مشكلة الضعف اللغوي
 
تَكْثُر – منذ فترة ليست بالقليلة – الشكوى من ضَعْف مستوى اللُّغة العربية الفُصحَى، ويُبْدِي الغَيُورون على اللغة قَلَقًا على حاضرها المُتمثِّل في استخدامها والإبداع بها، وعلى ماضيها المتمثل في تُراث أمتها.
ونستطيع القول بأنَّ لدينا أزمةً في لُغتنا عندما نجد اللغة تتعثَّر بها أقلام الكتابة، وألْسِنة المتعلمين والمعَلِّمِين جميعًا، وعندما لا نستطيع أن نقرأ تُراثَها قراءةَ تَبَصُّر وفَهْمٍ، ولا نَقدر على تَمَثُّلِهِ واستيعابه والإفادةِ منه، وعندما يَضْعُف خيال الناطِقِينَ بها؛ فلا يُجِيدون في فَنِّها، وتَخْتَنِقُ اللغةُ في أيديهم وعلى شِفاهِهِم، وتبدو اللغةُ كما لو كانتْ عاجزةً عنِ الوفاء بمطالب الحياة والفَنِّ معًا، وعندما يَهْرُب كثيرٌ من أبنائها إلى لُغات أخرى، يَلُوكُونَها ويَجِدُون فيها بديلاً عنِ اللغة الأمِّ التي يَفْخَرون بعدم إجادتها، ويعتزُّون في الوقت نفسه بإجادتهم لغيرها!
وقد تتعدد أسباب المُشكلة وتتنوَّع:
فنجد منا مَنْ يُلْقِي تَبِعَةَ ذلك كلِّه على الاستعمار، ودعوته الدائبةِ الخبيثةِ لإماتَةِ هذه اللغة.
وقد نَجِد فينا من يَرْجِعُ السببَ في ذلك إلى هَوان اللغة على أصحابها، وعدم رعايتهم لها، وعنايتهم بها، وفِقْدَانِ جِدِّيَّتِهِم في العمل على إحيائها.
وبَيْنَنا مَنْ يَتَّهِم وسائلَ الإعلام والترفِيهِ، التي دَأَبَتْ على تصوير القائم بتدريس العربية في صورة مُزْرِيةٍ؛ بقصد الإضحاك، تُنفِّرُ الناس منه، وتَحْمِلُ النَّشْء على الهروب من ملاقاة مثل مصيره!
وفينا مَن يعزو ذلك إلى تكدُّس التلاميذِ في فصول المدارس، ومدرَّجات الجامعات، وعَدَمِ وُجُودِ البيئة المُلائمة، والمُناخ المناسب، ويجعل من ذلك سببًا لضعف اللغة العربية.
وقد يكون فينا من يجعل من تبدُّل القِيَمِ في عصرنا ومجتمَعِنا وتغيُّرِ الاهتمام دوافعَ لإهمال اللغة العربية؛ بدعوى عدم استعدادها لمُسايرة العصر وتوفير المستوى الملائم لمن ينهض لها، ويهتم بأمرها.
وقد يذهب بعض الباحثين إلى أن اتساع الهُوَّة بين مستوى العاميَّة الذي يتخاطب به الناس في حياتهم، وشؤون معيشتهم، والمستوى الفصيح الذي يُطْلَبُ منهم، ويُرادون عليه في التعلُّم، وبُعد الفَجْوَة في ذلك، وهو ما يُعْرَف بالازدواجِ اللُّغَوِيِّ، هو ما يمكن أن يكون سببَ هذا الداء، لأن هذا الازدواجَ اللغويَّ يُؤدِّي إلى النُّفْرَة في المستوى اللغوي الذي لا يُسْتخدم في أمور الحياة، ويَدْفَع إلى الإحساس عند كثيرينَ بعدم إلحاح الحاجة إليه، مما يؤثِّر بدَوْره على تعلم العربية وإجادتها في مراحل التعليم المختلفة.
قد تكون هذه هي الأسبابَ، وقد يكون بعضُها، وقد تكون هي وغيرُها مِمَّا لم يُذكر معًا، وقد يكون غيرها دونها، وقد نختلف في أسباب هذه المشكلة أو نتَّفق…
ولكنَّ الأمر الذي أظنُّ أنَّنا لن نختلف فيه كثيرًا هو أنَّ هناك مشكلةً حقيقيةً، وأَزْمَةً ضاغِطةً نُعاني منها، ونُحِسُّ بها في جميع المظاهر اللُّغَوِيَّة، وتَزْدَادُ يومًا بعد يوم.

ترك تعليق