التعريف بحروف المعاني


حروف المعاني تُمثل مرحلة الارتقاء اللغوي، فالطفل يبدأ بأسماء الذوات تظهر على لسانه، ثم الأفعال ثم الصفات، ثم الضمائر، وأخيرا حروف المعاني.

هذه الحروف قلَّ أن تخلو آية في كتاب اللَّه منها، وهي على قلتها وتداخل معانيها في مختلف مواقعها، وملاحظة الفروق الدقيقة التي يقتضيها هذا الاختلاف في دلالته على معاني الآيات، ذات تأثير بالغ في الأساليب البيانية. قام رجل عند رسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – وقال: من أطاع اللَّه ورسوله فقد اهتدى، ومن عصاهما فقد غوى، قال له: ” بئس الخطيب أنت، هلا قلت: ومن عصى اللَّه ورسوله فقد غوى؟ فلو كانت الواو لمطلق الجمع لما قيل له ذلك.

فقد تناولها العلماء لبالغ أهميتها منذ القرن الثاني، فقد أوردها سيبويه في الكتاب في باب عدة ما عليه الكَلِم، ثم جاء من بعده رجال عالجواالقضية بطرق مختلفة، منهم المسهب ومنهم الموجز في ذلك ثم ظهرت كتب مقصورة على حروف المعاني.

هذه الحروف فيها المفرد – حرف الجر – والمركب (هلا ولولا)، وفيها المشترك والمختص: المشترك بين الاسم والفعل كحروف العطف، والمختص بالفعل كحروف الجزم والنصب.

ومنها مَنْ إذا دخل على الفعل يقبح دخوله على الاسم كحروف الاستفهام والهمزة وهلا.

وأما من حيث عملها، ففيها العامل وغير العامل وهي أقسام:
الأول: يعمل لفظا ومعنى كحروف الجر.

الثاني: يعمل معنى ولا يعمل لفظاً كـ هل وهمزة الاستفهام وحروف العطف.

الثالث: يعمل لفظاً ولا يعمل معنى كحروف الجر إذا كانت مزيدة.

الرابع: يعمل معنى ولفظاً ولا يعمل حكما: لا غُلامَ لزيدٍ.

الخامس: يعمل حكماً ولا يغيّر ولا يؤثر في لفظٍ: علمت لزيدٌ منطلق.

السادس: لا يعمل في أفي وجهٍ من الوجوه ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ وهي عندي للتعجب – فبأي رحمة من اللَّه لنت لهم! وأما من حيث تسميتها: فقد سماها المبرد: حروف إضافة، تضيف معاني الأفعال قبلها إلى الأسماء بعدها، ولعل سيبويه اقتبس مصطلح الإضافة من الخليل، ولكنه سماها هو ومَنْ بعده من البصريين حروف جر، وجعل منها ملازماً للجر، ومنها غير ملازم كـ خلا وعدا وحاشا، وسماها أبو علي الفارسي: حروف جر تجر ما بعدها، وعلل ذلك أن الكسرة من الياء، والياء مخرجها من وسط اللسان. وسماها الكسائي: حروف صفات، تقع صفات لما قبلها من النكرات. وعلَّل ابن يعيش تسميتها – حروف تقوية – لأنها توصل الفعل الضعيف إلى معموله، فالأفعال قبلها ضعُفت عن وُصولها إلى الأسماء بعدها. وسماها ابن سيده: عناصر ارتباط، تربط اسماً باسم، أو اسماً بفعل، أو فعلاً بفعل، أو جملة بجملة، وسماها الفراء والزجاجي: خوافض، ولا خلاف في كون المعنى المستعمل فيه الحرف جزئياً ملحوظا للغير، وإنما اختلفوا في كون هذا الجزئي هو الموضوع له أولاً، ذهب إلى الأول العضُد والسيد ومن وافقهما فقالوا: معاني الحروف جزئيات وضْعاً واستعمالا (فمن) مثلاً موضوعة لكل فرد من الابتداءات الجزئية الملحوظة للغير مستحضرة لكلي يعمها، وذهب إلى الثاني الأوائل فقالوا: هي كلياتوضعاً، جزثيات استعمالاً. وقال الرازي: واللفظ إما أن يكون معناه مستقلا بالمعلومية أو لا يكون كالحرف. أ. هـ فالحرف إذا معناه غير مستقل بنفسه. وأما الزجاجي فقد سمى القسم الثالث حرفا لأنه حَد ما بين هذين القسمين ورباط لهما.

وقال عبد الحكيم في حاشية المطول: ذهب الأوائل إلى أنها موضوعة للمعاني الكلية الملحوظة لغيرها. ولهذا شرط الواضع في دلالتها ذِكْر الغَير معها. فمعنى (مِنْ) مثلاً هو الابتداء، لكن من حيث أنه آلة لتعرف حال غيره، ولهذا وجب ذكر الغير، وهذا ما اختاره الشارح في تصانيفه يعني التفتازاني. أ. هـ فحروف المعاني دالة على الأعراض النسبية الإضافية، وهي المسؤولة عن الوجود الرابطي. وقد أشار ابن سيده إلى وظيفة الحروف فقال: حروف المعاني روابط تربط الأسماء بالأفعال والأسماء بالأسماء، ومع أنها أكثر في الاستعمال وأقوم دورا فهي قليلة، وسبب قلتها مع كثرة الاستعمال لها أنها إنما يُحتاج إليها لغيرها من الاسم أو الفعل أو الجملة، وليس كذلك غيرها من الأسماء والأفعال، لأنها يُحتاج إليها في أنفسهاء فصارت هذه الحروف كالآلة وغيرها كالعمل في إعداد الآلة، وهذه علة ذكرها أبو علي الفارسي وهي حسنة.

فالنحوي يبحث – في ضوء صحة التركيب وسلامته من اللحن والخطأ – عن المعنى من خلال الوظيفة النحوية في الأداة والصيغة والتركيب، فنسميبحثه (نحو الإعراب). والأصولي يبحث في دوالّ النِّسب والارتباطات أو في الكشف عن دوالّ المعنى النحوي في الأداة والصيغة والتركيب فيصح أن نطلق على بحثه (نحو الدلالة) في مقابل ما انتهى إليه البلاغيون (نحو الأسلوب) وبحثهم في علم المعاني قد وصل إلى هدف النحو الذي غفل عنه النحاة.

المصدر: التضمين النحوي في القرآن الكريم

 

اضغط على أيقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق