كتبه: أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي
المحقق: د. فخر الدين قباوة

وُجُوه النصب (8)

 

‌‌وَالنّصب بالمشاركة:

نَحْو قَول عبد بني عبس

(قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما … الأفعوان والشجاع الشجعما)

(وَذَات قرنين ضموزا ضرزما … )

نصب الْقدَم والشجاع إِذا كَانَ الْفِعْل لَهما وَكَانَ الْقدَم مسالمة للشجاع والشجاع مسالما للقدم وَمِنْه وَلَيْسَ بِعَيْنِه قَوْلك ضربت زيدا وعمرا أكرمت أَخَاهُ وَمثله كنت أَخَاك وزيدا أعنتك عَلَيْهِ وَكنت بِمَنْزِلَة ضربت وَسَائِر الْفِعْل قَالَ الله جلّ ذكره فِي الْأَعْرَاف ﴿ فريقا هدى وفريقا حق عَلَيْهِم الضَّلَالَة ﴾ نصب فريقا الثَّانِي على الْمُشَاركَة.

وَمِنْه فِي الْفرْقَان ﴿ وعادا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس وقرونا بَين ذَلِك كثيرا وكلا ضربنا لَهُ الْأَمْثَال وكلا تبرنا تتبيرا ﴾ نصب كلا بالمشاركة وَقَالَ فِي ﴿ هَل أَتَى ﴾ ﴿ يدْخل من يَشَاء فِي رَحمته والظالمين أعد لَهُم عذَابا أَلِيمًا ﴾ نصب الظَّالِمين على هَذَا.

وَقَالَ الشَّاعِر

(أَصبَحت لَا أحمل السِّلَاح وَلَا … أملك راس الْبَعِير إِن نَفرا

(وَالذِّئْب أخشاه إِن مَرَرْت بِهِ … وحدي وأخشى الرِّيَاح والمطرا)

نصب الذِّئْب على أَن أضمر أخْشَى الذِّئْب ليَكُون الْفِعْل عَاملا كَمَا كَانَ أَولا

‌‌وَالنّصب بالقسم:

عِنْد سُقُوط الْوَاو وَالْبَاء وَالتَّاء من أول الْقسم تَقول الله لَا أفعل ذَلِك يَمِين الله لَا أزورك نصبت لِأَنَّك نزعت حرف الْجَرّ كَمَا تَقول بِحَق لَا أزورك فَإِذا نزعت الْبَاء قلت حَقًا لَا أزورك.

قَالَ الشَّاعِر

(أَلا رب من قلبِي لَهُ الله نَاصح … وَمن قلبه لي فِي الظباء السوانح)

قَالَ الله لِأَنَّهُ أَرَادَ وَالله فَلَمَّا أسقط الْوَاو نصب وَقَالَ آخر

(إِذا مَا الْخبز تأدمه بِزَيْت … فَذَاك أَمَانه الله الثَّرِيد)

أَرَادَ وأمانه الله فَلَمَّا نزع مِنْهُ الْوَاو نصب قَالَ امْرُؤ الْقَيْس

(فَقلت يَمِين الله مَا أَنا بارح … وَلَو قطعُوا رَأْسِي لديك وأوصالي)

وَبَعْضهمْ يضمرون حرف الْقسم ويجرون بِهِ فَيَقُولُونَ الله لَا أزورك كَمَا يضمرون رب ويجرون بِهِ

وَتقول عمر الله وعمرك الله قَالَ الشَّاعِر

(عمرك الله أما تعرفنِي … أَنا حراث المنايا فِي الْفَزع)

وَمثله قعدك الله على معنى نشدتك الله وَلَا فعل ل قعدك وَأما عمرك الله فعلى معنى عمرتك الله أَي سَأَلت الله لَك طول الْعُمر.

وَسُبْحَان الله بدل من التَّسْبِيح وريحانه استرزاقه ومعاذ الله على معنى عياذا بِاللَّه وَمعنى سُبْحَانَ الله فِي قَوْلهم نزاهة الله من السوء.

فَأَما سبوحا قدوسا فنصبه على معنى ذكرت سبوحا قدوسا وَأما مَا ينصب من المصادر فِي معنى التَّعَجُّب قَوْلهم كرما وصلفا وكرما لَك وَطول عمر وأنف أَي اكرمك الله وأطول بعمرك وبأنفك

وَمن قَرَأَ ﴿ تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم ﴾ بِالنّصب أَرَادَ وتنزيل الْعَزِيز الرَّحِيم على الْقسم فَلَمَّا نزع الْوَاو مِنْهُ نصب وَمن رفع فبالابتداء وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل فِي سبأ ﴿ وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة قل بلَى وربي لتأتينكم عَالم الْغَيْب ﴾.

أَرَادَ وعالم الْغَيْب وَيرْفَع على الِابْتِدَاء

وَأما قَوْله فِي الزمر ﴿ قل اللَّهُمَّ فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض ﴾ نصب فاطر لِأَنَّهُ نِدَاء مُضَاف مَعْنَاهُ يَا فاطر السَّمَوَات.

وَمعنى اللَّهُمَّ أَرَادوا أَنهم أَن يَقُولُوا يَا الله فثقل عَلَيْهِم فَجعلُوا مَكَان حرف النداء الْمِيم وَجعلُوا الْمِيم من حُرُوف النداء فَقَالُوا اللَّهُمَّ لِأَن الْمِيم من حُرُوف الزَّوَائِد أَيْضا فأسقطوا يَا وَهُوَ حرف النداء وَجعلُوا ميما زَائِدَة فِي آخر الْكَلِمَة لِأَن الْمِيم من حُرُوف الزَّوَائِد كَأَنَّك تُرِيدُ يَا ألله ثمَّ قلت اللَّهُمَّ فزدت الْمِيم بَدَلا من يَا فِي أَوله وَرُبمَا أَتَوْ بَحر ف النداء وَالْمِيم توهموا أَنَّهَا تَسْبِيحَة.

قَالَ الشَّاعِر

(مَاذَا عَليّ أَن أَقُول كلما … سبحت أَو صيلت يَا اللَّهُمَّ مَا)

(أردد علينا شَيخنَا مُسلما)

‌‌وَالنّصب بإضمار كَانَ

قَوْلهم فعلت ذَاك إِن خيرا وَإِن شرا على معنى إِن يكن فعلي خيرا وَإِن يكن شرا قَالَ الشَّاعِر

(لَا تقربن الدَّهْر آل مطرف … إِن ظَالِما فِي النَّاس أَو مَظْلُوما)

يُرِيد إِن كَانَ الرجل فِي النَّاس ظَالِما أَو مَظْلُوما وَقَالَ آخر

(فأحضرت عُذْري عَلَيْهِ الْأَمِير … إِن عاذرا لي أَو تَارِكًا)

يَقُول إِن يكن الْأَمِير لي عاذرا أَو تَارِكًا وَقد يجوز الرّفْع على إِن يكن فِي فعلي خير أَو شَرّ

قَالَ الشَّاعِر

(فَإِن يَك فِي أَمْوَالنَا لَا نضق بِهِ … ذِرَاعا وَإِن صبرا فنصبر للدهر)

كَأَنَّهُ قَالَ وَإِن يكن فِيهِ الصَّبْر صَبرنَا أَو وَقع صَبر وَقَالَ آخر

(فَتى فِي سَبِيل الله اصفر وَجهه … ووجهك مِمَّا فِي الْقَوَارِير اصفرا)

يُرِيد كَانَ اصفرا

وَأما قَول امْرُؤ الْقَيْس

(فَقلت لَهُ لَا تبك عَيْنك إِنَّمَا … نحاول ملكا أَو نموت فنعذرا)

فَإِنَّهُ نصب على إِضْمَار أَن يَعْنِي أَو أَن نموت وَنصب نعذر لِأَنَّهُ نسق بِالْفَاءِ على أَن نموت وَقَالَ بَعضهم أَرَادَ حَتَّى أَن نموت لِأَن أَو فِي مَوضِع حَتَّى وَتقول هَذَا تَمرا أطيب مِنْهُ بسرا أَي إِذا كَانَ تَمرا أطيب مِنْهُ إِذا كَانَ بسرا فَإِذا خَالَفت الْكَلَام قلت هَذَا تمر أطيب مِنْهُ الْعَسَل وَتقول مُحَمَّد فَقِيها أبْصر مِنْهُ شَاعِرًا أَي إِذا كَانَ فَقِيها وشاعرا.

