احترام القرآن
المؤلف: مصطفى ديب البغا، محيى الدين ديب
احترام القرآن
عناصر الموضوع:
♦ معناه:♦ مظاهره:♦ أ- تقبيل المصحف:♦ ب- تعليق المصحف بالأعناق:♦ ج- الاستخارة بالقرآن: |
لا ريب أن الاحترام الحقيقي للقرآن الكريم إنما يكون بالإكثار من تلاوته، وإتقان حفظه، والعمل بما جاء في آياته، وما طواه في صفحاته من امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ووقوف عند حدوده، وتأدّب بآدابه، واتخاذه ميزانا في القبول والرفض، والأخذ والترك، والحب والبغض، وأن يكون القرآن هوالغاية في العلم والأدب والعقيدة والعمل، والمنهج والسلوك.
ومن المؤكد أن الغرض من نزول القرآن الكريم على محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم هوهداية الناس إلى الحق [1]، وإخراجهم من الظلمات إلى النور؛ قال تعالى:
﴿ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15 – 16].
وإلى جانب هذا الاحترام الحقيقي لا بد من مراعاة مظاهرالتعظيم والتوقير لكتاب الله تعالى ومنها: وجوب الطهارة عند مسّ القرآن، قال تعالى: ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 79].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يمسّ القرآن إلا طاهر» [2]، ووجوب حفظ كتاب الله في غلاف خاص مناسب جميل، والحرص على نظافته، ووضعه في مكان لائق، وعدم إلقائه على الأرض.
وقد أفتى العلماء بكفر من رمى به في قاذورة، وبحرمة بيعه لمن يخشى منه عدم احترامه.
وفي الصحيحين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن السفر به إلى أرض العدو، إذا خيف وقوع المصحف في أيديهم [3].
وقد ورد عن سلفنا الصالح ما يدلّ على تعظيمهم لكتاب الله وإجلالهم له بأقوالهم وأفعالهم؛ قال قتادة رضي الله عنه: ما أكلت الكرّاث منذ قرأت القرآن.
وقال يزيد بن أبي مالك: إنّ أفواهكم طرق من طرق القرآن فطهّروها ونظّفوها ما استطعتم. وقال الراوي الذي يحدث عنه: فما أكل البصل منذ قرأ القرآن. وقال مجاهد: إذا تثاءبت وأنت تقرأ القرآن فأمسك عن القرآن حتى يذهب تثاؤبك. وقال النووي: ويستحب أن يقوم للمصحف إذا قدم به عليه؛ لأن القيام يستحب للعلماء والأخيار، فالمصحف أولى.
البدع المتعلقة باحترام القرآن والتحذير منها:
نتساءل في بحث احترام القرآن عن تقبيل المصحف، هل هوفعل مأثور ومشروع، أم بدعة مستحدثة؟ ونجد جوابا لهذا التساؤل في قول ضعيف أن التقبيل بدعة، ولكننا نتبيّن من التحقيق في ذلك أنه روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يأخذ المصحف كلّ غداة ويقبّله ويقول: عهد ربّي ومنشور ربّي عزّ وجلّ. وكان عثمان رضي الله عنه يقبّل المصحف ويمسحه على وجهه.
وهذا يدل على أنّ التقبيل للمصحف مع العمل بآياته وأحكامه مستحسن، اقتداء بعمر وعثمان رضي الله عنهما؛ لما رواه أبوداود من قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» [4].
وأما التقبيل للمصحف مع ترك العمل به، فهومخالفة ظاهرة لسنّة الخلفاء الراشدين، واحترام سطحيّ وظاهريّ لا يقام له وزن ولا قيمة.
إذا علّق المؤمن أوالمؤمنة المصحف الشريف أوآيات من القرآن تعظيما له أوبنية الحفظ أوالاستشفاء به فهوجائز. وأما إذا علّقه بنية الزينة، أولعادة جرت (موضة) أوغير ذلك مما يوهم الاستعمال، أويكون لغير التعظيم فلا يخلومن كراهة أوحرمة، وهذا كلّه مع ملاحظة أن يكون القرآن مخطوطا بشكل ظاهر ويقرأ بأدنى تأمل، أما ما اعتاده الناس في أيامنا هذه من حمل مصحف صغير الحجم جدا، فقد نصّ الفقهاء على كراهة ذلك، ففي الدر المختار: «ويكره تصغير مصحف وكتابته بقلم دقيق». وكذا ما يفعله بعض النساء أوبعض طالبات المدارس خاصة من وضع مصحف صغير في علبة مذهبة وتعليقه على نحورهن، مظهرات صدورهن في الأسواق أمام الرجال، فهذا حرام قطعا، لإضافتهن على ما تقدم تكشيف العورات، ولا يقبل منهن هذا الاحترام الزائف للقرآن، ولا عذر لهن في أنهن يفعلن ذلك ليتميزن عن غيرهن من غير المسلمات؛ لأن المرأة المسلمة والفتاة المؤمنة يميزها سترها ودينها وخلقها.
ومن الناس من يعبّر عن احترامه للقرآن بتصرّف غريب، وهوأخذ الفأل من القرآن، فإن وجد آية تأمر بفعل شيء فعل، كأن يسافر أويتزوج، وإن وجد آية تنهى عن فعل شيء، ترك الفعل، ويفهم أنه نهي عنه، وذكر فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين في كتاب «بلاغة القرآن» أنه حكى بعض المؤرخين أن بعض العلماء أراد السفر في البحر ففتح المصحف وقابله قول الله تعالى: ﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﴾ [الدخان: 24] فترك السفر، وغرق المركب في البحر براكبيه. وهذا الذي حدث مجرّد مصادفة، والقرآن لم ينزله الله تعالى لأخذ الفأل منه، بل أنزله ليكون شفاء لما في الصدور.
ومن الناس من يستخير بالقرآن بطريقة أخرى، وهي أن يأخذ المصحف ويفتحه عفوا ثم ينظر إلى أولى سطر في الصحيفة الأولى، وبعضهم يعدّ سبع ورقات ثم سبعة أسطر ثم سبع كلمات، ثم يقرأ، فإن وجد آية تأمر بفعل شيء فعل، وإن وجد آية تنهى عن فعل شيء ترك الفعل، وهذه الاستخارة لا أصل لها في الشرع ولم تنقل عن أحد من الأئمة أوالعلماء، وهي مبنية على المصادفة والمخاطرة، والقرآن إنما أنزل كتاب هداية كما ذكرنا من قبل.
وقد شرع النبيّ عليه الصلاة والسلام صلاة الاستخارة ودعاءها، ففي البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب.
اللهمّ إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسّره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضّني به»
قال: ويسمّي حاجته [5].
وينظر المسلم بعد صلاة الاستخارة ودعائها إلى انشراح صدره، فإن لم ير شيئا كرّر الصلاة والدعاء سبعا، لحديث ابن السني: «إذا هممت بأمر فاستخر ربّك فيه سبع مرات» [6].
وقد كان الصحابة يكرّرونها.
وحرام على المسلم أن يلجأ إلى غير هذا الطريق القويم، كأن يلجأ إلى الاستخارة بمثل هذه البدع المتقدمة، والتي ليس فيها أي احترام لكتاب الله، وحرام عليه أن يلجأ إلى منجم أوعرّاف، وجمود منه أن يطلب من غيره أن يستخير له ويترك إحياء سنة الاستخارة الشرعية الميسرة بنفسه.
المصدر: الواضح في علوم القرآن
[1] ولذلك فلا يجوز استعمال آيات القرآن وحكمه إلا في مجال الهداية والدعوة إلى الحق، لا في الأغراض الخاصة أوالمزاح.
[2] ذكره الهيثمي في المجمع (1/ 276) وقال: رواه الطبراني في الكبير والصغير ورجاله موثقون.
[3] رواه البخاري في الجهاد (2828) ومسلم في الإمارة (1869) وابن ماجة في الجهاد (2879).
[4] رواه أحمد (4/ 126 – 127) وأبوداود في السنة (4607) والترمذي في العلم (2676) وابن ماجة في المقدمة (43).
[5] رواه البخاري في أبواب صلاة التطوع (1109) وفي التوحيد (6955).
[6] رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (603) وإسناده ضعيف جدا، وانظره في الأذكار للنووي برقم (305).