أ.د. عبدالرحمن بودرع
(نائب رئيس المجمع)

درر نحوية (2)

كثيرٌ من الجُمَل لا يُمكنُ أن تُعدَّ نُصوصاً مُطلقاً، لغيابِ ما يُكملُ المعنى ويُوفّيه، لاحظْ قوله تعالى:

﴿ما كان لنبيٍّ أن يَكونَ له أسرى حَتّى يُثخنَ في الأرض

﴿وقالوا اتخذَ الله ولداً. سُبْحانَه

لو وقفتَ عند أسرى وزعمْتَ أن المعنى اكتملَ هنا، لكان الجوابُ: أنّ هذه جملة من الناحية اللغوية النحوية التركيبية، تُفيد معنى، ولكن ذلك المعنى منفصل عن المراد والمقاصد، فليس المرادُ نفيَ أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم أسرى، مُطلقاً، ولكن المرادَ نفيُ اتّخاذ الأسرى عن استحقاق النبوة، وتقييد ذلك بالإثخان في الأرض، أو نهي عن ذلك قبل الإثخان والشدّة والتّمكُّن في الأرض، أو هو عتابٌ…


إقرأ أيضا: درر نحوية (3)


ولا يَصيرُ الكلامُ نصاً إلا إذا أُلحقَ بالجملة ما بعدَها

ومثلُ ذلك أن يوقَفَ عندَ قالوا ويُبتدأَ من اتخذ… وفعلُ ذلك شنيعٌ لأنه يقلبُ المعنى وينقضُه رأساً على عَقبٍ، ولا يصيرُ الكلامُ ههنا نصاً حتى تُجعَلَ الجملةُ مَحكيةً بالقول قبلَها أو مَقولَ قولٍ سابق

عواقب الوقف الخاطئ تُلغي نصّيّة النصّ!

لا أعلم بالضبط لِمَ يستمسكُون بالوقف على “اختلط” في قوله تعالى:

﴿إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَـٰمُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَـٰدِرُونَ عَلَیۡهَاۤ أَتَىٰهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَـٰهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ

يقفون على الفعل اختلط فيقطعون بهذا الوقف الخاطئ الفعلَ عن فاعله الآتي بعده وهو “نباتُ الأرض”. وهو وقف لم يقُل به أحد غير هؤلاء الذين ارتضوه وتمسكوا به وفرضوه. ولا أعلم كيف ستُحلُّ جميع المشكلات المترتِّبَة على هذا الوقف الخاطئ ومنها:

– أنهم وقفوا على هذا الفعل في سورة يونس ولم يقفوا على مثلِه في الكهف

– أنّ الفعلَ اختلط من معانيه اختلط عقله من السكر أو الخرَف، واختلط الليل بالنهار، واختلط الأمرُ ماج واضطرب… فكيف سيُفهم في الآية: اختلط الماءُ المُنزَلُ،

– وبِمَ سنعلّق الجار والمجرور “به” إذا قطعناهما عن الفعل “اختلط”؟

في حوار لجريدة التجديد مع أ.د.إدريس السغروشني رحمه الله (مارس2004) عرَّف ما سمّاه بـ”نظرية انشطار الفتحة” بأنها “نظرية في مجال الصرف تمكن من التعرف على تكوين القوالب الصيغية في اللغة العربية، وتساهم في حل كثير من المشاكل التي استعصت على النحاة من قبل، مثل أن جزءا من اللغة العربية في التحليل القديم كان يعتبر سماعيا، اليوم هذا الجزء السماعي متحكم فيه ويمكن أن يقاس”


إقرأ أيضا: درر نحوية (1)


رحم الله أستاذَنا إدريس وغفر له، ولكنني لم أفهم بعد القصد من وراء هذه “النظرية” وما الجديد فيها وما هي المشكلات الصوتية الصرفية التي استعصت على علمائنا وأتت هذه النظرية بحلول لها.

لا نافية للجنس وشيءَ اسمُها والخبرُ مرفوع. والغالبُ في الخبر أن يُحذَفَ وتتعلقَ به شبه الجملة من الجار والمجرور أو الظرف، لأنّ الشيءَ من أنكر النكراتِ، فإذا نُفيَت نُفيَتْ مُطلقاً كأنّك قلتَ: لا أحدَ:

لا شيءَ فيه

لا شَيءَ به

لا شيءَ له

لا شَيءَ عليه

لا شيءَ معه

لا شَيءَ عندَه

لا شيءَ ثَمَّ

لا شيءَ فَوْقه

لا شيءَ تحته

لا شيءَ بين يديه

لا شيءَ مِن خلْفِه

لا شيءَ دونَه

لا شيءَ معَه

لا شيءَ تُجاهَه

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام