الحال – الظرف

كتبه: أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي
المحقق: د. فخر الدين قباوة
منصوبات الأسماء، خمسة عشر، وهي: المفعول به، و المصدر، و ظرف الزَّمان، و ظرف المكان، و الحال، و التمييز، و المستثنى، و اسم لا، و المنادى، و المفعول من أجله، و المفعول معه، و خبر كان و أخواتها، و اسم إنَّ و أخواتها، و التابع للمنصوب، و هو أربعة أشياء: النعت، و العطف، و التوكيد، و البدل. ويُنصب الإسم إذا وقع في موقع من خمسة عشر موقعا. و سنتكلم على كل واحد من هذه المواقع في باب يخُصُّه، على النحو الذي سلكناه في أبواب المرفوعات، و نضرب لها ههنا الامثلة بقصد البيان و الإيضاح

وُجُوه النصب (الْحَال – الظّرْف )

‌‌وَالنّصب من الْحَال:

قَوْلهم أَنْت جَالِسا أحسن مِنْك قَائِما أَي فِي حَال جُلُوسه أحسن مِنْهُ فِي حَال قِيَامه.

قَالَ الشَّاعِر:

(لعمري إِنِّي ورادا بعد سَبْعَة … لأعشى وَإِنِّي صادرا لبصير)

أَي فِي حَال ورودي أعشى وَحَال صَدْرِي بَصِير

وَإِنَّمَا صَار الْحَال نصبا لِأَن الْفِعْل يَقع فِيهِ

تَقول قدمت رَاكِبًا وَانْطَلَقت مَاشِيا وتكلمت قَائِما

وَلَيْسَ بمفعول فِي مثل قَوْلك لبست الثَّوْب لِأَن الثَّوْب لَيْسَ بِحَال وَقع فِيهِ الْفِعْل

وَالْقِيَام حَال وَقع فِيهِ الْفِعْل فانتصب كانتصاب الظّرْف حِين وَقع فِيهِ الْفِعْل

وَلَو كَانَ الْحَال مَفْعُولا كَالثَّوْبِ لم يجز أَن يعدى الانطلاق إِلَيْهِ لِأَن الانطلاق انفعال والانفعال لَا يتَعَدَّى أبدا لِأَنَّك لَا تَقول انْطَلَقت الرجل.

وَالْحَال لَا يكون إِلَّا نكرَة.

وَالْحَال فِي الْمعرفَة والنكرة بِحَالَة وَاحِدَة:

تَقول قدم عَليّ صَاحب لي رَاجِلا وَمِنْه قَول الله عز وَجل ﴿ قَالُوا كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا ﴾ نصب على الْحَال.

‌‌وَالنّصب من الظّرْف:

قَوْلهم غَدا آتِيك وَيَوْم الْجُمُعَة يفْطر النَّاس فِيهِ وَالْيَوْم أزورك

قَالَ سَاعِدَة بن جؤية:

(لدن بهز الْكَفّ يعسل مَتنه … فِيهِ كَمَا عسل الطَّرِيق الثَّعْلَب)

فنصب الطَّرِيق على الظّرْف لِأَن عسلان الثَّعْلَب وَهُوَ مشيته وَقع فِي الطَّرِيق

وَقَالَ آخر عَمْرو بن كُلْثُوم:

(صددت الكأس عَنَّا أم عَمْرو … وَكَانَ الكأس مجْراهَا اليمينا)

فنصب الْيَمين على الظّرْف كَأَنَّهُ قَالَ مجْراهَا على الْيَمين

وَقَالَ آخر:

(هبت جنوبا فذكرى مَا ذكرتكم … عِنْد الصفاة الَّتِي شَرْقي حورانا)

نصب الشَّرْقِي على الظّرْف أَي هِيَ شَرْقي حوران

تَقول هُوَ شَرْقي الدَّار

وَإِذا قلت هُوَ شَرْقي الدَّار وَجَعَلته اسْما جَازَ الرّفْع

وَنصب الآخر جنوبا على معنى هبت الرّيح جنوبا وحوران لَا ينْصَرف

وَسمي الظّرْف ظرفا لِأَنَّهُ يَقع الْفِعْل فِيهِ كالشيء يَجْعَل فِي الظّرْف فَإِذا قلت هُوَ شَرْقي الدَّار فَجَعَلته اسْما جَازَ الرّفْع.

وَمثله قَول لبيد بن ربيعَة العامري

(فغدت كلا الفرجين تحسب أَنه … مولى المخافة خلفهَا وأمامها)

رفع خلفهَا وأمامها لِأَنَّهُ جَعلهمَا اسْما وهما حرفا الطَّرِيق

قَالَ الشَّاعِر:

(أما النَّهَار فَفِي قيد وسلسلة … وَاللَّيْل فِي جَوف منحوت من الساج)

رفع اللَّيْل وَالنَّهَار لِأَنَّهُ جَعلهمَا اسْما وَلم يجعلهما ظرفا وَكَذَلِكَ يلزمون الشَّيْء الْفِعْل وَلَا فعل وَإِنَّمَا هَذَا على الْمجَاز كَقَوْل الله جلّ وَعز فِي الْبَقَرَة ﴿ فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ ﴾ وَالتِّجَارَة لَا تربح فَلَمَّا كَانَ الرِّبْح فِيهَا نسب الْفِعْل إِلَيْهَا وَمثله ﴿ جدارا يُرِيد أَن ينْقض ﴾ وَلَا إِرَادَة للجدار وَقَالَ الشَّاعِر

لقد لمتنا يَا أم غيلَان فِي السرى … ونمت وَمَا ليل الْمطِي بنائم)

وَاللَّيْل لَا ينَام وَإِنَّمَا ينَام فِيهِ وَقَالَ آخر

(فَنَامَ ليلِي وتجلى همي)

وَتقول هُوَ مني فرسخان ويومان لِأَنَّك تَقول بيني وَبَينه فرسخان ويومان فَإِذا قلب هُوَ مني مَكَان الثريا ومزجر الْكَلْب نصبت لِأَنَّك لَا تَقول بيني وَبَينه مَكَان الثريا وَلَا مزجر الْكَلْب وَقَالَ الشَّاعِر

(وَأَنت مَكَانك فِي وَائِل … مَكَان الثريا من است الْحمل)

المصدر: الجمل في النحو