كمال بحو، و د. إدريس بوكرع

معايير اختيار المادة القاموسية

في هذا التقرير تحدثتُ عن شرطَي الاستعمالِ والفصاحة اللذين فرضهما علماءُ اللغة العربية في انتقاء المادة القاموسية، ثم عرضت طرق انتقاء مؤلِّفي القواميس لموادِّهم اللُّغوية؛ لمعرفة مدى التزامهم بهذين الشرطين، مع تسليط الضوء على مصطلحات أساسية تخص هذا المجال؛ هي: الغريب، والوَحْشيُّ، والمُبتذَل، والمولَّد، والحصر أو الاستقصاء.

رغم تناول علماء اللغة العربية القدماء اللغةَ من جميع نواحيها؛ فمنهم مَن ألَّف في بيان مفردات منها لا تجمعها وشيجة، وصنفٌ آخَرُ ألَّف حسب المعاني التي تؤديها الألفاظ اللُّغوية، وآخرون ألَّفوا في النوادر أو الغريب أو المعرَّب أو النبات أو الحيوان أو البُلدان أو الطبقات[1].

ورغم استيعاب المعاجم ما تفرَّق في الكتب اللُّغوية ذات الموضوعات الخاصة – “ففيها الأعلام والبلدان والمواضع وغير ذلك”[2] – فإنهم (هؤلاء العلماء) حرَصوا حرصًا شديدًا “على سلامة اللغة، وأفرطوا في التحري، وتشددوا في إظهار الحق والصواب، فلم يدوِّنوا إلا ما صح لديهم سماعًا عن أعراب البادية الذين شافهوهم وعاشوا بين ظَهْرَانَيْهِمْ”[3]!

فما هو سبب ذلك التحري والحرص الشديد؟

وما هي المعايير التي وضعوها للمادة اللُّغوية وجعلوها شرطًا لازمًا ليدوِّنوها؟

وهل التزمت كلُّ القواميس بهذه المعايير، أم أن لكل قاموس منهجَه في انتقاء المادة اللُّغوية؟

إن الصبغة الدينية التي صبغت كلَّ العلوم اللُّغوية هي التي جعلت علماء اللغة يفرطون في التحري والتدقيق؛ حرصًا على سلامة اللغة؛ فقد كانوا “يعدُّون هذا العمل أمرًا دينيًّا، ويذكُرون أمرَ الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما لحن أحدهم بحضرته: ((أَرْشِدُوا أَخَاكُمْ؛ فَقَدْ ضَلَّ))”[4]، “كما أن غيرتهم على العربية جعلتهم يتشدَّدون في معايير ما يُقبَل ويدوَّن، وما لا يقبل ولا يدون”[5].

لقد جهد الأئمة اللُّغويون في تدوين ثروة العربية من متن اللغة، ووضعوا لذلك معايير تفرض قيودًا على المادة المعجمية التي دونوها، وبذلك أغفلوا من تلك الثروة اللُّغوية قدرًا كبيرًا طيبًا؛ لأن معاييرهم لم تُجِزه[6].

ويمكن القول: إن الاستعمال والفصاحة هما أهم ما يجب أن تتَّسِم به المادة اللُّغوية كي تكون جاهزة للعبور إلى مرحلة التدوين، وهما أصل كل المعايير التي وضعوها، فرغم تنوُّع تلك المعايير بين قبلية، ومكانية، وزمانية… كان الأساس فيها جميعها أن اعتداد اللفظ أو الصيغة أو التعبير أو الاستعمال أو الدلالة عربيًّا صحيحًا – يتوقف على كون منشئه (منشأ الفصاحة) – أو أقدم مَن روي عنه استعماله – ممن يحتج بكلامه في العربية[7].

والمقصود باستعمال العرب لتركيبٍ ما: هو جريان كلمة منه أو أكثر على لسان عربي، سواء كانت تلك الكلمة اسمًا أو فعلًا أو حرفًا، وهو ضد الإهمال الذي يعني فقدان ذلك؛ أي: عدم العثور على أية كلمة من التركيب جرت على ألسن العرب، وهنا موطن الثغرة؛ إذ إن الحكم باستعمال العرب تركيبًا ما، أو إهمالهم إياه – يقتضي تتبُّع أفراد القبائل التي يحتجُّ بكلامها، لنقص استقراء التراكيب المستعملة، واستقراء صور استعمال كل تركيب[8].

أما الفصاحة، فقد وردت في لسان العرب بعدة معاني، وهي: البيان، والبلاغة، والطلاقة، وإفهام الكلام، والنطق….

“والفصيح في اللغة: المنطلق اللسان في القول، الذي يعرف جيد الكلام من رديئه…، والفصيح في كلام العامة: المعرِب”[9].

وتعتبر الفصاحة شرطًا أساسيًّا لتدوين اللغة؛ ولذلك وضع علماء اللغة معاييرَ للحكم بصحة عروبة اللفظ أو العبارة الواردين، وقَبول تدوينهما في المعاجم اللُّغوية ضمن ثروة المفردات اللُّغوية العربية[10]، “فلم يأخذوا اللغة ممن يُشك في فصاحة لسانه لمخالطته غير العرب”[11]، وأخذوها عن قريش؛ لأنها كانت أجود العرب انتقاءً للأفصح من الألفاظ، وأسلسها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعًا، وأبينها إبانة عما في النفس، كما نقلت اللغة العربية من القبائل العربية الآتية: قيس، وتميم، وأسد، وكان هؤلاء هم الذين أُخِذت عنهم معظم اللغة، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم[12].

هذا فيما يخص المعيار المكاني الذي يقوم أساسه على فصاحة الموقع، والمعيار الزماني أيضًا تحكمه الفصاحة، فلأجل فصاحة أعراب البادية وتمكنهم من اللغة، استباح العلماء الأخذ من البادية حتى منتصف القرن الرابع الهجري، وقد تجاوزا هذه القيود المكانية والزمانية في بعض الأحيان؛ إذ إن حرصهم الشديد هذا “أدى بهم إلى منع كلمات فصيحة ظنوها غير فصيحة؛ لأنهم لم يطلعوا على مصادقها من كلام العرب”[13].

ولعل خطر هذه المعايير أكبر وأوسع من خطر معايير الاستعمال في إغفال الكثير من الطيب مما في نتاج عشراتٍ أو مئاتٍ من أقدر أدباء العربية، من ألفاظٍ وصيغٍ وعباراتٍ واستعمالاتٍ ودلالاتٍ أجدوها، فلم تأخذ مكانها في المعاجم[14]، وبهذا الاختيار يهمل الغريب والوحشي والمبتذل وغير اللائق من الألفاظ…[15].

والغريب: الغامض من الكلام، وكلمة غريبة، وقد غرُبت، وهو من ذلك”[16]، والغرابة هي كون الكلمة وحشية لا يظهر معناها، فيحتاج في معرفتها إلى أن ينقر عنها في كتب اللغة المبسوطة[17].

وتجدر الإشارة إلى أن أولى المؤلفات القاموسية كانت في الغريب، فابن عباس يعزى له كتاب “غريب القرآن”[18]، “ونجد بعد ابن عباس – ولعله سار على نهجه – أبان بن تغلب بن رباح الجريري أبا سعيد البكري (المتوفى سنة 141هـ)، ينسب إليه “غريب القرآن”… وذكر شواهده من الشعر”[19]؛ وذلك لأن القرآن الكريم ورد فيه “كثيرٌ من الغريب والنوادر، وكثير من الألفاظ التي استغلق فهمُ معانيها على الفصحاء من العرب؛ كعمر بن الخطاب وعبدالله بن عباس؛ ولذلك كانوا يستعينون بكلام العرب وبالشعر لبيان معاني القرآن الكريم”[20]، فألَّفوا كتبًا في غريب القرآن.

أما الوحشي الذي انتفى شرطُ الفصاحة منه، فهو ما نفر منه السمع، ويقال له: حوشي، وهو بمعنى الغريب، والمبتذل هو ما يكون شائعًا بين العامة دون الخاصة[21].

“والتزم بهذه المعايير وتحامى تخطيَ حدودها (بصورة كبيرة) جمهورُ اللُّغويين والنحاة، وكل ما لم تنطبق عليه المعايير المذكورة عُدَّ مولَّدًا؛ أي: غير صحيح العروبة، ولا يحتج به في العربية”[22].

“والمولَّد: المحدَث من كل شيء، ومنه المولَّدون من الشعراء إنما سُموا بذلك لحدوثهم”[23]، ونجد أن المؤلَّفات في مجال اللغة إلى نهاية القرن الرابع الهجري تكاد تخلو تمامًا من الاحتجاجات اللُّغوية بشِعر المولَّدين[24].

موضوعات ذات صلة:
————————————————–

بعد أن تحدثتُ عن المعايير التي شدَّد علماء اللغة على عدم تخطيها، وهي ترجع إلى أساسين اثنين لا بد أن تتحلى بهما الألفاظ لتعبر إلى مرحلة التدوين، هما: الاستعمال والفصاحة، سأنتقل إلى عرض المعايير التي اعتمدها كلُّ معجم في اختيار مادته؛ فمنهم مَن خضع لهذين الأساسين، ومنهم مَن تمرد عليهما محاولًا أن يجعل ذلك مستدرَكًا على ما فات مَن سبقهم.

فمعجم الخليل “جمع لأول مرة ألفاظ اللغة…، وبيَّن مستعملها ومهملها على طريقة التقليبات الصوتية”[25]؛ فلم يكن القصد عند مؤلفي المعاجم الآشوريين واليونانيين “حصر جميع ألفاظ اللغة كما فعل الخليل بن أحمد وشرح ما استطاع من كلماتها”[26].

وبهذا يكون قد تمرد على شرط الاستعمال في اختيار مواد معجمه؛ وذلك لأنه قد حاول في كتاب “العين” أن يحصي ألفاظ اللغة بطريقة حسابية؛ لكي يجمع كل الألفاظ، فلا يغيب عنه منها شيءٌ، وبذلك حصر ألفاظ العربية بدقة، فشرح منها المستعمل وترك المهمل.

من هنا يتضح أن هدف الخليل في معجمه هو الاستقصاء والحصر، فهل تمكَّن من حصر كل ألفاظ اللغة العربية؟

في هذا الصدد “قال بعض الفقهاء: “كلام العرب لا يحيط به إلا نبيٌّ”.

وهذا كلام حريٌّ أن يكون صحيحًا، وما بلغَنا أن أحدًا ممن مضى ادَّعى حفظ اللغة كلها.

فأما الكتاب المنسوب إلى الخليل وما في خاتمته من قوله: “هذا آخر كلام العرب“، فقد كان الخليل أورع وأتقى لله جل ثناؤه من أن يقول ذلك”[27]، “كما أن المعجمي يعالج ظاهرة مفتوحة لا تستقر على حال؛ ولذا فإن أي محاولة لحصر كلمات أي لغة حية تعد مطلبًا عزيز المنال، إن لم يكن مستحيلًا”[28]، “فلما كانت حركة الحياة لا تتوقف استمرارًا وتجدُّدًا وتنوعًا، ولا تكاد تحصر مدى، ولَمَّا كان الفكر لا يتوقف عن متابعة حركة الحياة بكل أبعادها…؛ كانت اللغة المعبرة عن كل ذلك لا تكاد تُحَدُّ – أو لا ينبغي أن تحدَّ – سَعةً وتجددًا؛ لتُلاحِقَ كل جديد في الحياة والفكر بالتعبير”[29]؛ ولذلك “ذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أن الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقل، قالوا: ولو جاءنا جميعُ ما قالوه، لجاءنا شعرٌ كثير، وكلام كثير”[30].

وبعد الخليل نجد ابن دُريد لم يلتزم أيضًا بشرط الاستعمال، وإن كان قد أعطى الأهمية الكبرى للمستعمَل والفصيح من الألفاظ، فرغم تسمية كتابه بالجمهرة فإنه لم يهمل الوحشي غير المستعمل إهمالًا، فهو “لم يُرِد أن يجمع على حدٍّ سواء كلَّ اللغة، ولكنه اختار منها “الجمهرة“، قال في مقدمته:

“وإنما أعرناه هذا الاسم؛ لأنَّا اخترنا له الجمهور من كلام العرب، وأرجأنا الوحشي المستنكر”، وكان إرجاؤه للوحشي والمستنكر أنه جعله ملحقًا بأبواب كتابه، لكل باب ملحق، وبذلك جعل الأهمية الكبرى لما هو صحيح مستعمل عند أكثر الناس”[31]، واستعمل الدخيل كثيرًا في الجمهرة، والكلمة الدخيلة هي التي أُدخلت في كلام العرب وليست منه[32].

ويمكن القول: إن شرطَي الاستعمال والفصاحة في المادة اللُّغوية قد بدأا بعد معجمَي (العين والجمهرة)، “وأسماء المعاجم التي جاءت بعد ذلك (العين والجمهرة) توحي بأن الخليل وابن دريد قد ضمَّنا معجمَيْهما كثيرًا من الألفاظ الغريبة، مما يعتبر من غير الصحيح الشائع بين العرب، والدليل على ذلك ما جاء بعدهما من معاجم اتخذت أسماء توحي بالحرص على تنقية اللغة من الغريب والحوشي؛ مثل “تهذيب اللغة”؛ للأزهري، و”الصحاح”؛ للجوهري”[33].

فالأزهري ساعده “على تحرِّي الدقة والصواب أنه لبث أسيرًا عند بعض قبائل العرب أكثر من خمس عشرة سنة، أخذ خلالها اللغة من أفواهِ العرب الأقحاح الأُصَلاء، وقد أخذ الأزهري لمعجمه ما صح من لغة العرب”[34].

قال: “وقد سميتُ كتابي هذا “تهذيب اللغة”؛ لأنني قصدت بما جمعت فيه ما أدخل في لغات العرب من الألفاظ التي أزالها الأغبياء عن صيغها، وغيَّرها الغتم عن سننها، فهذَّبت ما جمعت في كتابي من التصحيف والخطأ بقدر علمي، ولم أحرِص على تطويل الكتاب بالحشو الذي لم أعرف أصله، والغريب الذي لم يسنده الثقات العرب”[35].

و”يبدو أن معاشرة الأزهري لعرب البادية جعلته يورد في معجمه ما ليس شائعًا، لا يمكن اعتباره صحيحًا – أي: فصيحًا – عند كل العلماء؛ مما دفع السيوطيَّ أن يعد الجوهري صاحب أول معجم التزم الصحيح؛ (أي: الفصاحة)[36].

“ويحدثنا ابن فارس أنه اختار الصحيح – (أي: الفصيح) – والواضح، قال: “قد ذكرنا الواضح من كلام العرب والصحيح منه، دون الوحشي المستنكر، ولم نألُ في اجتباء المشهور الدالِّ على غُرر، وتفسير حديث أو شعر؛ والمقصود في كتابنا هذا من أوله إلى آخره التقريبُ والإبانة عما ائتلف من حروف عربية فكان كلامًا، وذِكر ما صح من ذلك سماعًا، أو مِن كتابٍ لا يشك في صحة نَسَبِه؛ لأن مَن علِم أن الله تعالى عندَ مقالِ كلِّ قائل، فهو حريٌّ بالتحرج من تطويل المؤلفات وتكثيرها، بمستنكر الأقاويل، وشنيع الحكايات وبنيَّات الطريق؛ فقد كان يقال: من تتبع غرائب الأحاديث كذب، ونحن نعوذ بالله من ذلك”[37].

