الشيخ طه محمد الساكت

 

إلى طلاب النحو في جميع الأقطار

ما كان أظرف الأستاذ مصطفى إبراهيم حينما وجَّه (إلى علماء النحو في جميع الأقطار) هذه المشكلات الآتية:

         1    لِمَ أُفرِدَ لفظ مائة في ثلاثمائة إلى تسعمائة على خلاف القاعدة؟

         2      لِمَ حذفت التاء في قوله تعالى: ﴿ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا[الأنعام: 160]، على خلاف القاعدة أيضًا؟

         3    كيف قلتم: إنلنلتأبيد النفي، وقوله تعالى: ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا[مريم: 26]، ﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا[البقرة: 95] ينافي ذلك؟!

 وقد هَمَمنا أن نفزع إلى أستاذنا العلَّامة صاحب النحو والنحاة، ولكنا وجدنا الأمرَ أيسر من ذلك:

     1 إنما يكون مُميز الثلاثة إلى العشرة جمعَ قلَّة، ما لم يكن لفظَ مائة أو اسمَ جمع؛ نحو تسعة رهط، وخمس ذود؛ لأن مائة وهي مفردة في اللفظ جمع في المعنى؛ لأنها عشرُ عشرات، وهو عدد قليل. اهـ؛ توضيح، وأشموني.

 وأقول: ربما لوحظ في إفراد لفظ المائة خفَّة النطق، والتَّعداد بالمئات كثير، بخلاف الآلاف؛ ولذلك وصل الإملائيون المضافَ بالمضاف إليه فيها؛ لكثرة الاستعمال، وفرقًا بين الجمع والكسر في مثل رُبُع مائة وثُمُن مائة… إلخ، ثم إن إضافتها إلى الآلاف جمعًا قد جاء على أصل القاعدة، وعندهم: (ما جاء على أصله لا يسأل عنه)، وظاهرٌ أن اسم الجمع في حكم جمع القلة.

 هذا، وشذَّ قول الفرزدق في الضرورة:

ثلاث مِئِينٍ للملوك وَفَى بها ♦♦♦ ردائي وجلَّتْ عن وجوه الأهاتمِ

   2    يعتبر في واحد المعدود – تأنيثًا وتذكيرًا – لفظُه إن كان اسمًا، وموصوفه المَنْويُّ إن كان صفةً؛ فتقول: “ثلاثة أشخصٍقاصدٌ نسوة، وثلاث أعينقاصدٌ رجالاً، وتقول: ثلاثة ربعات، إن قدَّرت الموصوف رجلًا، وتحذف التاء إن قدرت الموصوف نساء؛ لأن الربعة يُوصَف بها المذكر والمؤنث، وعلى هذا قوله عز وجل: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا[الأنعام: 160]، تقديره فله عشر حسنات أمثالها، ويمكن تخريجها على تأنيث المعدود مراعاةً للجمع، ولكن الصحيح مراعاة واحد المعدود خلافًا للبغداديِّين، وقد يقال: إن المعدودَ اكتسب التأنيث بإضافته إلى المؤنث؛ اهـ؛ أشموني، وتوضيح، واختر ما يحلو.

     3    النحاة جميعًا على أنلنلمجرد النفي، والتأكيد أو التأبيد يستفادان من القرائن، ولم يخالِفْهم فيما نعلم إلا الزمخشري، وكيف نجعل المرجوحَ راجحًا ثم نستشكل بناء عليه؟!

 على أن من ينصر مذهبَ الزمخشري في إفادتها التأكيد أو التأبيد، فله أن يجيب عنه بأنها إنما تكون للتأبيد عند الإطلاق، فإذا ذكرت قرينة تمنع منه مثلاليومفي الآية الكريمة، فهي للتأكيد فحسب، وبأن التكرار في مثل ﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا[البقرة: 95] يقع في بليغ الكلام لزيادة التأكيد.

وإذا لم نرتضِ مذهبه، فقد قطَعَتْ جهيزةُ قولَ كلِّ خطيب!

 

طه محمد الساكت – مدرس بمعهد القاهرة.
الرسالة: 381 – 19 رمضان 1359هـ – 21 أكتوبر 1940هـ

ترك تعليق