تعريف الجملة لغةً واصطلاحًا
الجملة لغةً:
يقول ابن فارس ت 395هـ: “(جمل): الجيم والميم واللام أصلان: أحدهما تجمُّع وعِظَمُ الخَلْق، والآخر حُسنٌ، فالأول قولك: أجملتُ الشيء، وهذه جُملة الشيء، وأجملتُه حصَّلتُه، وقال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [الفرقان: 32]، ويجوز أن يكون الجُمل من هذا لعِظَمِ خَلْقه”[1].
يتضح مما سبق أن الفعل (جمل) يأتي بمعنى تجميع شيءٍ مع شيءٍ، ويأتي بمعنى تحصيل حسابٍ أو إجماله، وقد يأتي بمعنى الحُسن والجمال، وما يخص الباحث هنا هو معنى التجميع والضم.
الجملة اصطلاحًا:
يقول الدكتور علي أبو المكارم ت 2015م: “وإن لفظ الجملة لم يُستخدم في النحو إلا في عصر متأخر نسبيًّا؛ إذ كان أول من استعمله مصطلحًا محددَ الدلالة محمد بن يزيد المبرد في كتابه المقتضب”[2].
استعمَل المبرد ت 285هـ الجملة في كتابه “المقتضب” في معرض حديثه عن الفاعل، قائلاً: “هذا باب الفاعل، وهو رفع، وذلك قولك: قام عبدالله، وجلس زيد، وإنما كان الفاعل رفعًا؛ لأنه هو والفعل جملة يَحسُن عليها السكوت، وتجب بها الفائدة للمخاطب، فالفاعل والفعل بمنزلة الابتداء والخبر، إذا قلت: قام زيد، فهو بمنزلة قولك: القائم زيد”[3].
فالمبرد يقصد بمصطلح الجملة: الفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، وقد جعَل الفعل والفاعل نظيرين للمبتدأ والخبر.
يقول الدكتور أحمد محمد عبدالراضي: “ولم يكن قبل المبرد استعمال لمصطلح الجملة، بل أطلق سيبويه على رُكني الإسناد: المسند والمسند إليه، غير أن المبرد لم يُشر إلى ما أشار إليه سيبويه من العلاقة أو الرابطة بين رُكني الجملة – وهي علاقة الإسناد – وظل مفهوم الجملة يتردد في كتب النحو – مقصودًا به الفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر – إلى أن جاء ابن جني ت 392هـ، فحدَّد مفهوم الجملة عن طريق المقابلة والمقارنة بينهما وبين عددٍ من المصطلحات الأخرى، وعلى رأسها مصطلحا الكلام والقول”[4].
وقد نَضِجَ مفهوم الجملة واستوى على سُوقه، وبلَغ أَوْجَ ازدهارِه – عند ابن هشام الأنصاري ت 761هـ في كتابَيْه الماتعين: “الإعراب عن قواعد الإعراب“، و”مغني اللبيب عن كتب الأعاريب“، فقد تعمَّق ابن هشام في فَهمها، وتوسَّع في بيان أقسامها، وحجمها وموقعها، وسار في الاتجاه الذي يُفرِّق بينها وبين الكلام، وانتقد تَسْوِيَةَ الزمخشري ت 538هـ وابن يعيش ت 643هـ بينها وبين الكلام، فذكر أنهما غير مترادفين… وقد قسم الجملة إلى ثلاثة أنواع: فعلية واسمية وظرفية – وهي التي تبدأ بظرف أو جار ومجرور – وإلى صغرى وكبرى، وإلى ذات محل وغير ذات محل، وتابَعه على ذلك الشيخ خالد الأزهري ت 905هـ، والسيوطي ت 911 هـ [5].
وقد قسَّم الزمخشري الجملة إلى أربعة أنواع أو أقسام؛ يقول: “والجملة على أربعة أضرب: فعليه واسمية، وشرطية وظرفية، وذلك: زيد ذهب أخوه، وعمرو أبوه منطلق، وبكر إن تُعطِه يَشكُرْك، وخالد في الدار”[6].
فالفعلية: ذهب أخوه، والاسمية: أبوه منطلق، والشرطية: إن تُعطِه يَشكُرْك، والظرفية: في الدار؛ أي: استقرَّ في الدار.
وقد تحدَّث الدكتور تمام حسان عن أركان الجملة، فقال: “للجملة عند النحاة ركنان: المسند إليه، والمسند، فأما في الجملة الاسمية، فالمبتدأ مسند إليه، والخبر مسند، وأما في الجملة الفعلية، فالفاعل أو نائبه مسند إليه، والفعل مسند، وكل ركن من هذين الركنين عمدة لا تقوم الجملة إلا به، وما عدا هذين الركنين – مما تشتمل عليه الجملة – فهو فضلة يمكن أن يستغني عنه تركيبُ الجملة، هذا هو أصل الوضع بالنسبة للجملة العربية”[7].
[1] مقاييس اللغة؛ لابن فارس، ج 1، ص 481.
[2] مقومات الجملة العربية؛ للدكتور علي أبو المكارم، ص20.
[3] المقتضب؛ للمبرد، ج 1، ص 8.
[4] نحو النص بين الأصالة والمعاصرة؛ للدكتور أحمد محمد عبدالراضي، ص 33.
[5] السابق بتصرف ص 35 – 36.
[6] المفصل في صنعة الإعراب؛ لجار الله الزمخشري، ج1، ص 44.
[7] الأصول دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب؛ للدكتور تمام حسان، ص 121.
1 تعليق