الإجابة:

أولًا: آراء معربي القرآن الكريم في إعراب قوله: {أراغبٌ أنت} من قوله: {قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ}

بتتبع آراء معربي القرآن الكريم، فإننا سنلاحظُ بأن الصافي في (الجدول في إعراب القرآن)، وكذلك عبد الواحد في (الإعراب المفصل لكتاب الله المرتل) قد أجازا وجهين في إعراب قوله {أراغب أنت}.

الوجه الأول: (راغب) مبتدأ، و(أنت) في محل رفع فاعل سد مسد الخبر، وقد سوغ الابتداء بالنكرة اعتماد (راغب) على الاستفهام.

الوجه الثاني: (راغب) خبر مقدم، و(أنت) في محل رفع مبتدأ مؤخر، وبه قال الزمخشري أيضًا في كتابه (الكشاف).

أمَّا درويش في (إعراب القرآن وبيانه) فقد أقرَّ وجهًا واحدًا فقط وهو وجه (راغب) مبتدأ، و(أنت) في محل رفع فاعل سد مسد الخبر، وقد رد درويش على من قال بالرأي الثاني.

وإليك الإعراب المفصل للوجهين، ثم نص كلام درويش في التعليق على الوجه الثاني.

أولًا: الإعراب المفصل للوجهين بناء على كلام (الصافي وعبد الواحد):

الوجه الأول: {أراغب أنت}

(الهمزة): حرف للاستفهام مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

(راغب): مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.(الذي سوّغ الابتداء بالنكرة اعتمادها على استفهام).

(أنت): ضمير بارز منفصل مبنيّ على الفتح في محلّ رفع فاعل لاسم الفاعل (سدّ مسدّ الخبر)

الوجه الثاني: {أراغب أنتَ}

(الهمزة): حرف للاستفهام مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

(راغب): خبر مقدّم مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

(أنت): ضمير بارز منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر.

ثانيًا: نص كلام درويش في التعليق على الوجه الثاني.

قال: “{أَراغِبٌ أَنْتَ} الهمزة للاستفهام الإنكاري، وراغب مبتدأ؛ وسوغ الابتداء اعتماده على أداة الاستفهام، وأنت فاعل سد مسدَّ الخبر، وأعربه الزمخشري خبرًا مقدمًا (يعني (راغب) و(أنت) مبتدأ مؤخرًا ولا موجب لذلك بعد وجود القاعدة وسيأتي تقريرها في باب الفوائد وما تخللها من أبحاث تذهل الألباب”.

وبناءً على الكلام السابق فإنَّ درويش لا يأخذ بالرأي الثاني، وإنما يعتمد الرأي الأول فقط.

ثالثًا: القاعدة عند درويش.

خلاصة القاعدة عند درويش عن المبتدأ الصفة، الآتي:

• إذا تقدم الوصفَ نفي أو استفهام فتكون الصفة حينئذ بمنزلةِ الفعل فلا تثنى ولا تجمع ولا توصف ولا تصغر ولا تعرف.

• ويتناول الوصف اسم الفاعل، مثل: (ما ناجح الكسولان)، أو اسم المفعول، مثل: (هل محبوبٌ المجتهدون؟)، أو الصفة المشبهة أو اسم التفضيل أو الاسم الجامد الذي فيه معنى الصفة مثل: (هل صخر هذان المعاندان؟)، فـ (صخر) مبتدأ وهو اسم جامد بمعنى الوصف لأنه بمعنى: (صلب قاس)، و(هذان) فاعل لـ (صخر) أغنى عن الخبر. أو اسم منسوب فهو بمعنى اسم المفعول، مثل: (ما وحشي أخلاقك)، فـ (وحشي) مبتدأ، وهو اسم جامد فيه معنى الصفة، و(أخلاقك) نائب فاعل له أغنى عن الخبر.

• لا فرق بين أن يكون النفي والاستفهام بالحرف أو بغيره، مثل: (ليس كسول ولداك وغير كسول أبناؤك وكيف سائر أخواك)، غير أنَّه مع (ليس) يكون الوصف اسمًا لها والمرفوع بعده مرفوعًا به سد مسدّ الخبر.

• فإن لم يقع الوصف بعد نفي أو استفهام فلا يجوز هذا الاستعمال، فلا يقال: (مجتهد غلاماك)، بل تجب المطابقة مثل: (مجتهدان غلاماك)، وحينئذ يكون خبرًا مقدمًا وما بعده مبتدأ مؤخرًا، وأجازه الكوفيون لأنهم لم يشترطوا اعتماد الصفة على النفي والاستفهام.

خلاصة الأمر عند درويش:

أنَّه إذا رَفع الوصف ما بعده فله ثلاثة أحوال (بشرط أن يتقدم الوصفَ نفي أو استفهام):

1- يكون مبتدأ وجوبًا وما بعد الوصف فاعل أو نائب فاعل (سد مسدّ الخبر) إذا لم يطابق ما بعده في التثنية والجمع، نحو: (أقائم أخواك).

2- يكون خبرًا مقدمًا وجوبًا وما بعد الوصف مبتدأ إذا طابق ما بعده في التثنية والجمع، نحو: (أقائمان أخواك).

3- جواز الوجهين إذا كان مفردًا وطابق ما بعده في التذكير والتأنيث، (فقد اجتمع شرط الفاعل مع رافعه وشرط المبتدأ مع خبره)، نحو:(أقائم أخوك) و (أقائمة أختك).

ومحل جواز الوجهين: ما لم يوجد مانع.

• جعل بعض العلماء من الموانع في قوله تعالى: {أراغب أنت عن آلهتي}: فتتعين الابتدائية للزوم الفصل إذا جعلته خبرًا بينه وبين معموله وهو الجار والمجرور.

• ولكن ردّ ذلك آخرون مدافعين عن الزمخشري بأن قوله (عن آلهتي) متعلق آخر.

• أمَّا الزمخشري وابن الحاجب فقد اشترطا في الأصل أن يكون المرفوع اسمًا ظاهرًا.

• ولكن الزمخشري نفسه: أجاز إعراب (أنت) فاعلًا لـ (راغب).

وبناء على الكلام السابقِ، فإنَّه يجوز الوجهانِ

المجيب: محمد مكاوي

مؤسس أكاديمية مكاوي للتدريب اللغوي