محمد بن ييد قوله في باب مجاري أواخر الكلم

قال محمد بن يزيد: من ذلك قوله في باب مجاري أواخر الكلم: قال سيبويه: (وإنما ذكرت ثمانية مجار لا فرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة لما يحدث فيه العامل- وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه- وبين ما يبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل.

قال محمد بن يزيد: هذا تمثيل رديء، وذلك أن الذي يدخله ضرب من هذه الأربعة هو الحرف، نحو الدال من زيد، والذي يبنى عليه الحرف هو الحركة، نحو الضمة التي يبنى عليها ثاء (حيث)، والفتحة التي يبنى عليها نون (أين)، فعدل حركة بحرف، وإنما كان ينبغي أن يعدل الحركة بالحركة والحرف بالحرف.

قال أحمد بن محمد: هذا الرد يحكى عن المازني، وقد رد أيضا مسألة أخرى في هذا الباب، إلا أنا نقتصر على المسائل التي جمعها محمد بن يزيد وألفها في كتابه، وأما الحكايات فنحن نذكرها في مواضع من تفاسير الكتاب.

أما قوله: عدل بين حركة وحرف، فهذا جائز في اللفظ من غير وجه، أحدها، يكون أراد لأفرق بين حركة ما يدخله ضرب من هذه الأربعة وبين ما يبنى عليه الحرف بناء، فحذف/3/ المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، واجتزأ بذلك لعلم المخاطب بما يعني، وهذا شائع، ومنه قول الله عز وجل: ﴿ إنه عمل غير صالح ﴾، ﴿ وسئل القرية ﴾، وما أشبه ذلك، وقولك: الفرق بين الحجاز وأهل الشرق كيت وكيت، تحذف أهل من أول الكلام، لأن المخاطب (قد) علم أنك مفرق بين الأهلين، وكذلك إذا قلت: الفرق بين الفرات وماء دجلة، وبين الفرات وطعم دجلة كذا وكذا، علم أنك مفرق بين الطعمين، ولا نعلم أحدا منع من إجازة ذلك ما لم يكن لبس في الحذف، فهذا على وجه المجاز.

ووجه آخر على غير هذا الطريق، وهو أن يكون سمى الحركة حرفا في قوله: (يبنى عليه الحرف)، يريد بالحرف الحركة كما قال النحويون: العربية على أربعة أحرف: على الرفع والنصب فجعلوا وجوه الإعراب حروفا، وكذلك: هو يقرأ بحرف فلان، فأما الحركة فهي حرف على الحقيقة، لأن الضمة واو صغرى، كأنه قال: لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة يعني الدال من زيد، وبين ما يبنى عليه الحرف، يعني الثاء من (حيث)، فهي التي يبنى عليها الحرف، والحرف الضمة، هذا على حقيقة اللفظ لا على وجه المجاز، لأنه عدل بين حرف الإعراب وحرف البناء في اللفظ وفي المعنى، وفي التأويل الأول فرق بين الحركتين، وحذف أحدهما) من اللفظ.

ووجه آخر، [وهو] أن يكون فرق بين الاسم المعرب والاسم المبني، فكأنه قال: لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة، يعني زيداً، وما أشبهه من الأسماء المتمكنة، وبين ما يبنى عليه الحرف، يعني (حيث) وما أشبهه من الأسماء المبنية كما في الثاء بنيت بضمتها على حيث.

فهذه ثلاثة أوجه:

أولها، أنه فرق بين حركة الإعراب وحركة البناء، وحذف (حركة) من الأول واجتزأ بذكر الثانية،

والوجه الثاني، فرق (فيه) بين حرف الإعراب وحرف البناء، كالدال من زيد والثاء من (حيث) على التأويل الذي ذكرناه،

والوجه الثالث، فرق فيه بين الاسم المعرب والاسم المبني، وكل هذه الوجوه إلى معنى واحد ترجع، لأن الذي قصده في هذا القول معنى تؤدي هذه الوجوه إليه.

ترك تعليق