وبالنظر إلى وظيفة اللغة كتعبير عن الفكر، يمكن اعتبار اللغة جزءا من علم النفس، كذلك تطرق اللغة كل أبواب النشاط الإنساني المشترك من عقيدة وحرب وسياسة وقانون وترفيه. واللغة -إلى جانب ذلك- تعمل كأداة للفكر الراقي، فالخطابة والأدب والشعر والفلسفة والعلوم، كل أولئك لا بد أن تتناول عن طريق اللغة.

 

 

من أجل هذا فإن علم اللغة يعتبر نوعا من الدراسة التي لا يمكن بالضبط أن تعد من علوم الطبيعة، أو الاجتماع، أو فرعا من فروع العلوم الإنسانية، إنه يحتل مكانًا ملموسًا بين هذه الأقسام الثلاثة للمعرفة الإنسانية، إن اللغة أداة ذات أهمية بالغة في الحضارة الإنسانية، إنها شيء لا غنى عنه، وأيضا فاللغة ملك مشاع لكل طبقات المجتمع من أعلاها إلى أدناها، ليس كل الناس يكتبون، وقليل منهم نسبيا من يهتمون بصناعة الأدب، ولكن كل الناس يتكلمون.


وهذا كله يجعل علم اللغة “الدراسة المقصودة للغة” موضوعا ذا أهمية كبيرة، وإن كانت عملية استخدام اللغة نفسها تعتبر أساسا عملية غير واعية، وتأخذ في طبيعتها صورة الأفعال اللاإرادية أو المنعكسة منذ اللحظة التي يكتسب فيها الإنسان اللغة، ويتمكن منها.