‌‌وَالنّصب بالترائي:

يكون وَجهه وَجه النصب بإيقاع الْفِعْل عَلَيْهِ غير أَن النَّحْوِيين جَعَلُوهُ بَابا تنصب بِهِ الِاسْم والنعت وَالْخَبَر تَقول أَبْصرت زيدا قَائِما وَرَأَيْت مُحَمَّدًا مُنْطَلقًا.

وَتقول بصر عَيْني زيدا قَائِما مَعْنَاهُ أَبْصرت عَيْنَايَ زيدا قَائِما وَكَذَلِكَ تَقول بصر عَيْني زيد قَائِم رفعت زيدا لِأَنَّهُ اسْم مُبْتَدأ وَرفعت.

قَائِما لِأَنَّهُ خَبره وَأَرَدْت بِهِ زيد قَائِم ببصر عَيْني ونصبت بصر عَيْني بفقدان الْخَافِض.

‌‌وَالنّصب ب وَحده:

وَلَا يكون وَحده إِلَّا نصبا فِي كل جِهَة تَقول مَرَرْت بزيد وَحده وَرَأَيْت زيدا وَحده وَهَذَا زيد وَحده وَإِنَّمَا صَار كَذَلِك لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَن جِهَته تُرِيدُ مَرَرْت بزيد الْوَاحِد فَلَمَّا أسقطت الْألف وَاللَّام نصبته لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَن جِهَته.

فَإِذا قلت هُوَ نَسِيج وَحده خفضته قَالَ الشَّاعِر

(جَاءَت بِهِ معتجرا بِبرْدِهِ … سفواء تردي بنسيج وَحده)

حكى الْخَلِيل بن أَحْمد يخفضونه أَيْضا فِي قَوْلهم جحيش وَحده وعيير وَحده بِالْكَسْرِ

‌‌وَأما التحثيث

فَهُوَ فِي معنى الْمصدر إِلَّا أَنَّك تلْحق بِهِ ألفا ولاما للمعرفة وتحث عَلَيْهِ نَحْو قَوْلك الْخُرُوج الْخُرُوج وَالسير السّير السّحُور السّحُور الصَّلَاة الصَّلَاة تضمر لَهُ فعلا تصدر مِنْهُ هَذَا الْمصدر ‌‌وَأما الْفِعْل الَّذِي يتوسط بَين صفتين فَهُوَ نصب أَبَد اكقولك أَزِيد فِي الدَّار قَائِما فِيهَا وَمثله قَول الله جلّ وَعز ﴿ فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا ﴾ يَعْنِي أَن النَّار صفة وفيهَا صفة فَوَقع خَالِدين بَينهمَا وخالدين تَثْنِيَة وَهُوَ فعل فَلَا يجوز فِيهِ الرّفْع وَمن قَالَ من النَّحْوِيين إِن الرّفْع جَائِز فقد لحن

‌‌وَالنّصب من المصادر الَّتِي جعلوها بَدَلا من اللَّفْظ الدَّاخِل على الْخَبَر والاستفهام قَوْلهم أَنْت سيرا سيرا وَمَا هُوَ إِلَّا السّير السّير وَمَا أَنْت شرب الْإِبِل وَإِلَّا ضرب النَّاس وَإِلَّا ضربا النَّاس وَلَا تَنْوِين فِي شرب لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَى الْإِبِل قَالَ الشَّاعِر

(ألم تعلم مسرحي القوافي … فَلَا عيا بِهن وَلَا اجتلابا)

أَي فَلَا أعيا بِهن وَلَا أجتلب

وَأما قَول الآخر

(يَا صَاحِبي دنا الرواح فسيرا … لَا كالعشية زَائِرًا ومزورا)

أَي لم أر كَمَا رَأَيْت العشية زَائِرًا

وَأما قَول الله جلّ وَعز ﴿ وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا ﴾ أَي أنبتكم فنبتم نباتا قَالَ الشَّاعِر

(أرى الْفَتى ينْبت إنبات الشّجر)

أَي ينْبت فينبته الله إنبات الشّجر مضى تَفْسِير وُجُوه النصب وَهَذِه.

المصدر: الجمل في النحو

ترك تعليق