أ.د. عبدالرحمن بودرع
(نائب رئيس المجمع)

درر نحوية (1)

﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ

فائدَتان:

1- لاحظْ علاقةَ “بنية التمييز” بأصلها المُقَدَّر، في قوله تعالى:

“وفجَّرْنا الأرضَ عُيوناً” / وفَجَّرْنا عُيونَ الأرضِ

وعكسه في قوله تعالى:

﴿أحببتُ حُبَّ الخيرِ / أحببتُ الخيرَ حُبّاً

حيثُ صار التمييزُ مفعولاً على وجه المُبالغَة، وعُدِّيَ فعلُ الحُبِّ بعَن للدّلالةِ عَلى مُجاوزة الحَدِّ في الحُبِّ.


إقرأ أيضا: درر نحوية (2)


2- “حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ”: الضميرُ يَعودُ على غير مَذكورٍ سابقٍ (Exophora)، والمُرادُ “الشمس” ولكنَّ القرينةَ المُساعدَةَ هي لفظُ “العَشيّ” في قوله تعالى: “إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ” فالعَشيُّ مَهْوَى الشمسِ ومآلُها إلى المَغيب.

نعتُ الجهات دونَ الواقع في الجهات:

“وواعدْناكم جانبَ الطورِ الأيمَنَ” [طه:80]

بنصب الأيمن نَعْتا للجانبِ؛ لأنّ جبَلَ الطورِ له جانبان، ولا يُجرُّ نَعتاً للجَبَل لأنه الطورَ واحدٌ لا اثنان، وهذا يؤيّده واقعُ الحال وعلمُ المُخاطَب.

و آيَة “طه” تفسرُ آية “مريمَ: ﴿ونَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ؛ فالنعتُ واحدٌ والمنعوتُ أحَدُ اثنَيْن إما الجبل وإما الجانب، وترجَّح أن يَكونالجانبُ نَعتاً بالنظر إلى آية “طَه”

ومثله: ﴿فلمّا أتاها نودِيَ مِن شاطئ الوادِ الأيمَنِ وُصِفَ الشاطىءُ بالأيمن حَملاً له على أنه في مُقابل الأيسر.

أيها الباحثُ الكَريمُ:

قُلْ أكَلِّمُه ولا تقلْ أتكلَّمُ مَعَه، فإنّك إن تَفْعَلْ تكنْ مترجماً لغةَ غيرك ترجمةً حرفيّةً دخيلةً. قُلْ أبادُله ولا تَقلْ أتبادلُ مَعَه. وقلْ ألاعبُه ولا تَقلْ ألعبُ مَعَه. وقلْ أعاملُه ولا تَقلْ أتعامَلُ مَعَه.

فإنّكَ إن تلتزمْ بمقياس لُغَتك الفَصيحَة تَكنْ فَصيحاً مُوجِزاً مُختصِراً، وتكنْ من المُسهمين في إحياءِ ما اغتيلَ منها.


إقرأ أيضا: درر نحوية (3)


العَطفُ على مَحذوف؛ وإنما حُذِف لعلم المخاطَب، ولولا التقدير لَما استقامَ المَعْنى في الذّهن؛ نحو قوله تعالى:

﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [طه:69-70]

لاحظْ أنّ الفعلَ أَلْقِ” رأسُ التركيب، أمّا “تلقَّفْ” فهو تابعٌ لَه واردٌ في سياقه لأنّه جوابُ أمرٍ، وأمّا “صَنَعوا” فهو صلة الموصول “ما”، أما الفعل “صَنَعوا” الثاني فهو من جملة استئنافية لفظاً ولكنه تابع لسابقِه “صَنَعوا” معنىً. وأمّا الفعلُ “يُفلحُ” المَنفيُّ فهو من جملةٍ هي مِن تَمام الجملة التي قَبلها، لأنها في موضع حال.

أمّا جملة “فألقِيَ السحرَةُ” فهي مَعطوفةٌ على محذوف؛ والتقدير: فألْقَى عَصاهُ فَتَلَقَّفَت ما صَنَعوا…

ومثلُه قَولُه تعالى: ﴿وأوْحَيْنا إليه أنِ اضْربْ بِعَصاكَ البَحرَ فانفلَقَ [الشعراء: 63] والتقدير: فَضَرَبَ فانفلَقَ.

ومثلُه: ﴿فَقُلنا اضربوه ببَعضِها، كذلك يُحيي الله الموتى [البقَرة: ]، ففيه إشارة إلى محذوف للإيجاز، والتقديرُ: ﴿فضَرَبوه فَحَيِيَ فَأخْبَر بِمَنْ قَتَلَه، أي: كذلكَ الإحياءُ يُحْيي الله الموتى.

وإنَّما استُغْنيَ بالمذكور عن المحذوف لأن فيه إحالةً عليه ولعلم المخاطَب به.

اضغط على ايقونة رابط قناتنا على التليجرام