أ.د. عبدالرحمن بودرع
(نائب رئيس المجمع)

درر نحوية (4)

دلالَةُ التغاضي وعَدَم الاكتراث في فعل المُرور:

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف: 189]

التّعبيرُ بالأنموذَج، وهو إفرادُ الحالَة بالذّكْر والمرادُ جنسُ البَشَر:

ووُصف الحمل بالخفة، لأنه في مبدئه لا تشعُرُ فيه الحاملُ بألمٍ، وفيه مَعْنى تطور الحمل كيف يبدَأ خَفيفاً، ثم يتزايدُ حتى يثقلَ، والحامل في أول حملها بِشْرٌ وَفرَح: ﴿فبشَّرْناها بإسحاقَ[ هود: 71]

والضَّميرُ في [يسكن-تغشّى-حمَلَت-مَرّت] يَعود على الواحد من جنس البَشَر أي على الأنموذج والمثال منهم. ففيه إفراد بالذّكْر والمُراد الجمع أو الكلّ.

وقال: « حَملت حَمْلاً خفيفاً فمَرَّت به. فلمّا أثقلَتْ دَعَوَا الله ربَّهُما لئن آتيتٓنا صالحاً لنَكونَنَّ مِن الشّاكرين ». والمرورُ جَوازٌ أو اجتياز، ويُستعارللتغاضي والتغافُل وعدم الاكتراث: «فلما كشفْنا عنه ضُرَّه مر كأنْ لم يَدْعُنا إلى ضرَ مسّه» [يونس: 72] نَسِيَ دُعاءَه رَبَّه، وأعْرضَ عن شكره؛ لأنّ المارَّ بالشيء لا يقف عنده ولا يكترثُ لَه، وقوله: ﴿وإذا مَرّوا باللغو مروا كراماً [الفرقان: 72].


إقرأ أيضا: درر نحوية (2)


حول لفظة (الغَرور) في القرآن الكريم

الغَرورُ، في قَوله تعالى: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان 33]

﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ولا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ.

﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:5]

الغُرورُ بضم الغين مصدر، وبفَتْحها: الشَّديدُ التّغريرِ، ولا يَكونُ شديد التغريرِ إلّا الشَّيْطان، لأنه يزيّنُ لهم القَبائحَ ويُقبِّحُ المَحاسنَ، بما يُلائمُ نُفوسَهم، والذي دلَّ على أنّه الشّيطانُ أمْرانِ من داخلِ السياقِ اللغويّ:

– دلالَة الصّيغَةِ على المُبالَغَةِ، فهو أشدّ المَخْلوقاتِ تَغريرًا بالإنسانِ، ولا يَفوقُه في ذلكَ أحدٌ على الإطلاقِ. وقَد ورَدَ التّحذيرُ الشديدُ منه، مَدلولًا عليْه بلا الناهيةِ وبنون التوكيد الثقيلَة.


إقرأ أيضا: درر نحوية (3)


– الأمرُ الثاني: وُرودُ لَفظ الشيطانِ بعدَ الغَرور: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، فالمَذكورُ بعدَ الغَرور مَرجعٌ مُفسِّرٌ. والتَّعريفُ في الغَرور للعَهْد، فَتَقَرَّرَ المسندُ إليه بالبيانِ بَعد الإِبْهامِ.

أمّا تَكريرُ فعل النَّهي [فلا تَغُرَّنكم ولا يَغُرّنّكُم] فَلِلمُبالغة فيه وإنّما اختلافُ الغَرورين في الكَيفية.

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق