الفرق بين نيّف ونيْف

مِئَةٌ وَنَيِّفٌ[1] ومِئَةٌ وَنَيْفٌ:

هما تركيبان جاريان على سَنَن العرب في الخطاب، أحدُهما أفصحُ[2] مِن الآخر، وأولى بالاستعمال. وأعني بالأفصح (مِئَةٌ ونَيِّفٌ)، بتشديد الياء في (نيف)، كما أعني بالآخر الفصيح (مِئَةٌ ونَيْفٌ) بتخفيف الياء في (نيف).

والضّابطُ في تَوظيف هذه اللّفظة (نَيِّفٌ) هو: أنّ كلَّ ما زاد على العَقْدِ[3]، فهو نَيِّفٌ، حتى يبلغَ العَقْدَ الثاني.

وعليه فلا يقال: (نَيِّفٌ)، إلاّ بعد العقود (10 إلى 90)، أو المِئات، أو الآلاف.

قال أصحابُ الفضيلة في المعجم الوسيط (ص964 ع1): [النّيِّفُ] الزَائدُ على العَقْدِ من واحد إلى ثلاثة، وما كان مِن أربعة إلى تسعة فهو بِضْعٌ. يقالُ: عشرةٌ ونَيِّفٌ. وأَلْفٌ ونَيِّفٌ، ولا يُقالُ: خمسةَ عشر ونَيِّفٌ. ولا نَيِّفٌ وعشرة.

وهذا الّذي حكيناه من جواز الوجهين في (نَيف) بتشديد الياء وتخفيفها. جارٍ على القياس. وله نظائر كثيرة فمنها قولُهم: مََيْتٌ ومَيِّتٌ، وكَيْسٌ وكَيِّسٌ. وهَيْنٌ وهَيِّنٌ. وهو مذهبُ أكثر علماء اللُّغة، كما في: لسان العرب (9 /342)، والقاموس المحيط (ص858 – 859 النّوف)، ومختار الصِّحاح (ص687)، والمصباح المنير (ص374 ع2)، والمغرب (2 / 337)، والنّهاية (5 /140)، وخير الكلام (ص58).

قال[4] عديُّ بن الرِّقاع:

وُلِدْتُ ترَابيه[5] رَأْسُهَا = عَلَى كُلِّ رَابِيَةٍ نَيِّفُ

ويُروَى[6]: حَلَلْتُ.

موضوعات ذات صلة:

وعلى هذه الصِّيغة رُوِيَتْ أحاديثُ كثيرة منها ما حكاه ابنُ الجوزيّ في غريبه (2 /447)، قال: (قال البراء: كانَ المهاجرون يومَ بدرٍ نَيِّفًا على السِّتّين)، وقال في المغرب (2 /337): (وفي الحديثِ أنّه عليه السّلام ساقَ مائةَ بدنةٍ، نحرَ منها نّيِّفًا وسِتّين وأعطى عليًّا الباقي. وفي شرح الآثار: ثلاثًا وسِتّين ونحرَ عليٌّ سبعةً وثلاثينَ).

واعتبرَ بعضُهم أنّ تَخفيفَ الياء مِن (نَيِّف)، غلطٌ من لحن العوام. قال في:

1- خير الكلام (ص58): (قال الحريريّ و[ابن] الجوزيّ: يقولون: مِائَةٌ ونَيْفٌ بإسكان الياء والصّوابُ

تشديدُها. أقول: يُمكِنُ تَخفيفها على مثال سَيْد ومَيْت، وأمثالُه كثيرة وقد قال صاحبُ القاموس: وقد يُخفّف).

2- لسان العرب (9 /342 ع1-2): (قال الأزهريّ: ومِن نافَ يقال هذه مائةٌ ونَيّفٌ، بتشديد الياء، أي زيادة، وهي كلامُ العرب، وعوامُّ النّاس يُخفّفون فيقولون: ونَيْفٌ، وهو لحنٌ عند الفصحاء).

3- دُرّة الغوّاص (ص210 رقم176): (ويقولون: مِائَةٌ ونَيْفٌ، بإسكان الياء، والصّوابُ أن يُقالَ: نَيِّفٌ بتشديدها…).

4- العين (8 /376): (نيف: النَّيِّفُ مُثَقَّل هو الزّيادة). ولم يحكِ فيه غير التّشديد.

وقد سبقَ بيانُ وجهِ الصّواب. وهو الّذي اختارَه ابنُ بالي في خير الكلام. ولعلّ مَن منعَ منه، قصدَ إلى التّنبيه على الأفصح. والله أعلم بنِيَّاتِ العباد.

هذا، ويتعلّقُ بهذا المبحث غلطٌ شائع نبّه عليه العدنانيّ في معجم الأخطاء الشّائعة (ص256 رقم 1092) قال: (ويقولون: جاءَ نَيِّفٌ ومِائَةُ رجلٍ. والصّوابُ: جاءَ مِئَةُ رجلٍ ونَيِّفٌ)[7].

ولك أن تراجع:

1- أدب الكاتب (ص48).

2- أساس البلاغة (ص476 ع3).

3- الفروق اللّغوية (2235 حرف النّون/الفرق بين النّيف والبضع).

4- القاموس المحيط (ص858 – 859 النّوف).

5- لسان العرب (9 /342 ع1-2).

6- المصباح المنير (ص374 ع2).

7- معجم الأخطاء الشّائعة (ص256 رقم 1092).

8- المعجم الوسيط (ص964 ع1).

المصدر: شبكة الألوكة

 


[1] قال في اللِّسان (9 /342 ع1-2)، والمصباح المنير (ص374 ع2): (قال أبو العباس: الّذي حصّلناه من أقاويل حُذّاق البصريّين والكوفيّين أنّ النَّيِّفَ من واحد إلى ثلاث، والبضْعَ من أربع إلى تسع). وكذا قال في المغرب (2 /337) نقلاً عن المبرّد.

[2] المصباح المنير (ص374 ع2).

[3] في المعجم الوسيط (ص614 عقد): (و[العقد] مِن الأعداد العشرة والعشرون إلى التِّسعين).

[4] اللّسان (9 /342 ع2)..

[5] قال مصحِّح اللِّسان: (ولدت ترابية) كذا بالأصل، ولعلّه وُلِدْتُ برابيةٍ، واحدة الرّوابي.

نعم، فقد رواه كذلك في أساس البلاغة (ص476 ع3)، والاختيارين (ص11 رقم 16). ورواية معجم المقاييس (5 /375 نيف):

( ورَدْتُ برابيةٍ، رأسُها = على كلِّ رابيةٍ نيّفُ ).

قال محقِّقه: محمّد عبد السّلام هارون في الهامش “1”: (كذا على الصّواب في الأصل والمجمل. وفي اللِّسان: “ولدت ترابية”، تحريف).

[6] في درّة الغوّاص (ص210 رقم 176): (حللت برابية، رأسُها على كلِّ رابية نيّف).

[7] انتهى بتصرُف يسير.