أ.د. عبدالرحمن بودرع
(نائب رئيس المجمع)درر نحوية (3)
♦ في الربط والإحالة:
– ﴿فإنّ الله لا يُهْدَى مَن يُضِلُّ﴾ (النحل:37): جملة الخبر يتعيّنُ أن يُذكَر فيها اسم يعود على اسم إن لضمان الربط. أما الفعلُ المبنيُّ للمفعول فيُرادُ به نفي حصول الهداية مطلقاً إذا أضلّه الله، أي لا رادَّ لأمره
– ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِل﴾ (النحل:37): جملة الخبر يتعيّنُ أن يُذكَر فيها اسم يعود على اسم إن لضمان الربط. أما الفعلُ ففاعله لفظ الجلالة المذكورُ سابقاً، ويُرادُ به نفي حصول هداية الله إذا أضلّه الله ونفي حصول الهداية ممن سوى الله من بابِ أولى.
– إنّ الله لا يَهدِي مَن يَضِلُّ: هذه جملة صحيحة نحوا وتركيبا وإعرابا، ولكنّها غيرُ صحيحَةٍ مقاماً ومقاصدَ؛ لأنّ الضّالَّ من غيرِ إرادةٍ وقصدٍ قد يهتدي.
♦ يَنشأ النّصُّ من سياقه الذي وُضعَ فيه، وينشأ السياقُ من مَقاصد واضعِه، وينشأ النص من نُصوصٍ أخرى تُفسِّرُه:
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة:262)
1- إخبارٌ يتضمن أمراً، إخبار عن المُنفقينَ الذين لا يمُنُّونَ، بالحصول على الأجر العظيم. ولكنه أيضاً إخبار يُراد منه الأمرُ بترك، فهو إخبار عن غَيْبَة ويُراد به… عرض المزيد
2- “ثم” لتَرتيب الرتبَة والرِّفعَة لا للتراخي والمهلة الزمنية. وذلك رَفعاً لمنزلَة تَرك المنّ والأذى على مَنزلَة الصدقة؛ فقد يصدر العطاءُ عن حُبّ المَحْمَدَة وحظّ النفس، أمّا تَركُ المَنّ فلا حظ فيه لِنفس المُتصدِّق؛ فالمُهلة في “ثم” ليسَت زمانيةً حقيقية بل هي مَجازية؛ إذ شُبِّه حصولُ الشيء المهم في وقتِه بحُصول الشيء المتأخّر زمنه، فمَعْنى التراخي والمُهلَة غيرُ مراد، بل المراد حصول الأمْرَيْن مَعاً: الإنفاق وترك المنّ.
3- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ (البقرة:264) هذا النهيُ يُفسرُ حقيقَة الإخبار في عبارة ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى…﴾ خطابُ النهي هو المراد من الإخبار
♦ ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل/58]ُ
عَبَّرَ عن الإعلام بازدياد الأنثى بفعل “بُشِّرَ” للدّلالَة على أن ازديادَ الأنثى بِشارةٌ ونعمةٌ على الوالدَين لِما فيه من نعمة وخير وأُنس. وفي التعبير به ما يُفيد الكنايةَ والتَّعريضَ والتهكّمَ بهم لأنهم يَعُدّون البشارةَ مُصيبةً ويُحَرِّفون الحقائقَ عَن مَواضعها.
أجل، ما جعله الله بشارة يعدونه مصيبة، والله أعلم بما سيقولون قبل أن يقولوا، ففي التبشير تصريح بحقيقة ولادة الأنثى وكناية عن مخالفتهم ومعاملتهم بنقيض قصدهم الفاسد
الباء في “بالأنثى” لتعدية فعل البشارة، والمراد بُشِّرَ بولادة الأنثى، بحذف مضاف معلوم. وفعل “ظل” ناسخ فعلي يدل على لزوم حالةٍ، واستُعمِل “ظَلّ” بمعنى صار.
وفي التعبير عن كآبَة الوجه وغَبَرَتِه بالاسوداد بلاغَةُ مُبالَغَة.
♦ ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل/57]
«ولهم ما يشتهون» نصٌّ في أن التّنزيه تنزيه نسبة البنوّة لله، وليس بالضرورَة أنهم يجعلون لله خصوصَ البنات دونَ الذّكور، فنسبة الإناث فظيعٌ ونسبةُ الذّكورِ أفظعُ، بدليل قوله تعالى: ﴿ولهم ما يشتهونَ﴾، “ما” مُبهَمَة لا يَستحِق المرادُ بها أن يُذكَرَ أو يُظهَر، ففي ذِكْرِه وإظهارِه مُبالغةٌ في التّفظيع، وجملةُ «ولهم ما يشتهون» جملة في موضع الحال، أي يَجعلون لله البنات حالَة ادِّعاءِ الذّكورِ لَهم. و”لهم” متعلق بخبر مقدَّم وما مبتدأ مؤخَّر؛ وتقديم الخبر للعنايَة والاهتمام على طريقة التهكّم.
و”ما” مبهَمَة في الظَّاهر ولكنّ معناها الذُّكور، بدليل قرينة المُقابَلَة بالبنات.
2 Comment