د. سيد مصطفى أبو طالب

تعريف الاشتقاق لغةً واصطلاحاً

الاشتقاق أحد خصائص اللغة العربية، “وقرر علماء اللغات السامية أن العربية أرقاها بامتيازها – حتى عن اللغات الآرية – بكثرة مرونتها، وسعة اشتقاقها. فهي أوفر في الاشتقاق من غيرها“.[1]وهو وسيلة مهمة في نموها وبقائها حية على صفحات الدهر، والواقع أن العربية تتميز بهذا النوع الذي يكثر فيه التوالد والنتاج“.[2]

فالاشتقاق إذًا “من العوامل الهامة في زيادة الثروة اللغوية، وتكثير مفرداتها، لأنه يُمكِّن الإنسان من توليد ألفاظ كثيرة من أصل واحد“.[3]

وهو يجعل اللغة العربية “ضمن اللغات الاشتقاقية في مقابل اللغات الإلصاقية أو اللصقية، فإذا كانت اللغات اللصقية في صياغتها للمفردات تعتمد على إضافة السوابق أو اللواحق فقط، دون أي تغيير داخلي في صيغة الكلمة، كما في الإنجليزية التي تستخدم السوابق لإضافة معاني خاصة للكلمات مثلuni في الإنجليزية التي تعني “واحد”، فيقال:

uniform للدلالة على الزي الموحد، وunique للدلالة على الوحيد من نوعه.

وunion للدلالة على الوحدة أو الاتحاد، وunisonللدلالة على الانسجام بين شخصين لدرجة أنهما صارا كشخص واحد، وغيرها من الأمثلة.

وكذلكerفيvisiter[4] للدلالة على اسم الفاعل وed للدلالة على اسم المفعول[5]visited

فاللغات التي تعتمد على هذه السوابق واللواحق في تغيير دلالات كلماتها هي لغات لصقية.

أما اللغات الاشتقاقية فهي تعتمد على ما يأتي:

1- الجذر: (المادة الأساسية) وهي في العربية الصوامت الثلاث الأصلية كما في (ك. ت. ب)، (أ. ك. ل)، (ع. ل. م).

2- الحركات التي تكسب هذا الجذر الوزن المعين: فيقال: كَتَبَ -يَكْتُبُ -أَكْتُب- كِتَاب – مَكْتُوب- مَكْتَب- مَكْتَبة.

فكل وزن من الأوزان يمثل وزناً صرفياً معيناً من خلال وسيلتين:

أ‌الحركات قصيرها وطويلها (الفتحة –الكسرة -الضمة / الألف -الواو-الياء) فيقال: عَلِم-عِلْم-عَلَم / عَالِم-عَلِيم-عَلُوم.

ب‌ أحرف الزيادة، وهي الصوامت التي اختصت بإضفاء معاني خاصة على الصيغ، وقد جمعها العرب في أحرف (سألتمونيها) فيقال في شرب: يشرب، سيشرب، مشروب… إلخ.

3- المعنى العام الذي يرتبط بهذا الجذر، ويمتد مع الأوزان المنشقة عنه، وذلك كما في (ح. د. ق) التي تعني “الإحاطة “في أحدق، وحَدِيقة، وحدقة.

و (ج. ن. ن) الني تعني “الاستتار” في: الجِن، والجنون، والجنة.

4- المعنى الخاص بكل صيغة، فــــ: “كتب” للدلالة على الفعل الماضي والحدث للغائب، و”كاتب” للدلالة على الحدث وفاعله… إلخ[6]

ومما سبق يتضح مزية اللغة العربية التي هي من اللغات الاشتقاقية.

ونظرًا إلى ما جرى عليه الباحثون من تقديم المعنى اللغوي والربط بينه وبين المعنى الاصطلاحي للفظ المصطلح عليه؛ فسأذكر المعنى اللغوي للاشتقاق، ثم المعنى الاصطلاحي له – إن شاء الله تعالى -.

معنـى الاشتقاق في اللغة:

هو افتعال من الشق بمعنى الاقتطاع، من انشقت العصا، إذا تفرقت أجزاؤها، فإن معنى المادة الواحدة تتوزع على ألفاظ كثيرة مقتطعة منها، أو من شققت الثوب والخشبة، فيكون كل جزء منها مناسبا لصاحبه في المادة والصورة.[7]

جاء في المقاييس: الشين والقاف أصل واحد صحيح يدل على انصداع في الشيء، ثم يحمل عليه ويشتق منه على معنى الاستعارة.[8]

وفي اللسان: الشَّقُّ مصدر قولك شَقَقْت العُود شَقًّا، والشَّقُّ: الصَّدْع البائن، وقيل: غير البائن، وقيل: هو الصدع عامة…، وهذا شقيق هذا، إذا انشق بنصفين، فكل واحد منهما شقيق الآخر، أي: أخوه…، والشِّقَّة: الشَّظِيَّة، أو القطعة المشقوقة من لوح أو خشب أو غيره، واشتقاق الشيء: بنيانه من المرتجل، واشتقاق الحرف من الحرف أخذه منه.[9]

وفي القاموس: شَقَّه: صَدَعَه…، والاشتقاق أخذ شِقِّ الشيء، وأخذ الكلمة من الكلمة[10]

وفي المعجم الوسيط: شَقَّقَه مبالغة في شَقَّه. والكلام: وسَّعه وبيَّنه وَوَلَّد بعضه من بعض…، واشتق طريقه في الأمر: سلكه في قوة، والكلمة من غيرها: صاغها منها.[11]

ومن خلال هذه النقول، يتبين أن:

أ‌ مادة (شقق) تعبر عن الصدع، والانفصال.

ب‌ استعمال الفيروزآبادي للفظ (الاشتقاق) بوزن (الافتعال)، هو أقرب النقول للمعنى الاصطلاحي للاشتقاق.

ت‌ ما جاء في المعجم الوسيط فيه بيان – أيضًا – لمعنى الاشتقاق الاصطلاحي، فهو توليد بالفعل.

المعنـى الاصطلاحي للاشتقاق:

هو استحداث كلمة، أخذًا من كلمة أخرى؛ للتعبير بها عن معنى جديد يناسب المعنى الحرفي للكلمة المأخوذ منها، أو عن معنى قالبي جديد للمعنى الحرفي، مع التماثل بين الكلمتين في أحرفهما الأصلية وترتيبها فيهما.[12]

وقفة مع التعريف:

معنى استحداث، أي: إنشاء كلمة جديدة؛ لنعبر بها عن معنى جديد[13].

والمقصود بالمعنى الجديد: أن يكون هذا المعنى قد استحدث مجاراة للتقدم العلمي، أو الوضع الاجتماعي، أو السياسي، و غيرهما، ولم يكن موجودًا من قبل، أي لم تذكره معاجم اللغة، أو ذكرته وقد أتى عليه حين من الدهر لم يكن مذكورًا، ثم ذُكِر.

ومعنى: (يناسب المعنى الحرفي للكلمة المأخوذ منها) أي: لا بد من وجود علاقة بين المشتق والمشتق منه، وهو ما يُسَمَّى بــ (الربط الاشتقاقي)، ولا بد منه حتى تكون عملية الاشتقاق سائغة، أو يُسَمَّى بــ (الربط الكلي أو المحوري) وذلك هو النوع الثاني من الاشتقاق الدلالي، وذلك حين يوجد معنى عام ترجع كل فروع المادة إليه.

والمقصود بــ (معنى قالبي جديد)، أي: معنى الصيغة التي سُكَّت فيها الكلمة[14] من الفاعلية أو المفعولية أو التعدية أو الاتخاذ أو المطاوعة…إلخ.

القول بــ (التماثل.. إلخ) يوضح أن المقصود هو هذا النوع الذي يتحد فيه المشتق والمشتق منه في الحروف وترتيب هذه الحروف فيها.

وهو حد في التعريف، وهو الذي يصدق عليه أنه اشتقاق، أي أخذ كلمة من أخرى، ويخرج ما عدا هذا من المُبْدَلات والمقلوبات، فهي ليست أخذًا أو إنشاءً لكلمة من كلمة أخرى، وإنما هي تَوَلُّد كلمة من أخرى بالنطق لتلقائي، وهما سماعيان، والعرب ما كانت تتعمد القلب، أو الإبدال، والتقليب = (الاشتقاق الكبير) ليس أخذًا ولا توليدًا، والتصاقب (الاشتقاق الأكبر) كلمات متقاربه المعنى، لكنها من جذور مختلفة، وتَوَلُّد إحداها عن الأخرى مجرد ادعاء من أصحابه. والنحت (الاشتقاق الكُبَّار) أخذ، ولكنه أكثر من كلمة.[15]


[1] عوامل تنمية اللغة. د / توفيق محمد شاهين ( ص87).

[2] العربية خصائصها وسماتها لأستاذنا الدكتور / عبد الغفار هلال (ص145).

[3] فقه اللغة. د / نجا (ص56).

[4] بمعنى: زائر.

[5] بمعنى: مزور.

[6] محاضرات في فقه اللغة العربية. د. إبراهيم الدسوقي (ص152) وما بعدها. دار الثقافة العربية. بدون تاريخ.

[7] البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (2/311).

[8] المقاييس (شق) ( 3 /170).

[9] اللسان (شقق) (5/158) وما بعدها.

[10] القاموس المحيط (شقق) (ص898).

[11] المعجم الوسيط (شق) (2/489).

[12] علم الاشتقاق نظريًا وتطبيقيًا. أ. د /محمد حسن جبل (ص10). مكتبة الآداب. ط:1 – 1427هـ- 2006م.

[13] المرجع السابق (ص11).

[14] علم الاشتقاق (ص12).

[15] المرجع السابق (ص28).

 

ترك تعليق