“وقد جعل السيوطي ابن فارس مقتفيًا أثر الجوهري في اختياره للصحيح، قال: “وكان في عصر صاحبِ “الصحاح” ابنُ فارس، فالتزم أن يذكر في مجمله الصحيح”[38].

“والجوهري قد شافه العربَ كما صنع الأزهري، وهو يصرح بذلك في مقدمة الصحاح؛ إذ يقول عن اللغة التي اختار الصحيح منها وألف معجمه: (بعد تحصيلها بالعراق رواية، وإتقانها دراية، ومشافهتي بها العرب العاربة، في ديارهم بالبادية، ولم آلُ في ذلك نصحًا، ولا ادخرت وُسعًا)[39].

في مقابل هذه القواميس التي التزمت – أو حاولت أن تلتزم – بشرطَي الفصاحة والاستعمال، نجد معجم “أساس البلاغة” للزمخشري “متميزًا بين المعاجم العربية من ناحية المادة التي يختارها؛ إذ إنه لم يقتصر على اختيار الصحيح، ولكنه خطا خطوة بعد ذلك، فتخير ما وقع في عبارات المبدعين، وانطوى تحت استعمالات المفلقين، أو ما جاز وقوعه فيها، وانطواؤه تحتها، من التراكيب التي تملح وتحسن، ولا تنقبض عنها الألسن؛ لجريها رسلاتٍ على الأسَلات…، مع الاستكثار من نوابغ الكلم الهادية إلى مراشد حر المنطق، الدالة على ضالة المِنطيق المفلق، وزاد على توضيح التراكيب دون المفردات…، هذا إلى جانب إثباته للاستعمالات المجازية”[40].

ويبدو أن ابن منظور صاحب لسان العرب “أراد أن يجمع من اللغة كل ما استطاع، قال في مقدمته عن كتابه: جمَعَ من اللغات والشواهد والأدلة ما لم يجمع مثلُه مثلَه…، فجمعت منها في هذا الكتاب ما تفرَّق، وقرنت بين ما غرب منها وبين ما شرَّق، فانتظم شمل هذه الأصول كلِّها في هذا المجموع، وصار هذا بمنزلة الأصل وأولئك بمنزلة الفروع”[41].

وقد كان الهمُّ الأكبر للفيروزابادي صاحب القاموس المحيط جمعَ أكثرِ ما يمكن جمعه من اللغة، قال في المقدمة: “وكنت برهةً من الزمن ألتمس كتابًا جامعًا بسيطًا، ومصنفًا على الفصح والشوارد محيطًا…، وألفت هذا الكتاب محذوف الشواهد والشوارد، مطروح الزوائد، معربًا عن الفصح والشوارد”[42].

“ويقول (الفيروزابادي) مقارنًا بين قاموسه وبين الصحاح: “ولَمَّا رأيت إقبال الناس على صحاح الجوهري، وهو جدير بذلك، غير أنه فاته تصنيف اللغة أو أكثرها بإهمال المادة، أو بترك المعاني الغريبة [النَّادرة]…، فكتبت بالحمرة المادة [المهملة] لديه”[43].

أما المعجم الوسيط، فلا يعترف بانقطاع سلامة اللغة العربية عند عصر معين، ولا مكان معين، ويثبت “ما وضع المولَّدون والمحدَثون في الأقطار العربية من الكلمات والمصطلحات والتراكيب”[44].

