من أقسام واضح الدلالة: المتشابه

من أقسام خفي الدلالة

المتشابه

 

 وهو لغةً: مأخوذ من اشتبهت الأمور وتشابهت؛ أي: التبسَتْ؛ لاشتباهِ بعضها ببعض، وشُبِّه عليه الأمر؛ أي: لبس عليه[1].

 

وفي الاصطلاح عرفوه بأنه: (اسم لِما انقطع رجاءُ معرفة المراد منه)[2] في الدنيا؛ حيث لم يفسَّر بالكتاب ولا بالسنَّة؛ فهو اللفظ الذي يخفى معناه، ولا سبيلَ إلى أن تدركَه العقولُ، ولا يوجد ما يفسِّره تفسيرًا قاطعًا من الكتاب أو السنَّة، ولا توجد قرينةٌ تدلُّ عليه.

 

• وهذا يأتي في صورتين: إحداهما: ألا يُعلَمَ معناه أصلاً؛ لأنه لم يوضَعْ في كلام العرب لمعنًى ما، مثل المقطعات في أوائل السور: حم، طسم، عسق، فهي لا تدلُّ بنفسها على ما يراد منها.

 

ولذلك يقول الإمامُ مالكٌ في هذه الآية: (الاستواء غيرُ مجهول، والكيف منه غيرُ معقول، والإيمان به واجبٌ، والشك فيه شرك، والسؤال عنه بدعة)[3].

 

• والغاية من المتشابهِ هي: (الابتلاءُ بالوقف والتسليم؛ لأن الناسَ على ضربين؛ ضربٍ: يبتلون بالجهل، فوجَب عليهم أن يتعلموا العلم، ويشتغلوا بالتحصيل، وضربٍ: عُلماء؛ فابتلاؤهم ألا يسلموا في متشابهات القرآن ومستودعات أسراره، فإنها سرٌّ بين اللهِ سبحانه ورسولِه، لا يعلَمُها أحدٌ غيره؛ لأن ابتلاءَ كلِّ واحد إنما يكونُ على خلاف متمناه، وعكس هواه، فهوى الجاهل ترك التحصيل، فيبتلى به، وهوى العالم اطِّلاعه على كل شيء، فيُبتَلى بتَرْكه)[4].

 

وعلى هذا، فلا يُعرَفُ وجه القطع في المتشابه على سبيل اليقين في معنى محدد.

 

 وينفي الغزالي وقوع المتشابه بهذا المفهوم في القرآن؛ فقد (ثبت أنه ليس في القرآنِ ما لا تفهمه العرب)[5]، ويرى أن الأحرف المقطعة ذات دلالات أو وظائف لغوية؛ فهي إما أن تكون أسامي للسور، كما يقال: سورة (يس) وسورة (طه)، وإما أن تكون قد جاءت لتنبيه المخاطَبين بجمع دواعيهم إلى الاستماع بما يخالفُ عادتَهم، أو أنها ذُكِرت كناية عن سائر حروف المعجم، التي لا يخرج عنها جميعُ كلام العرب؛ تنبيهًا على أنه لا يخاطبهم إلا بلغتِهم وحروفهم.

 

وينفي أيضًا ادعاء التشابه فيما قد يتوهم فيه تشبيه الخالق سبحانه بالحوادثِ، ويرى أنه (كنايات واستعارات يفهمها المؤمنون من العرب، المصدِّقون بأن اللهَ تعالى ليس كمثله شيءٌ، وأنها مؤوَّلة تأويلاتٍ تناسب تفاهم العرب)[6].

 

 وأيًّا كان الخلاف، فالمتشابه لا وجودَ له في النصوص المتعلقة بالأحكام العملية ومسائل الفقه؛ وإنما يُوجَدُ في النصوص المتعلِّقة بالعقائد وأصول الدِّين؛ ولذلك لم يهتمَّ به الأصوليُّونَ إلا من حيث إنه قسمٌ من أقسام الخفي الدلالة[7].



[1] أساس البلاغة (228)، والنهاية؛ لابن الأثير (1 /203).

[2] نور الأنوار في شرح المنار (1 /221).

[3] نور الأنوار (1 /223).

[4] كشف الأسرار (1 /58 – 59).

[5] المستصفى (2 /127).

[6] المرجع السابق: نفس الموضع.

[7] تفسير النصوص (1 /322 – 325)، الخطاب الشرعي ص (137 – 138).

ترك تعليق