مدح النحو

 

عقد ابن عبد البر رحمه الله في أول كتابه “بهجة المجالس وأنس المجالس” بابًا في اجتناب اللحن وتعلم العربية، وصدره بقول عمر رضي الله عنه حينما كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد فتفقهوا في السنة، وأعربوا القرآن فإنه عربي.

وقد روى ابن أبي شيبة رحمه الله، عن عمر رضي الله عنه أيضًا، أنه قال: تعلموا العربية فإنها من دينكم.

وروى الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع“، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: تعلموا العربية: فإنها تزيد في المروءة، وتثبت العقل.

وروى ابن أبي شيبة رحمه الله، عن أبي بن كعب، أنه قال: تعلموا العربية، كلما تعلمون حفظ القرآن.

وروى أيضًا عن ابن عمر: أنه قال: أعربوا القرآن: فإنه عربي.

وروى كذلك، عن ابن بريدة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لأن أقرأ آية بإعراب أحب إليَّ من أن أقرأ كذا وكذا آية بغير إعراب.

فهذه جملة من الآثار الواردة عن صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، والتي تبين فضل اللغة العربية، وفضل تعلمها.

كما أنه قد وردت كذلك آثار عن التابعين ومن بعدهم في هذا المعنى، ومنها:

1- أن الحسن البصري سئل: ما تقول في قوم يتعلمون العربية؟ فقال: أحسنوا، يتعلمون لغة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

2- وقال أبو منصور الثعالبي: العربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة: إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب صلاح المعاش والمعاد. اهـ.

وقال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب المتوفى رحمه الله سنة 291هـ: لا يصح الشعر، ولا الغريب، ولا القرآن إلا بالنحو، والنحو ميزان هذا كله.

3- وقال الإمام مالك رحمه الله: الإعراب حلي اللسان، فلا تمنعوا ألسنتكم حليها.

4- وقال الشافعي رحمه الله: ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب.

5- وجاء عن بعض السلف أنه قال: أيها الناس، إنما أوتيتم من قبل جهلكم بالعربية.

6- وقال أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله: إن المجتهد لا يلزمه الاجتهاد في شيء من علوم الوسائل إلا علوم اللغة العربية. اهـ.

7- وقال الأزهري رحمه الله: وينبغي أن تعلم أن عامة الخطأ في الدين إنما يأتي من قلة الفهم لألفاظ الكتاب والسنة، وهما بلسان العرب.

8- وقال الزبيدي رحمه الله: من أبغض اللسان العربي أداه بغضه إلى بغض القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك كفر صراح، وهو الشقاء الباقي، نسأل الله العفو.

9- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًا بينًا، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخُلق.

وقال أيضًا رحمه الله، إن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. اهـ.

10- وقال الشيخ محمود بن شاكر رحمه الله: إن الدين واللغة متداخلان تداخلًا غير قابل للفصل، ومن أغفل هذه الحقيقة ضل الطريق، وأوغل في طريق الأوهام، وما يروج من فصل اللغة عن الدين فهو دعوة خبيثة. اهـ.

ولا شك أن دعامة العلوم العربية وقانونها الأعلى الذي منه تستمد العون، وتستلهم القصد، وترجع إليه في جميع مسائلها وفروع تشريعها هو علم النحو.

فعلم النحو هو أسمى علوم العربية قدرًا، وأنفعها أثرًا، بهي تثقف أود اللسان، ويسلس عنان البيان، وقيمة المرء فيما تحت طي لسانه، لا طيلسانه، ولا يمكن أن يستغني عن علم النحو إلا الأخرس الذي لا يصفح بحرف واحد[1].

قال الزهري رحمه الله: ما أحدث الناس مروءة أحب إليّ من تعلم النحو.

وقال السيوطي رحمه الله: من فاته علم النحو فاته المعظم.

وقال الشيخ محمد بن صالح المنجد حفظه الله: إن من أسباب العداوة والنفور بين الناس، وبين الكتب ضعف المعرفة بقواعد اللغة العربية.

ويكفي النحو فضلًا أنه نشأ في رحاب القرآن، وكان هو الخاطر الأول لصيانته، وإبعاد الخطر عنه، وإشراع السبيل الصحيح للنطق به.

كما يزيد فضلًا أنه كان التفكير فيه مبكرًا، ومن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، على يد التابعي الجليل أبي الأسود الدؤلي، ولا شك أن كل علم يشرف وتسمو منزلته بقدر الحاجة إليه، والضرورة الداعية لاستعماله.

 


[1] قال الشاعر:

من فاته النحو فذاك الأخرس ♦♦♦ وفهمه في كل علم مفلس

موضوعات ذات صلة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق