المؤلف: أبو القاسم الزَّجَّاجي
المحقق: الدكتور مازن المبارك
باب القول في الاسم والفعل والحرف أيها أسبق في المرتبة والتقدم قال البصريون والكوفيون: الأسماء قبل الأفعال، والحروف تابعة للأسماء، وذلك أن الأفعال أحداث الأسماء. يعنون بالأسماء أصحاب الأسماء، وقد مضى القول في اصطلاحهم على هذا. والاسم قبل الفعل لأن الفعل منه، (و) الفاعل سابق لفعله. وأما الحروف فإنما تدخل على الأسماء والأفعال لمعان تحدث فيها وإعراب تؤثره، وقد دللتا على أن الأسماء سابقة للإعراب. والإعراب داخل عليها، والحروف عوامل في الأسماء والأفعال مؤثرة فيها المعاني والإعراب. فقد وجب أن تكون بعدها.
سؤال يلزم القائلين بهذه المقالة. يقال لهم: قد أجمعتم على أن الفاعل قبل المعمول فيها، كما أن الفاعل قبل فعله، وكما أن المحدث سابق لحدثه. وأنتم جميعا مقرون أن الحروف عوامل في الأسماء والأفعال، فقد وجب أن تكون الحروف قبلها حقا سابقة لها. وهذا لازم لكم على أوضاعكم ومقاييسكم.
الجواب أن يقال، هذه مغالطة. ليس يشبه هذا الحدث والمحدث، ولا العلة والمعلول، وذلك أن نقول إن الفاعل في جسم فعلا ما، من حركة وغيرها، سابق لفعله ذلك فيه لا للجسم. فنقول إن الضارب قبل ضربه الذي أوقعه بالمضروب. لا يجب من ذلك أن يكون سابقا للمضروب موجودا قبله. بل يجب أن يكون سابقا لضربه الذي أوقعه به. وقد يجوز أن يكون المضروب أكبر سنا من الضارب.
ونقول أيضا؛ إن النجار/ سابق للباب الذي نجره. ولا يجب من ذلك أن يكون سابقا للخشب الذي منه نجر الباب. ومثل هذا واضح بين. فكذلك مثال هذه الحروف العوامل في الأسماء والأفعال، وإن تكن أجساما، فنقول الحروف سابقة لعملها في هذه الأسماء والأفعال الذي هو الرفع والنصب والخفض والجزم ولا يجب من ذلك أن تكون سابقة للأسماء والأفعال نفسها. وهذا بين واضح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات مشابهة