تحقيق: أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن
المجاز المرسل وعلاقاته وأسئلة عليه
شرح دروس البلاغة للشيخ محمد بن صالح العثيمين
هو مجاز علاقته غير المشابهة:
١- كالسببية في قولك: عظمت يد فلان عندي؛ أي: نعمته التي سببها اليد.
٢- والمسببية في قولك: أمطرت السماء نباتًا؛ أي: مطرًا يتسبب عنه النبات.
٣- والجزئية في قولك: أرسلت العيون لتطلع على أحوال العدو؛ أي: الجواسيس.
٤- والكلية في قوله تعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ [البقرة: 19]؛ أي: أناملهم.
٥- واعتبار ما كان في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2]؛ أي: البالغين.
٦- واعتبار ما يكون في قوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 36]؛ أي: عِنبًا.
٧- والمحلية في قولك: قرر المجلس ذلك؛ أي: أهلُه.
٨- والحالية في قوله تعالى: ﴿ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 107]؛ أي جنته (1).
(١) المجاز المرسل: ضابطه ما تجوز به عن غيره بعلاقةٍ غير الشبه، وإذا كانت العلاقة الشبه فهو استعارة.
يعني: كل شيء يُعبَّرُ به عن غيره إن كانت العلاقة بينهما المشابهة فهي استعارة، وإن كانت غير مشابهة فهي مجاز مرسل.
ولقد ذكر المؤلف رحمه الله أن هنا ثمانية أشياء:
١- السببية في قولك: عظمت يد فلان عندي؛ أي: نعمته التي سببها اليد، فهنا عبر بالسبب عن المسبب، السبب هو اليد؛ لأنها هي التي تعطي، والمسبب هو النعمة؛ فعبر باليد عن النعمة مجازًا؛ لأن اليد سبب.
ومثال ذلك أيضًا قال تعالى: ﴿ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ﴾ [غافر: 13] فهنا عبر بالرزق عن المطر؛ لأن الرزق مسبب للمطر؛ فالمطر هو السبب.
٢- والمسببية في قولك: أمطرت السماء نباتًا، فمعلوم أن السماء لا تمطر نباتًا، ولكن تمطر مطرًا يكون به النبات، فهنا عبر بالنبات الذي هو المسبب عن السبب الذي هو المطر؛ لأن المطر يتسبب عنه النبات.
وهذان شيئان متضادان: يعبَّر بالسبب عن المسبَّب، وبالمسبَّب عن السبب، وكلاهما مجاز.
٣- والجزئية في قولك: أرسلت العيون لتطلع على أحوال العدو؛ أي: الجواسيس.
فمن المعلوم أن العين نفسها لا ترسل، ولكن يرسل الشخص؛ ليطلع، لكن لما كان الجاسوس يدرك الأشياء ببصره، ويتأمل الملامح وينظر الأشياء، عبر بالعين عنه؛ أي: عن الجاسوس.
ولو أن إنسانًا قال: أرسلت آذاني في البلد، فهل هذا يصلح أن يعبر به عن الجاسوس؟
الجواب: لا، لا يصلح، ولا عبر به العرب.
لكنها – أي: الآذان – من الممكن أن تكون جاسوسًا في حالة معينة؛ نحو: إذا قيل لك عن بيت: إن فيه اشتباهًا، وأرسلت إليه شخصًا في الليل، فهنا يمكن أن تقول: أرسلت آذاني إلى بيته ليلًا.
٤- والكلية في قوله تعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ [البقرة: 19]، فهنا عبر بالكل عن الجزء.
ومثال ذلك أيضًا: قوله سبحانه في الحديث القدسي: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين…)) الحديث[1]، فهذا تعبير بالكل عن الجزء، وهذا أمثلته كثيرة.
وعكس ذلك أن تقول: أعتق رقبة، فهنا عبر بالجزء عن الكل.
ومثال ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]، عبر بالجزء عن الكل؛ لأن المراد الصلاة، والركوع جزء منها.
٥- واعتبار ما كان في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2]، من المعلوم أن اليتيم هو من مات أبوه قبل البلوغ، ومَن لم يبلغ لا يعطَ ماله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6]، فكيف يقول هنا عز وجل: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2]؟!
الجواب: لأن المراد بالآية هنا البالغون، وإذا كانوا بالغين لم يكونوا يتامى؛ إذ إن اليتيم من لم يبلغ.
فإذا قال قائل: ما الحكمة من أنه سبحانه وتعالى يعبر باليتيم عن البالغ؟
فالجواب: أن الحكمة هي استعطاف الأولياء واسترحامهم؛ حتى يؤدوا الأموال إلى أهلها، فكأنه قال: اذكروا يُتمهم، وأعطوهم أموالهم.
٦- اعتبار ما يكون في قوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 36]؛ فالخمر لا يعصر، وإنما هو المعصور!
لكن ما المراد به؟
الجواب: المراد به العنب الذي يكون منه الخمر، فعبر عن شيء باعتبار ما يكون، وهذا له أمثلة كثيرة في القرآن وفي غير القرآن.
ومثاله في القرآن قوله تعالى: ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ﴾ [النحل: 1]، عبر بالماضي عن المستقبل.
٧- والمحلية في قولك: قرر المجلس ذلك؛ أي: أهلُه.
تقول: قرر مجلس الوزراء كذا وكذا، وهل الذي قرر الكنبات والمخاد والمساند؟!
الجواب: لا؛ فالذي قرر أهل المجلس، لكن لما كان القرار إجماعيًّا، صار كأن المحل نفسه بمن فيه قرره.
٨- والحالية في قوله تعالى: ﴿ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 107].
والمراد (ففي جنة الله)، لكن عبر عن الجنة بالرحمة؛ لأنها من آثار رحمته.
فالجنه هي رحمة الله؛ كما جاء في الحديث: ((قال لها: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء))[2]؛ لأن الجنه محلُّ الرحمة، جعلني الله وإياكم من أهلها بمنِّه وكرمه.
[1] رواه أحمد في “مسنده” 2/ 241، 285، 460 (7289، 7823، 9893)، ومسلم 1/ 296 (395)، وأبو داود (821)، والترمذي (2953)، والنسائي في “السنن الكبرى” (981)، وفي “المجتبى” (908)، وابن ماجه (3784)، ومالك في “الموطأ” 1/ 96 (39)، وإسحاق بن راهويه في “مسنده” 1/ 333 (323)، والحميدي في “مسنده” 2/ 430، وابن خزيمة في “صحيحه” (502)، وأبو عوانة في “مسنده” 1/ 452، وابن حبان في “صحيحه” (776، 1795)، والبيهقي في “السنن الصغرى” 1/ 246؛ كلهم عن أبي هريرة.
ورواه ابن خزيمة في “صحيحه” (2945) عن عبدالله بن عباس.
[2] رواه أحمد في “مسنده” 2/ 314 (8149)، والبخاري في “صحيحه” (4850)، وفي الأدب المفرد (554)، ومسلم 4/ 2186 (2846)، والترمذي (2561)، وابن حبان في “صحيحه” (7447، 7476، 7477)، والدارقطني في الصفات 1/ 14، 16، والبغوي في “شرح السنة” (4422)، والعقيلي في “الضعفاء” 1/ 111.