الأساليب الحجاجية لفن الخطابة

ملخص:

يعتبر فن الخطابة من أهم الفنون التي يتم الاعتماد عليها لتبليغ رسائل أو أفكار أو خطابات معينة للمتلقي، وهذا الأمر يتطلب التزود بأهم الوسائل والأساليب الحجاجية التي من شأنها أن تؤثر فيمن وجه إليه الخطاب، وعلى هذ الأساس فقد اكتسى الحجاج أهميته من خلال الوظيفة التي يؤديها في عملية تبليغ الخطاب. لقد أصبح للأساليب الحجاجية أهمية كبرى في العديد من الحقول المعرفية مثل تحليل الخطاب، وتأليف النصوص الإشهارية، وكذا فن الخطابة نظرا لما توفره من أدوات لغوية وأساليب تعبيرية تساعد على تبليغ الخطاب والتأثير في المخاطب، ولذلك سأحاول أن أشير إلى أهم الأساليب الحجاجية التي قد تعتمد في فن الخطابة.

1- مقدمة

لقد وضعت اللغة لتأدية مجموعة من المهام أبرزها التواصل بين الإنسان الذي ينبني على مجموعة من الآليات والمبادئ، لعل أهمها هي الأساليب الحجاجية التي يسعى من خلالها المتكلم إلى التأثير على المخاطب من أجل لفت انتباهه وإقناعه، معتمدا على الأساليب الحجاجية المتنوعة التي جاءت في اللغة وأساليبها لغرض الإقناع باستعمال كل البراهين والحجج والأدلة التي تساعد على جلب انتباه المخاطب وترك أثر نفسي فيه حسب السياق والمقام الذي يتواجد فيه كل من المتكلم والمخاطب أو المخاطبين.

إن التأثير في المتلقي ليس بالأمر اليسير، لذلك فقد وضعت مجموعة من الفنون التي تساعد على تبليغ شيء معين والتأثير في المتلقي، وأهم هذه الفنون فن الخطابة، وهو من الفنون الإبداعية التي تساعد على إيصال الأفكار عبر التحدث بطريقة إلقائية إلى الجمهور المحدد وإقناعه، عبر مجموعة من الأساليب الحجاجية المتنوعة التي تقتضي التمكن من مجموعة من العلوم، وضبط العديد من الأساليب اللغوية والبلاغية، والتزود بزخم مفرداتي يساعد في عملية التأثير والاقناع واستمالة المخاطب، وهذا ما يجعل المخاطب ذا ملكة بيانية وفصاحة لسانية، ولذلك فقد ارتأيت أن ألخص بعض الأساليب الحجاجية التي من شأنها أن توظف في فن الخطابة من قبيل: الأدوات والأساليب اللغوية، والأفعال الكلامية، والأساليب البلاغية، وغيرها.


إقرأ أيضا: صور من أخطاء الصحافة والإعلام

2- الأدوات والأساليب اللغوية

تتجسد الأساليب الحجاجية لفن الخطابة في السعي إلى مساعدة المتكلم في عملية الاقناع، سواء تعلق الأمر بالتأثير أو التصديقية أو تعلق الأمر كذلك بالاستدلال والبرهنة، لذلك فإن المتكلم يحتاج إلى بعض الأدوات والأساليب اللغوية التي يستند عليها من أجل تبليغ الرسالة؛ فمن أبرز الأدوات اللغوية المساعدة في فن الخطابة نجد، التكرار حيث إن التكرار يعد من أبرز “أساليب الحجاج اللغوية إذ يعتمدها المرسل لإثبات دعواه أو قضيته، وللتكرار وظائف خطابية عدة عبر عليها بالإفهام و الإفصاح و الكشف وتوليد الكلام و التشييد من أمره، وتقريره المعنى وإثباته”[1]، وينبني التكرار على تكرار الكلمات المحورية في الخطاب المراد إيصاله وتكرار الضمائر المهيمنة؛ كضمير المتكلم أو ضمير المخاطب، أو ضمير الجماعة.

كما تتجسد الأساليب الحجاجية لفن الخطابة في مدى توظيف مجموعة الأساليب اللغوية مثل:

–  أسلوب النفي؛

– أسلوب الحصر؛

– أسلوب التوكيد؛

3- الأفعال الكلامية:

تعتبر الأفعال الكلامية من أهم الأساليب الحجاجية التي يمكن الاعتماد عليها في الخطابة كذلك، وقد حظيت هذه الأفعال باهتمام مجموعة من الباحثين لعل أبرزهم سيرل الذي قسم الأفعال الكلامية إلى خمسة أنواع وهي:

الأفعال الإخبارية أو التقريرية أو التمثيلية: وتمثل ‏هذه الأفعال جمل الإثبات والنفي والحقيقة والاستنتاج والوصف.

الأفعال التوجيهية: وتتشكل من أفعال الطلب كالأمر والنهي والاستفهام والنداء وغيره.

الأفعال الإلزامية: ويتضمن هذا النوع كل من أفعال الوعد والوعيد والتعهد والقسم.

الأفعال التعبيرية: وتتجسد في الأفعال الخاصة بالتعبير عن الفرح والسرور أو الحزن أو الخوف أو التأسف أو التعجب أو الترحيب أو التهنئة أو الاعتذار أو المواساة أو التعاز، أو غير ذلك من الأفعال التي تساعد على التعبير عن الأحاسيس والمشاعر والانفعالات والعلاقات الاجتماعية.

الأفعال الإعلانية: وتضم أفعال الشعائر والأحكام والقرارات وغير ذلك[2]


إقرأ أيضا: امتداد آفاق اللغة

4- الأساليب البلاغية:

تعتبر الأساليب البلاغية من أهم الأساليب التي يتم استثمار علومها في عملية التواصل بصفة خاصة، وفن الخطابة على وجه الخصوص، حيث تساعد المتكلم في عملية بناءِ نصٍ لغوي يمتاز بجماليّة الألفاظ المناسبة التي تجعل من النص نصا مستقيما.

إن الأساليب الحجاجية لا تكاد تخلو من الأساليب البلاغية؛ إذ تمكن المتكلم أو المُخَاطِب من تعزيز مواقفه والدفاع عنها بأحسن التعابير المزخرفة للخطبة، ويعتبر علم البديع من أهم العلوم البلاغية الثلاث بالدرجة الأولى، والتي تساعد على جعل الخطبة خطبة تتميز بالجمالية والزخرفة الكلامية، ويتعلق الأمر بالأساس بأساليب المقابلة والجناس والطباق وغيرها، باعتبارها “أصل أساليب الإبلاغ والتبليغ”[3] بالإضافة إلى الأساليب الإنشائية التي تندرج ضمن علم المعاني.

كما أن الأساليب الحجاجية قد ترتكز على ما يقدمه علم البيان مثل:

–  التشبيه؛

– الاستعارة؛

– المجاز؛

5- الروابط الحجاجية:

إن الروابط الحجاجية هي الأدوات التي نستطيع بواسطتها أن نربط الجمل بأدلّتها وبراهينها ارتباطا منطقيا قادرا على التأثير في المتلقي حسب النسق العام للكلام [4]. وقد قدمت آن روبول تعريفا لها حيث قالت بأن الروابط الحجاجية هي “كل لفظ يمكّن من ربط قضيّتين أو جملتين أو أكثر لتكوين قضايا وجمل مركّبة”[5]

وأهمّ هذه الروابط:

حروف العطف: الواو، الفاء، ثم، بل، لكنْ…

أدوات الشرط: إن، لو، إذا، لولا…

الروابط التعليلية: لأنّ، بسبب، تبعا ل…

الروابط التنظيمية: أَمَّا، وبخصوص، وقبل كلّ شيء…

الروابط المكانية والزمانية: تارة أخرى، من جهة، ومن جهة ثانية…

المنظمات العددية: أولا، ثانيا، ثالثا…

الروابط العامة في الخطاب، مثال: نحن الآن في هذه المرحلة … لقد أنهينا الحديث في..[6].

6- خاتمة

أصبح لفن الخطابة عناية بالغة الأهمية في الدراسات الحديثة ضمن حقول معرفية متعددة لما تؤديه من دور في إبلاغ الخبر والتأثير في المتلقي، ومن تجليات فن الخطابة كذلك، أنه أصبح علما يتلقن فيه الطلبة آليات الخطابة وأساليبها الحجاجية، وقد حاولت في هذا البحث، أن أحيط بأهم الأساليب الحجاجية التي يمكن استثمارها في فن الخطابة من أجل إيصال الرأي والتأثير على المتلقي.

7- المصادر والمراجع:

آن روبول وجاك موشلار، “التداولية اليوم، علم جديد في التواصل”، ترجمة: سيف الدين دغفوس-محمد الشيباني، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت- لبنان-الطبعة الأولى، سنة الطبع: 2003م.

حليمة مسعي، “الآليات الحجاجية في الخطاب الديني (خطبة عمر بن الخطاب “رض ي الله عنه”) أنموذجا”، سياقات اللغة والدراسات البينية، المجلد الثاني العدد الخامس ابريل 2017.

دلخش جرلله حسين، “الأفعال الكلامية ونماذجها التطبيقية في القرآن الكريم”، گۆڤاری توێژەر، 2017، DOI: https://www.doi.org/10.31918/twejer.170.6

رشيدة حيدرة، “الأدواتُ اللُّغويةُ ودورُها في تأصِيلِ حِجَاجيَّةِ الخِطابِ النَّحويِّ”، مجلة علوم اللغة العربية وآدابها، المجلد: 11، العدد: 1، 2019.

طه عبد الرحمان، “مراتب الحجاج وقياس التمثيل”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة سيدي محمد-بن عبد الله فاس.

