‌‌مسألة [١٢] باب ما جرى من أسماء الفاعلين (في الاستفهام) مجرى الفعل

ومن ذلك قول سيبويه:

في باب ما جرى من أسماء الفاعلين (في الاستفهام) مجرى الفعل، احتج في تعدي (فعل) بقوله:

أو مسحل شنج عضادة سمحج*** بسرائه ندب لها وكلوم

وعضادة سمحج إنما هي منتصبة انتصاب هو حسن وجه عبد، وكان أبو عمرو بن العلاء يزعم أن عضادة سمحج ظرف، واحتج بقوله:

حتى شآها كليل موهنا عمل*** باتت طرابا وبات الليل لم ينم

وأما موهن فهو ظرف.

ومن ذلك قوله في هذا الباب: فعيل يتعدى، مثل رحيم وعليم، فيجيز هذا رحيم زيدا وسميع كلامك، ويذكر أنه إنما وضع للمبالغة /٢٠/، ولم يأت فيه بحجة من شعر ولا غيره، والدليل على أنه غير متعد أن باب فعيل في الأصل إنما هو للفعل غير المتعدي نحو: كرم وملح وظرف، فلما بنوه هذا البناء ضارعوا به مالا يتعدى إذا أرادوا ألا يتعدى.

فإن قال قائل: فأنت لا تقول: رحيم، إلا لمن كثر ذلك منه، وكذلك عليم. قيل له: نظيره كريم، لا يقال إلا لمن استقر ذلك فيه، وقد يوجب الاسم تكثير الفعل ولا يجري مجرى الفاعل، لأنه ليس باسمه، ولكنه مشتق، فمن ذلك قولك: رجل صديق وشريب وفسيق، وأنت لا تقول: هو شريب الخمر، ولكنك تقول: للخمر، كما تقول: عليم بالناس، ورحيم بهم، فمن أجاز تعدي (فعيل) فليجز تعدي (فعيل)، وإنما لم يتعد هذا أجمع، لأنه مستقر فيه، فمعناه ما قد مضى من الأفعال وصار اسما لازما كاليد والرجل، وباب (فعيل) أجمع إنما هو للكثرة والمبالغة.

وقد ذكر في هذا الباب بعينه، أزيد أنت له عديل، وأزيد أنت له جليس، ويقول: لأن جليسا وعديلا اسمان، ولو أراد اسم الفاعل لقال: جالس، فيقال له: وكذلك اسم الفاعل، إنما هو في باب فعل، إنما هو عالم وراحم، وفعيل في باب فاعل أيضا كثير (نحو): عادلته فأنا عديل، وجالسته فأنا جليس، وعاشرته فأنا عشير، وخالطته فأنا خليط، وشاركته فأنا شريك، وذا أكر من أن يحصى، وإذا لم نجره (في هذا) مع هذا الاطراد على فعل، فنحو رحم أولى ألا يجوز.

قال أحمد: أما قول محمد: إن عضادة سمحج منتصب انتصاب هو حسن وجه عبد فليس مثله، لأن هذا الوصف إنما يعمل فيما كان من سبب الأول، نكرة أو معرفا بالألف واللام كقولك: هو حسن وجها، وحسن الوجه، بعد علم أن الوجه للأول، وكذلك إذا قلت: هو فاره عبدا، علم أن العبد له، فإن قلت: هو حسن وجه عبد، على هذا جاز، ولو قلت: [هو] حسن وجه رجل، أو حسن رجلا، وأنت تريد رجلا من الرجال، لم يجز، وكذلك شنج عضادة سمحج بمنزلة قولك إذا تؤول على ما قال: هو حسن وجه طويله، لأن السمحج الطويل على وجه الأرض، /٢١/ فلو جاز هذا لقلت: هو حسن وجه ظريفه أو طويله، ومع هذا فهو في النعت أقبح.

وأما ما قاله في موهن، وأنه بعد ساعة من الليل، فهو ظرف، فإن العرب استعملته استعمال الأسماء، وليس كل ما كان من الأسماء الأوقات فهو مستعمل ظرفا، كما أنه ليس كل ما كان من أسماء الأماكن فهو مستعمل ظرفا، كالجبل لا تقول: زيد الجبل وإن كان مكانا، ولا تقول: زيد مكة وإن كانت مكانا، وكذلك الأوقات، منها ما لم يستعمل ظرفا، ولو لم يأت بشاهد في (فعل) لم يحتج إلى ذلك، لأن فعلا اسم جار على (فعل) نحو: حذر فهو حذر، وهو مع ذلك للمبالغة، فقد اجتمع فيه العلتان اللتان هما أصل الباب في التعدي، ولو انفردت إحداها لعدي بسببها، فكيف إذا اجتمعتا؟ ألا ترى أن مفعالا ليس بجار على فعل، وهو يتعدى لأنه للمبالغة، قالوا: إنه لمنحارٌ بوائكها، فلما وجد سيبويه العرب قد عدت ما هو للمبالغة من أسماء الفاعلين وإن لم يكن جاريا على الفعل، وعدت ما هو جار على الفعل، حمل الفعل على النحوين اللذين وجدهما في كلام العرب، وإذ كان محمد وغيره قد وافقه على هذا في أصل الباب، نظرنا فيما ذكره من تعدي فعل وفعيل، فوجدنا اللغتين جميعا فيهما.

فأما قوله: إن فعيلا أصله لما لا يتعدى نحوظرف وكرم، فلو سلم هذا إليه لكان في المبالغة التي عدي من أجلها كفاية، فكيف وقد اجتمع إلى ذلك أنه اسم لفعل جار عليه نحو: رحم وعلم، فهو رحيم وعليم؟ وإذا كان فعيل من فعل (نحو): كرم فهو كريم لم يتعد كما لم يتعد الفعل، وإذا كان من فعل متعد تعدى اسم الفاعل كما يتعدى الفعل، ألا ترى أن ضاربا يتعدى لتعدي ضرب، وجالس لا يتعدى كما لا يتعدى جلس، ففاعل يجري مجرى فعله الذي أجري عليه، وكذلك فعيل يجري مجرى فعله الذي أجرى عليه، فتقول: هو رحيم زيدا كما تقول: رحم زيدا، ولا تقول في كريم وظريف (مثل) ذلك، لأن ظرف وكرم لا يتعديان، فلم يتعدى ما جرى عليها مشتقا منهما.

وأما قوله: إن إدخال اللام في قولك: رحيم لزيد، دليل على أنه لا يتعدى، فليس بشيء، لأن اللام قد تدخل مع ضارب فتقول: هو ضارب لزيد، بل قد أدخلت مع الفعل في قوله عز وجل: ﴿إن كنتم للرؤيا تعبرون ﴾ فليس دخول اللام ها هنا حجة، لأن فعيلا لا يتعدى.

وأما إلزامه من عدى فعيلا لأجل المبالغة أن يعدي فعيلا نحو: شريب الخمر فهو لازم، وشريب يتعدى، إذا كان للمبالغة وكان اسم الفاعل مشتقا من فعل يتعدى وإن لم يكن جاريا عليه كما لم يكن منحار بوائكها (جاريا).

وأما احتجاجه عليه في قوله: أزيد أنت له عديل، فعديل ليست للمبالغة ولا هو الأصل في فاعل ولا الاسم الجاري عليه، فليست فيه، واحدة من العلتين.

وأما قولهفاعل فهو فعيل، نحو عادل فهو عديل، وجالس فهو جليس، فليس هذا بالاسم الجاري على فاعل، وإنما جاء في حروف محفوظة، وليس ذلك بأعرف من فعل فهو فاعل نحو: فره العبد فهو فاره، ونضر النبت فهو ناضر، فهذه شواذ كلها، وليس يعمل على الشاذ، على أن قد قلنا: إن فعيلا وفعلا لو لم يكونا جاريين على الفعل لكانت المبالغة فيهما موجبة لتعديهما.

الانتصار لسيبويه على المبرد

 

 

ترك تعليق