د. عبدالرزاق مرزوكَ

 

التِّيه والتَّوه، وما بينهما (من موجبات تقويم اللسان)

تقديم:
الحمد لله الذي أتْقن كلَّ شيءٍ خلَقَه، والصَّلاة والسَّلام على مَن أوتيَ جِماع الكلام وألقه، وعلى آله وصحبه الراشدين، ومَن سار على نَهجهم إلى يوم الدين.
شرط الكتابة المُفيدة إقامةُ الكلام على سنن السَّلامة والإتْقان، وذلك بتقْويم اليد واللسان؛ حذرًا من المعاطب المفْسِدة للعبارات والمقاصد.
فإن أصاب المتكلِّم أو الكاتب، ووافق سَنَن اللِّسان العربي الفصيح، أفاد القارئَ أو السامع، ونفعَه نفعًا يتعدَّاه إلى سواه، فيبقى أصل الاستعمال على حالِه الأوَّل فصيحًا سليمًا على تعدُّد المتلقِّين والقارئين، وطول العهْد بمخرج السَّلامة الأوَّل.
وإن أَخْطَأ المتكلم أو الكاتب، وخالف سنَّة الفصاحة، أضلَّ القارئ أو السامع تضليلاً يتعدَّاه إلى سواه، فيشيع الخطأ شيوعَ العدوى الكاسحة، ثم يتعذَّر ردُّ ما شرد، وإصلاح ما فسد، كما يتعذَّر إطفاء حريقٍ سرى في هشيم مترامٍ بخرطوم ماء.
لذا وجب الانتِباه والتَّنبيه، وحسْم مادَّة الدَّاء الأولى بحِمْية ناجعة، تصون مخرج الكلام الأول، فربَّ انتباه لحظة أورث سلامة الأبد.
التِّيه والتَّوْه والتَّيْه.. وما بينهما:
ومن الكلِمات المشتهرات، ذات الدلالات الغامضات في استعمال المتكلِّمين والكاتبين، ممَّا شاع تبديله، ويلزم تعديله: التِّيه – بكسر المثناة المشدَّدة – وهو الهلاك، والتَّيْه – بفتحها – وهو الكِبْر، والمعْنى الأوَّل أكثر ورودًا وذيوعًا، وذاع معه استِعْمال كلا المصدرين في الدلالة عليه، وهو خطأ لاختِلافهما وزنًا ومعنًى.
وهذا بيان ما وجدتُ من الفروق بيْنهما، اختصرتُه من “لسان العرب”، للعلاَّمة ابن منظور، و “القاموس المحيط، للإمام الفيروزآبادي (توه):
فالتِّيهُ – والتَّوْهُ لغة فيه -: الهلاك.
ويقال: تَاهَ يَتُوهُ، ويَتِيهُ تَوْهًا: إذا هلك.
وتَوَّهَ نفسه: أهلكها، وما أَتْوَهَه: ما أهلكه.
والتَّيْهاء: الأرض التي لا يُهتدى فيها، والمَضِلَّة الواسعة التي لا أعلامَ فيها ولا جبال ولا إكام، والتِّيه: المَفازة يُتاه فيها، والجمع: أَتْياه وأَتاويه.
ومنه قولُه – تعالى – عن بني إسرائيل: ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ [المائدة: 26].
قال الحافظ ابن كثير: “فوقعوا في التيه: يسيرون دائمًا، لا يهتدون للخروج منه[1].
أمَّا التَّيْهُ – بفتح التاء المشدَّدة -: فهو الكِبْر والصَّلَف.
ويقال: تَاهَ يَتِيهُ تَيْهًا: إذا تكبَّر.
ورجل تَائِه وتَيَّاه وتَيَّهان – بفتح الياء المشدَّدة – وتَيْهان وتَيِّهان: إذا كان جسورًا يركب رأسه في الأمور.
الخلاصة:
1- التَّيْه والتِّيه – بفتح التَّاء المشدَّدة وكسْرِها -: صحيحانِ في معنى الهلاك، والذَّهاب، والحيرة، والضلال.
2- لا يصحُّ في معنى الكِبْر إلا التَّيْه – بفتح التاء المشدَّدة.
3 –
وفي الوصْف يصحُّ (التَّائه) في الضَّالِّ والمتكبِّر معًا، ومثله يحكمه السياق.
والله أعلم.
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبِه وسلَّم.

ــــــــــــــــــ

[1]   تفسير القرآن العظيم: 3 / 79

 

ترك تعليق