كتبه: أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي
المحقق: د. فخر الدين قباوة

وجوه الرفع (3)

‌‌وَالرَّفْع بالنداء الْمُفْرد:

تَقول يَا زيد وَيَا عَمْرو وَيَا مُحَمَّد وَلَا يكون منونا قَالَ الله جلّ ذكره {يَا نوح اهبط بِسَلام منا} {يَا هود مَا جئتنا بِبَيِّنَة} {يَا لوط إِنَّا رسل رَبك} {يَا صَالح}

وَأما قَول الشَّاعِر

يَا حَار لَا أرمين مِنْكُم بداهية … لم يلقها سوقة قبلي وَلَا ملك)

خفض حَار لِأَنَّهُ أَرَادَ يَا حَارِث فرخم الثَّاء وَترك الرَّاء مَكْسُورَة على الأَصْل وَكَذَلِكَ تفعل بِالِاسْمِ المرخم إِذا نُودي بِهِ كَقَوْل الْأُخَر

(فصالحونا جَمِيعًا إِن بدا لكم … وَلَا تَقولُوا لنا أَمْثَالهَا عَام)

أَرَادَ يَا عَامر وقرؤوا هَذَا الْحَرْف {يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك} أَي يَا مَالك وَقَالَ آخر

(يَا مرو إِن مطيتي محبوسة … ترجو النَّجَاء وربها لم ييأس)

أَرَادَ يَا مَرْوَان فَترك الْوَاو مَفْتُوحَة على الأَصْل ويرخم ثَمُود ثمو وَإِن الِاسْم لَا يكون على أقل من ثَلَاثَة أحرف وَهُوَ مَأْخُوذ من الثمد وَهُوَ مستنقع المَاء وَقَالَ الشَّاعِر

أَو كَمَاء الثمود بعد جمام … زرم الدمع لَا يؤوب نزورا)

وَأما قَول الآخر

(يَا خَالِد الْمَقْتُول لَا تقتل)

هُوَ لغز يُرِيد يَا خَال د الْمَقْتُول من الدِّيَة وَقَالَ آخر

يَا رَازِق الذّرة الْحَمْرَاء وابنتها … على خوانك ملحا غير مدقوق) أَرَادَ يَا راز قد ذرت الْحَمْرَاء فأدغم الدَّال فِي الذَّال وشدده

‌‌وَالرَّفْع بِخَبَر الصّفة

تَقول لزيد مَال ولمحمد عقل وَعَلَيْك قَمِيص وَفِي الدَّار زيد وَاقِف وَإِن شِئْت وَاقِفًا الرّفْع على خبر الصّفة وَالنّصب على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الدَّار زيد وَقد تمّ كلامك وَإِذا لم يتم كلامك فَلَيْسَ إِلَّا الرّفْع بك زيد مَأْخُوذ وَإِلَيْك مُحَمَّد قَاصد أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت بك زيد لم يكن كلَاما حَتَّى تَقول مَأْخُوذ قَالَ الشَّاعِر

(يَقُولُونَ فِي حقويك أَلفَانِ درهما … وَأَلْفَانِ دِينَارا فَمَا بك من فقر)

‌‌وَالرَّفْع على فقدان الناصب

مثل قَول الله عز وَجل فِي الْبَقَرَة {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله} مَعْنَاهُ أَلا تعبدوا إِلَّا الله فَلَمَّا أسقط حرف الناصب ارْتَفع فَقَالَ لَا تَعْبدُونَ وَمثله فِي الْبَقَرَة {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم لَا تسفكون دماءكم} مَعْنَاهُ أَلا تسفكوا فَلَمَّا أسقط حرف الناصب إرتفع

قَالَ طرفَة بن العَبْد

(أَلا أيهذا اللائمي أحضر الوغى … وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَنْت مخلدي)

مَعْنَاهُ أَن أحضر الوغى وَقَالَ نصب بإضمار أَن وَالدَّلِيل على ذَلِك وَأَن أشهد اللَّذَّات وَقَالَ آخر

(خذي الْعَفو مني تستديمي مودتي … وَلَا تنطقي فِي سورتي حِين أغضب)

(فَإِنِّي رَأَيْت الْحبّ فِي الصَّدْر والأذى … إِذا اجْتمعَا لم يلبث الْحبّ يذهب)

على معنى أَن يذهب فَلَمَّا نزع حرف الناصب ارْتَفع

وَأما قَوْله عز وَجل {وَلَا تستعجل لَهُم كَأَنَّهُمْ يَوْم يرَوْنَ مَا يوعدون لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من نَهَار بَلَاغ} فَرفع بلاغا على أَنه خبر الصّفة مَعْنَاهُ وَلَا تستعجل لَهُم بَلَاغ

‌‌وَالرَّفْع بِالصرْفِ

قَول الله عز وَجل {وَلَا تمنن تستكثر} ذكر النحويون أَن مَعْنَاهُوَلَا تمنن مستكثرا فصرف من مَنْصُوب إِلَى مَرْفُوع وَمثله {ثمَّ ذرهم فِي خوضهم يَلْعَبُونَ} مَعْنَاهُ ثمَّ ذرهم فِي خوضهم لاعبين فصرف من النصب إِلَى الرّفْع لَوْلَا ذَلِك لَكَانَ يلعبوا جزما على جَوَاب الْأَمر

وَمثله {فذروها تَأْكُل فِي أَرض الله} وَمن يقْرؤهَا بِالرَّفْع أَي آكِلَة فصرف من النصب إِلَى الرّفْع وَمثله قَول الشَّاعِر

(مَتى تأتنا تلمم بِنَا فِي دِيَارنَا … تَجِد حطبا جزلا وَنَارًا تأججا)

وَقَالَ آخر

(مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره … تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد)

رفع تعشو على معنى تأته عاشيا فصرف من النصب إِلَى الرّفْع وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ تعش على المجازاة جزم

وَأما قَول الْأَعْشَى وَلَيْسَ من هَذَا النَّوْع

(لقد كَانَ فِي حول ثواء ثويته … تقضي لبانات ويسأم سائم)

أَرَادَ أَن يَقُول وَأَن يسأم سائم فصرف النصب إِلَى الرّفْع فَقَالَ ويسأم وَقَالَ بَعضهم نصب ويسأم على إِضْمَار ان فصرف إِلَى النصب لِأَن مَعْنَاهُ وَأَن يسأم

‌‌وَالرَّفْع بِالْحملِ على الْموضع:

كَقَوْل الشَّاعِر

(وَلما يجد إِلَّا مناخ مَطِيَّة … تجافى بهَا زور نبيل وكلكل)

ومفحصها عَنْهَا الْحَصَى بِجِرَانِهَا … ومثنى نواج لم يخنهن مفصل)

(وَسمر ظماء واترتهن بَعْدَمَا … مضى هجعه من آخر اللَّيْل ذبل)

 

رفع سمرا وَلم ينسقه على الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ حمله على الْمَعْنى لِأَنَّك إِذا قلت لم أر فِي الْبَيْت إِلَّا رجلَيْنِ فَهُوَ فِي الْمَعْنى فِي الْبَيْت رجلَانِ

وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر

(بادت وَغير آيهن على البلى … إِلَّا رواكد جمرهن هباء)

(ومشجج أما سَوَاء قذاله … فَبَدَا وَغير سارة المعزاء)

فَرفع وَكَانَ حَده النصب على الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ حمله على الْمَعْنى كَمَا تَقول فني المَال إِلَّا أَقَله رفع على الْمَعْنى لِأَنَّك تُرِيدُ بَقِي أَقَله وساره بِمَعْنى سائره

وَأما قَول الفرزدق بن غَالب

(إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ رمت بِنَا … هموم المنى والهوجل المتعسف)

(وعظ زمَان يَا بن مَرْوَان لم يدع … من المَال إِلَّا مسحت اَوْ مجلف)

حمله على الْمَعْنى فرفعه لِأَن مَعْنَاهُ بَقِي من المَال مسحت أَو مجلف والمسحت المهلك والمجلف المستأصل من قَول الله جلّ وَعز {فيسحتكم بِعَذَاب} أَي يهلككم وَمعنى لم يدع لم يبْق إِلَّا مسحت

وَمن روى مسحت ومجلف بِكَسْر الْحَاء وَاللَّام فِي مجلف فَإِنَّهُ رَفعه على الْمُوَالَاة لِأَنَّهُ جعل إِلَّا بِمَنْزِلَة الْوَاو كَأَنَّهُ قَالَ وعظ زمَان أذهب مالنا ومسحت ومجلف من الزَّمَان أَي مهلك وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم فَلَا تخشوهم واخشوني} مَعْنَاهُ وَالَّذين ظلمُوا مِنْهُم وَإِلَّا فِي مَوضِع الْوَاو

وَقَالَ الشَّاعِر

(من كَانَ أسْرع فِي تفرق فالج … فلبونه جربت مَعًا وأغدت)

(إِلَّا كناشرة الَّذِي ضيعتم … كالغصن فِي غلوائه المتنبت)

أَي وكناشرة وَإِلَّا فِي مَوضِع الْوَاو وَذَلِكَ أَن بني مَازِن يَزْعمُونَ أَن بني فالج الَّذين هم فِي بني سليم وناشرة الَّذين هم فِي بني أَسد من بني مَازِن وَمِنْه قَول الْأَعْشَى

(إِلَّا كخارجة الْمُكَلف نَفسه … وَابْني قبيصَة أَن أغيب ويشهدا)

أَي وكخارجة

وَقَالَ آخر

(نهدي الْخَمِيس نجادا فِي مطالعها … إِمَّا المصاع وَإِمَّا ضَرْبَة رغب)

حمل الضَّرْبَة على الْمَعْنى فَرَفعهَا وَلم يعطفها على المصاع فينصبها كَأَنَّهُ قَالَ وَإِمَّا أَن تكون ضَرْبَة رغب وَأما قَول الْأَعْشَى

(إِن كنت أعجبتني فَالْآن أعجبتني … قتل الغلامان بالديمومة البيد)

فَإِنَّهُ أَرَادَ مَا قَتله الغلامان فرخم الْهَاء وَسكن التَّاء لتحرك اللَّام وَرفع الغلامين بفعلهما

اضغط على أيقونة رابط قناتنا على التليجرام