أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن
الضمائر المستترة في اللغة العربية
ذكرنا في بداية الكلام عن أقسام الضمائر أن الضمائر قسمان: بارزة ومستترة، وقد انتهينا فيما مضى من الكلام على الضمائر البارزة بنوعيها: المتصلة والمنفصلة، ولم يبق لنا إلا الضمائر المستترة، فنقول مستعينين بالله عز وجل: الضمير المستتر سبق أن عرَّفناه بأنه الضمير الذي ليس له صورة في اللفظ نطقًا وكتابة[1].
ومثاله قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الأعراف: 134].
فإن الأفعال: (ادع، وعهد، ولنؤمنن، ولنرسلن) كل واحد منها فيه ضمير مستتر، تقديره على الترتيب: (أنت – هو – نحن – نحن).
وليعلم أن الضمائر المستترة لا تكون إلا في محل رفع على الفاعلية[2]، وعليه؛ فإنه يقال في إعراب الضمائر المستترة الموجودة في الآية السابقة على سبيل المثال: والفاعل ضمير مستتر، تقديره: (أنت – هو – نحن – نحن)، في محل رفع.
والضمير المستتر يكون واحدًا من خمسة ضمائر، هي:
1- (هو)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾ [يوسف: 70][3].
2- (هي)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [يوسف: 31، 32][4].
3- (أنا)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴾ [مريم: 18، 19][5].
4- (أنت)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199][6].
5- (نحن)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145][7]، [8].
فإذا ذُكر الضميرُ الفاعلُ في الفعل لم يكن مستترًا؛ وإنما يكون بارزًا، كما تقدم[9].
فعلى سبيل المثال قوله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ففي هذه الآية عدةُ أفعالٍ، وكل فعل منها قد رفَع ضميرًا، ولكن يلاحظ أن هذه الضمائر التي وقعت فاعلًا لهذه الأفعال، منها ما كان:
ضميرًا مستترًا؛ كالضمير (نحن) في الفعل (ندخلها)، والضمير (أنت) في الفعل (اذهب)[10].
ومنها ما كان بارزًا؛ كالضمير (واو الجماعة) في الفعلين (قالوا، داموا)، والضمير (ألف الاثنين) في الفعل (فقاتِلا).
وبهذا ينتهي بفضل الله ومنِّه وكرمه الكلامُ عن باب الضمائر، وفيما يلي إن شاء الله عز وجل بدايةُ الحديث عن باب الأفعال.
[1] فهو ضمير خفي غير ظاهر في النطق والكتابة، فالاستتار بمعنى الاختفاء.
[2] أو: نائب الفاعلية إذا كان الفعل مبنيًّا للمجهول، أو: على أنها اسم لـ(كان) أو إحدى أخواتها، وسيأتي ذكر ذلك بالتفصيل في باب نائب الفاعل، وباب (كان) وأخواتها، إن شاء الله تعالى.
[3] فكل من الفعلين (جهَّزهم، جعل) فيه ضمير مستتر، تقديره: (هو)، يعود على يوسف صلى الله عليه وسلم.
ويقال في إعراب هذا الضمير: والفاعل ضمير مستتر، تقديره: (هو)، في محل رفع.
[4] ففي الأفعال: (سمعت، أرسلت، أعتدت، آتت، قالت) في كل واحد منها ضمير مستتر، تقديره: (هي)، يعود على امرأة العزيز، ويقال في إعراب هذا الضمير: والفاعل ضمير مستتر تقديره (هي)، في محل رفع.
[5] ففي كل من الفعلين (أعوذ، أهب) ضمير مستتر، تقديره: (أنا)، وهو في الفعل الأول (أعوذ) يعود على مريم رضي الله عنها، وفي الفعل الثاني (أهب) يعود على المَلَك المرسل إليها عليه السلام، ويقال في إعراب هذا الضمير: والفاعل ضمير مستتر، تقديره (أنا)، في محل رفع.
[6] ففي الأفعال (خُذ، أمُر، أعرِض) ضمير مستتر، تقديره: (أنت)، ويقال في إعراب هذا الضمير: والفاعل ضمير مستتر، تقديره: (أنت)، في محل رفع.
[7] ففي الأفعال: (نؤته، نؤته، سنجزي) ضمير مستتر، تقديره: (نحن) يعود على الرب سبحانه، ويقال في إعراب هذا الضمير: والفاعل ضمير مستتر، تقديره: (نحن)، في محل رفع.
[8] يلاحظ أن هذه الضمائر الخمسة المستترة هي من ضمائر الرفع البارزة المنفصلة التي تقدم ذكرها.
ولكن قد يُشكِل هنا: أننا عندما ذكرنا ضمائر الرفع البارزة المنفصلة ذكرنا أنها في العدد اثنا عشر ضميرًا، فلماذا لم نذكر منها في الضمائر المستترة إلا هذه الخمسة فقط؟
والجواب عن هذا الإشكال أن نقول: إن السبب في كون الضمائر السبعة الباقية لا تقع ضمائر مستترة، أنها ينوب عن استتارها في الفعل ضمائر أخرى متصلة، تؤدي نفس معناها؛ فينوب عن الضميرين (هم، وأنتم): الضمير المتصل واو الجماعة، وينوب عن الضميرين (هن، وأنتن): الضمير المتصل نون النسوة، وينوب عن الضميرين (هما، وأنتما): الضمير المتصل ألف الاثنين، أو الاثنتين، وينوب عن الضمير (أنتِ)، الضمير المتصل ياء المخاطبة المؤنثة(*).
فيقال على سبيل المثال: تضربين. بذكر الضمير المتصل (ياء المخاطبة)، ولا يقال: تضرب، بجعل الضمير (أنتِ) مستترًا في هذا الفعل.
* فهذه هي الضمائر السبعة الباقية قد ناب عنها الضمائر المتصلة المذكورة.
[9] فمتى وُجد الضمير الذي يعود على الفاعل، وظهر، لا يكون الفاعل أبدًا ضميرًا مستترًا؛ لوجود الضمير البارز.
[10] أما الضمير (أنت) المذكور في الآية فليس هو الفاعل، وإنما هو توكيد للفاعل الضمير المستتر في الفعل (اذهب)؛ فتقدير الكلام: اذهب أنت أنت.