ومعظم المعاجم – قبل المعجم الوسيط – “قد تصونت عن إثبات ما وضع المولَّدون والمحدَثون في الأقطار العربية…، حتى قر في نفوس الدارسين أن اللغة العربية قد كملت في عهد الرواية، واستقرت في بطون هذه المعاجم”[45].

“لكن اللجنة المشرفة على المعجم الوسيط استرشدت “بما يقره مجلس المجمع ومؤتمره من ألفاظ حضارية مستحدثة، أو مصطلحات جديدة موضوعة أو منقولة، في مختلف العلوم والفنون…”[46].

وفي المقابل “أهمل واضعو المعجم [الوسيط] كثيرًا من الألفاظ الحوشية الجافية، أو التي هجرها الاستعمال؛ لعدم الحاجة إليها، أو قلة استعمالها لعدم الحاجة إليها، أو قلة الفائدة منها…، وأهملت كذلك الألفاظ التي أجمعت المعاجم على شرحها بعبارات تكاد تكون واحدة، شرحًا غامضًا مقتضبًا، لا يبين عن حقائقها، ولا يقرب معانيَها، كذلك أغفلت اللجنة (التي وضعت المعجم) بعض المترادفات التي تنشأ عن اختلاف اللهجات”[47].

“أما ما أثبته [المعجم الوسيط]، “فالحي المأنوس من الكلمات والصيغ…، وما دعت الضرورة إلى إدخاله من الألفاظ المولَّدة أو المعرَّبة، أو الدخيلة التي أقرها المجمع وارتضاها الأدباء”[48].

“وصاحب المنجد يأخذ مادَّته من المعاجم القديمة، ولكنه يحذف ما لا يليق؛ إذ يقول في مقدمته: “وقد تحرينا ما أمكنا المحافظة على عبارات الأقدمين، وأغفلنا ذكر ما يمس حرمة الآداب من الكلمات البذيئة التي لا يضر جهلُها، وقلما أفاد علمُها”[49].

ختامًا: نلاحظ أن المعايير التي وضعها العلماء لاختيار المادة القاموسية – لم تكن محترمة من كل القواميس، فبعد أن أخذ بها مؤلفو القواميس الذين جاؤوا بعد الخليل وابن دريد، تمرَّد عليها المتأخرون كما فعل المتقدِّمان الخليلُ وابن دريد؛ بدءًا من الزمخشري الذي لم يقتصر على ذكر الصحيح فقط؛ لذا لا يمكن – حسب رأيي – أن نتحدث عن معاييرَ حقيقية للمادة اللُّغوية إن لم ننظر إلى معجم بعينه؛ فكل معجم يختار وينتقي موادَّه كيفما شاء.

شبكة الألوكة


[1] المعاجم العربية – مدارسها ومناهجها – د. عبدالحميد محمد أبو سكين، (الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية: 1981هـ – 1402م)، ص: 25.

[2] المرجع نفسه، ص: 25.

[3] المرجع نفسه، ص: 21.

[4] المرجع نفسه، ص: 24.

[5] الاستدراك على المعاجم العربية – في ضوء مائتين من المستدركات الجديدة على لسان العرب وتاج العروس – د. محمد حسن حسين جبل، (القاهرة: دار الفكر العربي، دون طبعة، دون تاريخ)، المقدمة، ص:5 – 6.

[6] المرجع نفسه، المقدمة، ص:5 – 6.

[7] المرجع نفسه، المقدمة، ص: 23.

[8] المرجع نفسه، المقدمة، ص: 17.

[9] لسان العرب، ابن منظور، طبعة جديدة محققة ومشكولة شكلًا كاملًا، ومذيلة بفهارس مفصلة، (دار المعارف: دون طبعة، دون تاريخ)، ص: 3419 – 3420.

[10] الاستدراك على المعاجم العربية – في ضوء مائتين من المستدركات الجديدة على لسان العرب وتاج العروس – د. محمد حسن حسين جبل، المقدمة، ص: 23.

[11] المعاجم العربية – مدارسها ومناهجها – د. عبدالحميد محمد أبو سكين، ص: 21.

[12] المرجع نفسه، ص: 22، انظر: المزهر؛ للسيوطي، ج: 1، ص: 212.

[13] المرجع نفسه، ص: 23.

[14] الاستدراك على المعاجم العربية – في ضوء مائتين من المستدركات الجديدة على لسان العرب وتاج العروس – د. محمد حسن حسين جبل، المقدمة، ص: 23.

[15] المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث؛ د. محمد أحمد أبو الفرج، (دار النهضة العربية للطباعة والنشر، دون طبعة، 1966م)، ص:32 – 33.

[16] لسان العرب، ابن منظور، ص: 3226.

[17] المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث؛ د. محمد أحمد أبو الفرج، ص:32 – 33.

[18] المعاجم العربية – مدارسها ومناهجها – د. عبدالحميد محمد أبو سكين، ص: 14، انظر: بروكلمان، ص: 73.

[19] المرجع نفسه، ص: 15.

[20] المرجع نفسه، ص: 17.

[21] المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث؛ د. محمد أحمد أبو الفرج، ص:32 – 33. ا: المزهر، ج1، 186، والعمدة؛ لابن رشيق، ج2 ص 265، ط3 1964.

[22] الاستدراك على المعاجم العربية – في ضوء مائتين من المستدركات الجديدة على لسان العرب وتاج العروس – د. محمد حسن حسين جبل، المقدمة، ص: 24.

[23] لسان العرب؛ ابن منظور، ص: 4916.

[24] الاستدراك على المعاجم العربية – في ضوء مائتين من المستدركات الجديدة على لسان العرب وتاج العروس – د. محمد حسن حسين جبل، المقدمة، ص: 29.

[25] المعاجم العربية – مدارسها ومناهجها – د. عبدالحميد محمد أبو سكين، ص: 15.

[26] المرجع نفسه، ص: 16.

[27] الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها؛ أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، علق عليه ووضع حواشيه: أحمد حسن بسبح، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى: 1418هـ – 1997م)، ص: 24.

[28] البحث اللغوي عند العرب – مع دراسة لقضية التأثير والتأثر – د. أحمد مختار عمر، (القاهرة: عالم الكتب، الطبعة السادسة: 1988م)، ص: 161.

[29] الاستدراك على المعاجم العربية – في ضوء مائتين من المستدركات الجديدة على لسان العرب وتاج العروس – د. محمد حسن حسين جبل، المقدمة، ص:5.

[30] الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها؛ أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، ص: 36.

[31] المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث؛ د. محمد أحمد أبو الفرج، ص: 33.

[32] لسان العرب، ابن منظور، ص: 1342.

[33] المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث؛ د. محمد أحمد أبو الفرج، ص: 33.

[34] المرجع نفسه، ص: 33.

[35] المرجع نفسه، ص: 34. ا: مقدمة الأزهري 114.

[36] المرجع نفسه، ص: 34.

[37] المرجع نفسه، ص: 35.

[38] المرجع نفسه، ص: 35.

[39] المرجع نفسه، ص: 36.

[40] المرجع نفسه، ص: 36.

[41] المرجع نفسه، ص: 37. ا: مقدمة لسان العرب، ج:1، ص:8، ط: بيروت.

[42] المرجع نفسه، ص: 37. ا: مقدمة المحيط، ج:1، ص:3.

[43] المرجع نفسه، ص: 37 – 38. ا: مقدمة المحيط، ج:1، ص:3.

[44] المرجع نفسه، ص: 38. ا: ص:9 من تقديم المعجم الوسيط.

[45] المرجع نفسه، ص: 38.

[46] المرجع نفسه، ص: 39.

[47] المرجع نفسه، ص: 39.

[48] المرجع نفسه، ص: 39.

[49] المرجع نفسه، ص: 39.

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق