التوابع
هي خمسة: النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل، وبعضهم عدها أربعة بجعل العطف شاملًا للبيان والنسق.
1- النَّعت[1]:
«هو تابع مشتقٌ (أو مؤوَّلٌ بالمشتق) يكمِّل متبوعَه ببيان صفة من صفاته أو صفةٍ من صفات شيء مرتبط بمتبوعه».
أما كونه مشتقًّا أو مؤولًا به، فلا بد من ذلك، أما غيره من التوابع فقـد يكون مشتقًّا وقد لا يكون، والمشتق ما دل على حدثٍ وصاحبِه، كاسمي الفاعل والمفعول وغيرهما؛ تقول: جاءني رجلٌ عالمٌ أو محترمٌ أو ظريفٌ، فعالم اسم فاعل، ومحترم اسم مفعول، وظريف صفة مشبهة، أما المؤول بالمشتق، فهو كاسم الإشارة، وذي بمعنى صاحب، والمنسوب، تقول: جاءني زيد هذا؛ أي الحاضر أو المشار إليه، وحضر رجل ذو علم؛ أي صاحب علم، وحضر رجلٌ مصري؛ أي: منسوب إلى مصر، ومنه بعض المصادر؛ مثل: قام رجل عدل أي عادل.
والنعتُ يُبيِّن صفة من صفات متبوعِهِ؛ مثل: جاء الرجل الكريم (وهو النعت الحقيقي)، أو يبيِّن صفة من صفات شيء مرتبط بمتبوعه؛ مثل: جاء الرجلُ الكريمُ صاحبُه، فالكريم صفة لرجل من حيث الإعراب، ولكنها من حيث المعنى صفةٌ لصاحب الرجل: (وهو النعت السببي).
فائدة النعت:
من فوائد النعت:
(1) تخصيص المنعوت إذا كان نكرة، فقولك: جاءني رجل يشمل كلَّ رجل، وبقولك: جاءني رجلٌ تاجرٌ صار خاصًا بالتاجر من الرجال.
(2) توضيح المنعوت إذا كان معرفة، فقولك: جاءني زيد، وإن كان معرفة لكنه يشمل كلَّ مَن اسمُه زيدٌ، وبقولك: جاءني زيدٌ الشجاعُ، قد أوضحت أنَّ الذي جاءكَ لا يشمل إلا من كان شجاعًا ممن اسمُه زيدٌ، لذلك قالوا: التخصيص يُقَلِّلُ الاشتراكَ في النكرات، والتوضيح في المعارف.
(3) مدح المنعوت مثل: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2].
(4) ذم المنعوت مثل: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم.
(5) توكيد المنعوت مثل: نظرتُ إلى زيدٍ نظرةً واحدةً، فإن نظرة اسم مرة وتدل على أنها واحدة، فَوصْفُها بواحدة أكدَّ ذلك، ومنه قولهم: مضى أمسِ الدابِرُ، فأمسِ فاعل مضى وهو مبني على الكسر في محـل رفـع، والدابر صفته مرفوع بالضمة، فكلمة أمسِ تَدلُّ على أنَّـه قد دَبَرَ. وَوَصْفُهُ بالدابر أَكَّدَ ذلك.
(6) الترحُّم على المنعوت مثل: اللهُمَّ ارحَمْ عبدَكَ المسكينَ.
أحكام النعت:
النعت إمَّا حقيقي وهو ما كان رافعًا لضمير المنعوت؛ مثل: جاء الرجلُ العالمُ، فالعالمُ اسم فاعل، فاعله ضمير مستتر يعود إلى الرجل، وإمَّا سببي وهو ما كان رافعًا لاسم ظاهر؛ مثل: جاء الرجلُ العالمُ أبوه، فالعالم اسم فاعل فاعله أبوه؛ أي: إنَّ العالم في الجملة الأولى هو نفس الرجل وفي الثانية أبوه.
والنعت سواء كان حقيقيًّا أم سببيًّا، لا بدَّ أن يتبع منعوته في واحد من أوجه الإعراب[2]، (الرفع والنصب والجر)، وفي واحد من التعريف والتنكير، فهذان اثنان من خمسة، فإن كان حقيقيًّا تبعه أيضًا في واحد من الإفراد والتثنية والجمع، وفي واحد من التذكير والتأنيث، فهذان اثنان من خمسة كذلك، لهذا قالوا: إنَّ النعت الحقيقي يتبع منعوته في أربعة من عشرة.
أمَّا النعت السببي، فإنه يتبع منعوته في اثنين من خمسة كما ذكرنا قبل هذا، أمَّا التذكير والتأنيث فإنه يَتبع مرفوعه، تقول: سافرَ الرجلُ البائسُ أبوهُ، وسافرَ الرجلُ البائسةُ أمُّهُ، وأمَّا في الإفراد والتثنية والجمع، فإنه يبقى مفردًا، تقول: جاء الرجلُ القائمُ أبوه، والرجلان القائمُ أبواهما، والرجال القائمُ آباؤهم، نعم إذا كان المنعوت جمعًا جاز في النعت إفراده، وجاز جمعه جمع تكسير، فكما تقول: جاء الرجالُ القائمُ آباؤهم، يجوز أن تقول: جاء الرجال القيام آباؤهم.
قطْعُ النعت:
إذا كان المنعوت معلومًا بدون النعت، جاز في النعت إتباعُ المنعوت رفعًا ونصبًا وجرًّا، وجاز قطعه عنه، إمَّا برفعه على أنَّه خبر لمبتدأ محذوف، وإمَّا بنصبه على أنَّه مفعولٌ به لفعلٍ محذوف يناسب المقام مثل أمدحُ أو أذمُ أو أرحمُ.
مثال ذلك في المدح: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، بجر لفظ ربِّ على الإتباع للفظ الجلالة، وبرفعه بتقدير: هو ربُّ العالمين، ونصبه بتقدير: أمدحُ ربَّ العالمين.
ومثال ذلك في الذم قولك: مررتُ بزيدٍ اللئيم، بجر اللئيم على الإتباع، ورفعه بتقدير: هو اللئيمُ، ونصبهِ بتقدير: أذُمُّ اللئيمَ، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾ [المسد: 4]، قُرِئَ بالرفع على الإتباع، وبالنصب على تقدير: أذمُّ حمالةَ الحطبِ.
2- التوكيد[3]:
لم يعرِّفه صاحب القطر لا في المتن ولا في الشرح، وعرَّفه بعض النحاة بأنَّه: «تابع يُقصَد به أنَّ المتبوع على ظاهره»، وعرَّفه بعضهم بأنَّه: «التابع الرافعُ لاحتمال السهو والغَلَط»، والذي أراه أنَّ التعريفين صحيحان، لكن الأول تعريف للتوكيد المعنوي، والثاني للتوكيد اللفظي. فقولك: عادَ المسافرون، ظاهره أنهم عادوا كلهم، ويحتمل أن يكون العائدون أكثرَهم، فإذا قلتَ: عاد المسافرون كلهم زالَ الاحتمال المذكور، هذا في التوكيد المعنوي، وإذا قلت: جاء زيد يحتمل أنَّك سهوتَ وأن الذي جاءَ هو خالد مثلًا، فإذا قلتَ: جاءَ زيدٌ زيدٌ ارتفع ذاك الاحتمال، وهذا في التوكيد اللفظي كما هو ظاهر.
التوكيد اللفظي:
هو إعادة اللفظ الأول بعينه أو بمرادفه، فالأول؛ كقولك: أنتَ بالخير حقيقٌ حقيقٌ، والثاني كقولك: أنتَ بالخيرِ حقيقٌ جديرٌ، وكقولكَ: نَعَمْ جَيرِ، فنعم وجير معناهما واحد.
واللفظي يكون بإعادة الاسم؛ كقولك: جاء زيد زيد، والفعل كقولك: أتى أتى أخوك. والحرف كقولك: نعم نعم، ولا لا، والجملة كقولك: جاء زيد جاء زيد، وكثيرًا ما تقترن الجملة المؤكدة بحرف عطف؛ كما في قوله تعالى: ﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ [القيامة: 34، 35]، وقوله: ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [التكاثر: 3، 4].
وليس من التوكيد ما في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 21، 22]، بل الكلمة المكررة حال والمعنى: دكًّا بعد دك، وصفًا بعد صف؛ أي: مدكوكة دكًّا بعد دك، ومصفوفين صفًا بعـد صف.
التوكيد المعنوي:
ويكون بألفاظ خاصة، منها:
(النفس والعين) بشرط اتصالهما بضمير المتبوع؛ تقول: حضر زيدٌ نفسُهُ أو عينُهُ، وحضرت هندٌ نَفسُها أو عينُها، ويجوز أن يجتمعا بشرط تقديم النفس على العين؛ تقول: جاء زيد نفسُه عينُه، وحضرت هندٌ نفسُها عينُها، وإذا أكَّدتَ المثنى أو الجمع بالنفس أو العين، وجب الإتيان بالجمع (أنفس أو أعين)، فتقول: حضر الرجلان أنفسهما أو أعينهما، وحضرت المرأتان أنفسهما أو أعينهما، كما تقول: حضر الرجال أنفسهم أو أعينهم، والنساء أنفسُهن أو أعينُهن.
(كل) لغير المفرد والمثنى، وبشرط أن يكون المتبوع متجزِّئًا، وأن يتصل بكل ضميرُ المتبوعِ. تقول: اشتريتُ الأثاثَ كُلَّه.
(كلا وكلتا) الأُولى للمثنى المذكر، والثانية للمثنى المؤنث، بشرط أن يتصل بكل منهما ضميرُ المتبوع، ويشترط فيهما أيضًا أن يصحَّ حلول الواحد محل الاثنين، وأن يكون ما أُسنِدَ إليهما غير مختلف المعنى، لذلك لا يصح أن تقول: اختصم الزيدان كلاهما؛ لأن اختصم لا تَقع إلا بين اثنين فأكثر، ولا يصح أن تقول: مات زيدٌ وعاش خالد كلاهما، لاختلاف المسندين، أي مات وعاش.
وقد سبق في بحث المثنى إعراب كلا وكلتا إذا أضيفتا إلى الضمير.
(جميع) وهو مثل كل: تقول: عاد الجيشُ جميعه، ورحلت القبيلة جميعها.
(عامّة) وهي مثل كل وجميع؛ تقول: عاد الجيشُ عامَّتُهُ، ورحلت القبيلة عامتُها.
(أجمع وجمعاء) وأكدوا بهما بعد كل، تقول: عاد الجيش كلُّه أجمع، أو كلُّهم أجـمعون، ورحلت القبيلة كلُّها جمعاءُ؛ قال تعالى: ﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [الحجر: 30]، ويجوز التوكيد بهما بدون كل، وفي القـرآن الكريـم على لـسان إبليـس: ﴿ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 39]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 43].
ومنع كثير من النحاة توكيد النكرات، فلا يقال: جاء رجلٌ نفسُه، وجعلوا من الشاذ قول الشاعر:
………………………….. *** يا ليتَ عدة حولٍ كلِّه رجبُ [4]
لكن بعضهم أجاز توكيد ما كان منها محدودًا كقولك: اعتكفتُ شهرًا كُلَّهُ، ومثله قول الشاعر المذكور لأن الحـول محـدود.
3- عطف البيان:
العطف ضَربان: عطفُ نسقٍ وسيأتي، وعطف بيان وهو المقصود هنا.
عرَّفهُ بعضهم بأنه: «تابعٌ موضحٌ أو مخصِّصٌ جامد غير مؤول»، وعرَّفه بعضهم بأنه: «تابعٌ يُشْبِهُ الصفةَ، لكنه جامد غير مؤول».
مثال عطف البيان الموضَّح قولُك: جاءَ أبو عبدِالله صالحٌ، فصالح عطف بيان لفاعل جاء، ومثاله للتخصيص قولك: هذا خاتمٌ حديدٌ، برفع حديد[5] على أنه عطف بيان لخاتم.
ويجوز أن يكون عطف البيان ومتبوعه نكرتين على الأصح؛ قال تعالى: ﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ [النور: 35]، فزيتونة اسم جامد وهو عطف بيان لشجرة، وقال تعالى: ﴿ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 16]، فصديد عطف بيان لماء.
