طرائف نحوية (1)

الأولى:

ومما نقله إليّ من اللطائف أن العلامة جواد ركب إحدى سيارات الأجرة في بغداد، يوماً، وفي الطريق شغل السائق المذياع، وكان برنامجه من الإذاعة (قل ولا تقل) يذاع، فضجر السائق وأغلق المذياع وقال باللهجة العراقية العامية: (اسكت كواد)، فطلب مصطفى جواد التوقف ونزل من السيارة وهمس في أذن السائق: (قل قوّاد ولا تقل كوّاد)، فسارع السائق للاعتذار منه وقبل مصطفى جواد اعتذاره وضحك.

الثانية:

من كتاب (نودار المعلمين) للجاحظ، الذي يُقال إنه ضاع و قد نقل ابن الجوزي بعضا ً منه في كتابه (نوادر الحمقى والمفغلين ):

و سأورد هنا بعضا ً منها:

1- قال‏:‏ مررت بمعلم وقد كتب لغلام ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً وأكيد كيداً فمهل الكافرين أمهلهم رويداً) فقلت له‏:‏ ويحك فقد أدخلت سورة في سورة قال‏:‏ نعم إذا كان أبوه يدخل شهراً في شهر فأنا أيضاً أدخل سورة في سورة فلا آخذ شيئاً ولا ابنه يتعلم شيئاً‏.

2- قال‏:‏ حدثنا محمد بن خلف قال‏:‏ قال بعض المجان‏:‏ مررت ببعض دور الملوك فإذا أنا بمعلم خلف ستر قائم على أربعة ينبح نبح الكلاب فنظرت إليه فإذا صبي خرج من خلف الستر فقبض عليه المعلم فقلت للمعلم‏:‏ عرفني خبرك قال‏:‏ نعم هذا صبيي بغض التأديب ويفر ويدخل إلى الداخل ولا يخرج وإذا طلبته بكى وله كلب يلعب به فأنبح له فيظن أني كلبه ويخرج إليه فآخذه‏.‏

3- قال غلام للصبيان‏:‏ هل لكم أن يفلتنا الشيخ اليوم قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ تعالوا لنشهد عليه أنه مريض فجاء واحد منهم فقال‏:‏ أراك ضعيفاً جداً وأظنك ستحم فلو مضيت إلى منزلك واسترحت فقال لأحدهم‏:‏ يا فلان يزعم فلان أني عليل فقال‏:‏ صدق الله وهل يخفى هذا على جميع الغلمان إن سألتهم أخبروك فسألهم فشهدوا فقال لهم‏:‏ انصرفوا اليوم وتعالوا غداً.

4- حُكي عن الجاحظ انه قال: ألفت كتاباً في نوادر المعلمين وماهم عليه من التغفل ثم رجعت عن ذلك وعزمت تقطيع الكتاب، ودخلت يوماً مدينة فوجدت فيها معلماً في هيئة حسنة فسلمت عليه فرد علي أحسن رد ورحب بي، فجلست عنده وباحثته في القرآن الكريم فإذا هو ماهر فيه ثم فاتحته في الفقه والنحو وعلم المعقول وأشعار العرب فإذا هو كامل الآداب فقلت: هذا والله مما يقوي عزمي على تقطيع الكتاب. قال: فكنت أختلف إليه وأزوره فجئت يوماً لزيارته فإذا بالكُتاب مغلق ولم أجده فسألت عنه فقيل: مات له ميت، فحزن عليه، وجلس في بيته للعزاء؛ فذهبت إلي بيته وطرقت الباب، فخرجت إلى جارية وقالت: ما تريد؟

فقلت: سيدك.

فدخلت وخرجت وقالت: باسم الله.

فدخلت إليه وإذا به جالس، فقلت: عظم الله أجرك. لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وكل نفس ذائقة الموت، فعليك بالصبر. ثم قلت له: هذا الذي توفى ولدك؟

قال: لا

قلت: فوالدك؟

قال: لا

قلت: فأخوك؟

قال: لا

قلت: فزوجتك

قال: لا

فقلت: وما هو منك؟

قال: حبيبتي

فقلت في نفسي: هذا أول المناحس

فقلت: سبحان الله، النساء كثير، وستجد غيرها

فقال: أتظن إني رايتها؟

فقلت: وهذه من حسة ثانية

ثم قلت: وكيف عشقت من لم تر؟

فقال: اعلم إني كنت جالساً في هذا المكان وأنا انظر من الطاق ( الشباك ) إذ رأيت رجلاً عليه برد وهو يقول:

يا أم عمرو جزاك الله مكرمة ردي علي فؤادي أينما كان لا تأخذين فؤادي تلعبين به فكيف يلعب بالإنسان إنسانا.

فقلت في نفسي: لولا أن أم عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها ما قيل فيها هذا الشعر فعشتها. فلما كان منذ يومين مرذلك الرجل بعينه وهو يقول:

لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار

فعلمت إنها ماتت، فحزنت وأغلقت الكٌتاب وجلست فيالدار.

فقلت: يا هذا إني كنت ألفت كتاباً في نوادركم معشر المعلمين وكنت حين صاحبتك عزمت على تقطيعه، والآن قويت عزمي على إبقائه وأول ما أبدأ بك إن شاء الله تعالى.

ترك تعليق