ونَعني به تقديمَ مواقع بعض حروف الكلمة على بعضِها الآخَر، كتقديم عينِ الكلمة على فائها، أو تقديم اللام على العَيْن، وتوسطها بينها وبيْن الفاء، أو تقدُّم لام الكلمة على فائها وعينها.

 أ. د. أحمد محمد عبدالدايم عبدالله

أثر القلب المكاني على وزن الفعل

ونَعني به تقديمَ مواقع بعض حروف الكلمة على بعضِها الآخَر، كتقديم عينِ الكلمة على فائها، أو تقديم اللام على العَيْن، وتوسطها بينها وبيْن الفاء، أو تقدُّم لام الكلمة على فائها وعينها.

 ولمَّا كان الوزنُ يطابق أصلَ الكلمة، فإنَّ أي تغيير يقَع عليها لا بدَّ مِن أن يؤثِّر بالتالي في وزنها، فتقديم حرْف مِن حروف الكلمة الأصليَّة أو تأخيره، يؤدِّي بالضرورة إلى تقديم مقابلِه في الميزان أو تأخيره.

 وكثيرًا ما نرَى الحرف يحتلُّ موقعًا غير الذي له في كثيرٍ مِن الكلمات، وقد يكون ذلك لاعتباراتٍ صرفيَّة أو صوتيَّة معيَّنة، أو لضرورة تجبُرنا على التغيير والقلْب، أو قد يكون اتباعًا للُغة مِن لُغات بعض القبائل العربيَّة.

 كقول بعضهم: (امضحل) في اضمحل، (واكرهف) في اكفهر، ويقول الحجازيُّون: “عميق” بينما يقولها التميميون: “معيق” حيث قرأ ابنُ معسود “مِن كل فج معيق“.

 صور القلْب المكاني في الكلمات وتأثير ذلك على الوزن:

أ – توسط “لام” الكلمة بيْن الفاء والعين:

بمعنى حدوثِ تغيير في مواقِع حروف الكلِمة، وبالتالي تتغيَّر مواقع حروف الميزان الصَّرْفي، وفي هذه الصورةِ يتحوَّل الميزان مِن “فعل” إلى “فلع”، ومِن أمثلة ذلك:

 1- ناء: فعلٍ ماض بمعنى بعُد، ومضارعه “يناء” بمعنى “يَنْأَى“، وهذا الفعل مقلوبٌ مِن الفعل (نأى) الذي وزنُه فعَل، حيث تقدَّمتِ الألف اللينة (لام الكلمة) واحتلَّتْ موقع الهمزة (عين الكلمة)، وتأخَّرت الهمزة فأصبح الوزن “فلع”.

 2- شاكٍ، ولاثٍ: وهما اسمَا فاعل، والفِعل الماضي منهما “شاك – لاث“، والمفترض فيهما لأنَّهما أجوفان: أن يأتي اسمُ الفاعل على (شائك – ولائث) بقلْب حرْف العِلَّة همزة بعدَ ألف فاعِل، ووزنهما (فاعل)، إلا أنَّ الهمزة (عين الكلمة) تخلَّتْ عن موقعها للام الكلمة، فتوسَّطت اللام بيْن الفاء والعين، تطرَّفتِ الهمزة فقُلِبت واوًا، فأصبحتِ الكلمات (شاكو – لاثو) على وزن “فالع”، ثم أُعِلَّت الكلمات إعلالَ قاضٍ، فصارتَا (شاكٍ – لاثٍ) على وزن “فال”.

 3- قوس: تُجمع هذه الكلمة على جمْعين: أقواس: ولا شيءَ فيه.

 وقِسي، وهذا حدَث فيه الآتي:

المفترَض فيه أنَّ جمعه على “قووس”؛ لأنَّ كل ما كان مفردُه على فَعْل، قد يُجمع على فُعول، نحو:

شعْب وشُعوب، وفهد وفُهود، ومعنى هذا أنَّ القاف في “قِسي” هي فاءُ الكلمة، والسِّين هي اللام، والياء، مقلوبةٌ عن الواو في “قووس” حينما تطرَّفت، وهي عن الكلمة؛ لأنهم استثقلوا وقوعَ الواو مضمومةً بعد “ضمة” متلوة بواو أُخرى ساكِنة؛ ولذلك قدَّموا السين (لام الكلمة)، وأخَّروا الواو المتحرِّكة (قسوو)، فأصبح وزنها “فلوع”.

 4- رَاءَ بمعى رأى: وزنها “فلع”؛ لأنَّ اللام قدمت إلى موضِع العين، وأصل راءَ رأَى، قدِّمت الياء فصارتْ “ريأ” فلمَّا تحرَّكتِ الياء وانفتَح ما قبلها انقلبتْ ألفًا فصارت “راء”[1].

 5- الحوباء: وهي النفْس، وزنها “فلعاء” أصلُها حبواء، قدِّمت اللام إلى موضِع العين، ومنه نقول:

حابيت الرجلَ؛ أي: أظهرتُ له خلافَ ما في “حوبائي”[2].

 6- ميدان: اختلف في وزنه:

أ قيل وزنه “فَعْلان” مِن ماد يميد إذا تلوَّى واضطرب، ومعناه أنَّ الخيل تجول فيه وتَتثنَّى متعطفة، وتضطرب في جولانها.

 ب – وقيل وزنه “فَلْعَان” مِن المدَى وهو الغاية؛ لأنَّ الخيل تَنتهي فيه إلى غايتِها من الجرْي والجولان، وأصلُه “مديان” فقدِّمتِ اللام إلى موضع العَين، فصار “ميدانًا”، كما قيل في جمع “باز” بيزان، والأصل “بزيان”، ووزن “باز” فلع، و”بيزان”: فلعان، وأصلُه بزى وزنه فعل، تحرَّكت الياء وانفتَح ما قبَلها فقُلِبت ألفًا، ثم قدِّمتِ اللام على العين فقيل: “باز”.

 جـ وقيل وزن ميدان “فَيْعَال” مِن مَدن يمدن إذا أقام، فتكون الياء والألِف فيه زائدتين، ومعناها أنَّ الخيل لزمتِ الجولان والتعطُّف فيه دون غيره[3].

 7- طوفان: قيل وزنه “فلعان” مِن طفا يطفو إذا علا، قدِّمتِ اللام إلى مكان العَين. وقيل وزنه “فلعان” مِن طفا يطْفو إذا دار.

 ب – تقدُّم عين الكلمة على الفاء واللام:

في هذه الصورة يتحوَّل الميزان الصَّرْفي للكلمة مِن “فعل” إلى “عفل”، ولهذه الصورة نماذجُ كثيرة منها:

 1– أينُق: جمْع ناقة وزنها “أعْفُل“، الأصل أنْوُق على وزن “أفْعُل“، استثقلوا الضمَّةَ على الواو فحذفوها، فسكنتْ وقبَلها ساكن، فأوجبتِ العلَّةُ تقديمَها إلى موضِع الفاء، فصار اللفظ “أونُق“، فثقل اللفظ بالواو لوقوعها بعدَ الهمزة، فأبدلوا منها الياء؛ لأنَّها أقربُ إلى الهمزة مِن الواو[4].

2– الأُوار: شدَّة الحر، مقلوب مِن “وأرت“، ووزنه “عُفَال“.

3 آبار: جمْع بِئر، وهو فِعْل وعندَ الجمْع يصبح أفعال، مِثل حِمْل أحْمال، وكان القياس أن يكون جمع بِئر على أبْأر قدمت الهَمْزة (عين الكلمة) على الباء المقابلة (للفاء)، فصار أابار على أعْفال، ثم اجتمعتْ همزتان ثانيتهما ساكِنة، فقلبت مدَّة مِن جنس حركة الأولى، وحركة الأولى “فتحة“، فقلبت الثانية ألفًا فصارتْ “آبار” على “أعفال“.

4– آدر: جمع دار، كما تُجمَع على دُور ودِيار، وأدْؤر وآدور، أما آدر فالأصلُ فيه أن يكون (أدْوُر) على أفْعُل، ثم همزتِ الواو المضمومة فصارتْ (أدْؤُر) ثم قدِّمتِ الهمزة الثانية (عين الكلمة) على الدال (فاء الكلمة)، فصارتْ أادر، اجتمعتْ همزتان ثانيتهما ساكِنة فقُلِبت مَدَّة مِن جنس حركة الأولى، وحركة الأولى فتْحة، فقلبت الثانية ألفًا. فصارتْ آدر على (أعفل).

 5– أَيِس: بمعنى سَئِمَ أو قَنَط وزنه “عَفِل”، قدِّمت العين (الهمزة) على الفاء (الياء)؛ لأنَّ الأصل “يئِس” على وزن “فعل“.

 جـ – تقدُّم لام الكلِمة على فائها:

وفي هذه الصورة يتحوَّل الميزانُ مِن فَعَل إلى لَفَع، قال علماء الصَّرْف: إنَّ “أشياء” الأصْل فيها “شيئاء”، التي وزنها فعلاء، وهو ممنوعٌ مِن الصرْف لألف التأنيث الممدودة، ثم قدِّمت الهمزة الأولى (لام الكلمة) على الشِّين (فاء الكلمة)، فصارتْ “أشياء” على وزن (لفعاء).

 د – تأخُّر فاء الكلِمة عن العين واللام:

ويتحوَّل الميزانُ في هذه الصُّورة من “فعل” إلى “علف”، ومثال ذلك قولهم:

“الحادي عشر”، فلفظ “الحادي” اسم فاعِل مقلوب مِن “واحد”، و”الحادي”، أصل حروفه (الحادو) تطرَّفت الواو إثْر كسْر ما قبْلها فقُلبت ياءً، فصارت “الحادي”، وهذه الياء المنقلِبة عن الواو، التي هي فاءُ الكلمة في (واحد) (فاعل) تأخَّرت فأصبحتْ (الحادي) على وزن “العالف”.

_________________________________________________

[1] “أبنية الأسماء والأفعال والمصادر” لابن القطاع (ص: 365).

[2] “أبنية الأسماء والأفعال والمصادر” لابن القطاع (ص: 363).

[3] المصدر السابق (ص: 365).

[4] يقول ابن خالويه في كتاب “ليس”، ليس في كلام العرب في جمْع ناقة أنق، إلاَّ في شيء رواه الأصمعي، هو قول الغنوي:

بَرَعَ الجِيَادُ إِذَا جَرَيْنَ كَأَنَّهَا =أَنُقٌ مُشَكَّلَةٌ بِأَعْلَى سَبْسَبِ

فإنْ كان جمع الناقة فإنَّه غريب، ما سُمِع بمثله، فعلى هذا تُجمع الناقة على: ناقات ونوق، وأيانق وأنيق، وأنيقات وأنوقات، وأونق وناق ونياق، على عشرة أوجه، انظر كتاب “ليس” (ص: 77).

ترك تعليق