الفرق بين ( إنا رسول) بالإفراد، و( إنا رسولا) بالتثنية

في القرآن ومعطيات السياق والموقف

د أحمد درويش

سألني حبيب مهتم بلغة القرآن:

ما الفرق بين ﴿فَأتِيا فِرعَونَ فَقولا إِنّا رَسولُ رَبِّ العالَمينَ﴾ بإفراد ( رسول)، وبين ﴿فَأتِياهُ فَقولا إِنّا رَسولا رَبِّكَ﴾ بتثنية ( رسولا)؟

قلت: الإفراد هنا واش باتحاد المنهج، اتحاد الفكرة، اتحاد الدعوة، وكأن الاثنين يقولان: نحن فرد واحد لا فردان؛ فلا اختلاف أبدا بين نبيين يريدان نشر دعوة، وقتل فرية، وهكذا يجب أن يكون أصحاب الدعوات، لا تنافر ولا تحارب وإنما التعاضد والألفة …

ولا يخفى أن هذا المعنى قد رمق سماءه الزمخشري ( ت: ٥٣٨ه‍) عندما قال: “ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻮﺣﺪ( أي يقول (رسول) بدلا من ( رسولا) … لاﺗﻔﺎﻗﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻭاﺣﺪﺓ … ﻓﻜﺄﻧﻬﻤﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﻭاﺣﺪ” …

لكنه عاود قائلا: كيف نخرّج التثنية ( رسولا) في قوله ﴿فَأتِياهُ فَقولا إِنّا (رَسولا) رَبِّكَ …﴾ [طه: ٤٧]؟؟

قلت: لذلك أسباب عدائد نستنبتها مما قاله علماؤنا في تفاسيرهم بأسلوبنا:

أولا: حتى يكون لهارون صفة، فقد يقابله فرعون بقوله: وما صفتك يا هارون؟ فيأتي الجواب ( إنا رسولا ) فكما أن أخي موسى رسول فأنا مثله رسول؛ وفرعون لن يتورع في إحراج أحدهما إذا وجد الفرصة سانحة ملائمة لذلك، فكأن التثنية احتراس من توقع أمر ما من قبل فرعون …

ثانيا: قد يكون هارون هنا هو المتحدث لأن موسى طلبه ردءا ومعينا قائلا (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني) فقال هارون لفرعون ( إنا رسولا )، ومن ثم لا يسطيع أن يقول وحده ( إنا رسول )؛ لأنه رسول بالتبعية لأخيه …

ثالثا: جاءت التثنية لبعث الطمأنينة والثقة في قلبيهما واقتلاع جذور الخوف من نفسيهما، فهما متعاضدان على قلب واحد، يذكر أحدهما الآخر إن نسي أو تلعثم …

فكان الأجدى أن تذكر لفظة (رسولا) بالتثنية بدلا من الإفراد، قال الله ﴿قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَن يَفرُطَ عَلَينا أَو أَن يَطغى * قالَ لا تَخافا إِنَّني مَعَكُما أَسمَعُ وَأَرى * فَأتِياهُ فَقولا إِنّا رَسولا رَبِّكَ فَأَرسِل مَعَنا بَني إِسرائيلَ وَلا تُعَذِّبهُم قَد جِئناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾[طه: ٤٥-٤٧]…

ولا يخفى على شريف علمكم أن النكات البلاغية السياقية لا تتزاحم مطلقا بل يأخذ بعضها بحجز بعض؛ تبيانا لمرادات القرآن، وهذا بشير بأهمية تعميق القراءة ومحاولة استنباط أسباب أخر بعد استنبات السياقات المختلفة …

والحمد لله أولا وأخيراً


[1] حليمة مسعي، “الآليات الحجاجية في الخطاب الديني (خطبة عمر بن الخطاب “رض ي الله عنه”) أنموذجا”، سياقات اللغة والدراسات البينية، المجلد الثاني العدد الخامس ابريل 2017، ص: 214

[2] دلخش جرلله حسين، “الأفعال الكلامية ونماذجها التطبيقية في القرآن الكريم”، گۆڤاری توێژەر، 2017، DOI: https://www.doi.org/10.31918/twejer.170.6

[3] طه عبد الرحمان، “مراتب الحجاج وقياس التمثيل”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة سيدي محمد-بن عبد الله فاس، ص 8

[4] رشيدة حيدرة، ” الأدواتُ اللُّغويةُ ودورُها في تأصِيلِ حِجَاجيَّةِ الخِطابِ النَّحويِّ”، مجلة علوم اللغة العربية وآدابها، المجلد: 11، العدد: 1، 2019، ص: 192

[5] آن روبول وجاك موشلار، “التداولية اليوم، علم جديد في التواصل”، ترجمة: سيف الدين دغفوس-محمد الشيباني، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت- لبنان-الطبعة الأولى، سنة الطبع: 2003م، ص: 265.

[6] رشيدة حيدرة، “الأدواتُ اللُّغويةُ ودورُها في تأصِيلِ حِجَاجيَّةِ الخِطابِ النَّحويِّ”، مجلة علوم اللغة العربية وآدابها، المجلد: 11، العدد: 1، 2019، ص: 192-193.

ترك تعليق