وبما أنَّ عطف البيان يُشْبِهُ النعتَ لَزِمَ أن يوافق متبوعَه في إعرابه وتعريفه وتنكيره وتذكيره وتأنيثه، وإفراده وتثنيته وجمعه، كما تقدَّم في النعت الحقيقي وهو المتبادر عند الإطلاق.
وكل ما جاز أن يكون عطفَ بيانٍ جاز أن يكون بدلًا، فقولك: شاهدتُ عبدالله زيدًا، يجوز أن تُعرِب زيدًا عطف بيان لمفعول شاهد، كما يجوز أن تُعرِبه بدلًا منه، ولم يَستثنوا من هذه القاعدة إلا مسألتين:
الأولى: أن يكون التابع مفردًا معربًا والمتبوع منادى، مثل: يا أبا عبدالله محمودًا، فهذا عطف بيان للمنادى، ولا يجوز أن يُعرب بدلًا؛ لأن البدل على نية تكرار العامل، ولأن محمودًا لو كان منادى لوجب بناؤه على الضم. تقول على البدلية: يا أبا عبدالله محمودُ.
الثانية: أن يكون التابع غيرَ مقترنٍ بأل، ويكون المعطوف عليه مقترنًا بها وهو مجـرور بإضافة مشتق مقترن بأل؛ كما في قول الشاعر:
أنا ابنُ التاركِ البَكريِّ بشرٍ *** ……………………….. [6]
فأنا مبتدأ، وابن خبر، وهو مضاف إلى التارك، والتارك مضاف إلى البكري، ومثل هذا جائز كما سبق في بحث الإضافة اللفظية من جـواز إضافـة المشتق المقترن بأل إلى معموله المقترن بها[7]، ولفظ بشر غير مقترن بأل فهو عطف بيان للبكري، ولو كان بدلًا منه لصحَّ أن يقال: أنا ابنُ التاركِ بشرٍ، وهذا غير جائز؛ لأن فيه إضافة المقترن بأل إلى الخالي منها.
4- عطف النَسَق:
«هو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحدُ حروف العطف»، وهي تسعة: (الواو والفاء وثم وحتى وأو وأم ولا ولكنْ وبل).
وهي على قسمين: قسم يُشرك المعطوفَ مع المعطوف عليه في الإعراب والحكم، ويشمل الستةَ الأولى. وقسم يشرك المعطوفَ مع المعطوف عليه في الإعراب دون الحكم، ويشمل الثلاثة الأخيرة؛ تقول: جاء زيد وخالد، ففي هذه الجملة خالد تابع لزيد في الإعراب ومشترك معه في المجيء، وكذا لو استعملت أحد الخمسة التي بعد الواو[8].
وتقول: جاء زيد لا خالد، ففي هذه الجملة خالد تابع لزيد في الإعراب، لكنه مخالف له في الحكم؛ أي في إثبات المجيء لزيد ونفيه عن خالد، وتقول: ما جاءَ زيد بل خالد أو لكن خالد، فخالد تابعٌ لزيد في الإعراب مخالف له في الحكم؛ أي: نفي المجيء عن زيد وإثباتِهِ لخالد.
1- (الواو) لمطلق الجمع فلا تُفيد ترتيبًا ولا تعقيبًا، فإذا قلتَ: جاء زيد وخالد، أفاد أنهما اشتركا في المجيء، وهذا يحتمل أنهما جاءا معًا كما يحتمل أن يكون زيد جاء قبل خالد أو بعده مباشرةً أو بعده بمدة، فيعطف بالواو للمصاحبة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ﴾ [العنكبوت: 15]، ويعطــف اللاحـــق على السـابـق كــما في قــوله تـعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحديد: 26]، ويعطف السابق على اللاحق، كما في قوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [الشورى: 3]، واستدلَّ القائلون بأنَّ الواو لا تفيد الترتيب بقوله تعالى على لسانِ مُنكري البعثِ: ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [الجاثية: 24]، ولو كانت للترتيب لكان اعترافًا منهم بالبعث بعد الموت، وهم ينكرونه.
2- (الفاء) للترتيب والتعقيب، فمعنى قولك: جاء زيد فخالد، أنَّ مجيء خالد حصلَ بعد مجيء زيد مباشرةً.
والتعقيب في كل شيء بحسبه، فلك أن تقول: دخلت البصرة فبغداد، إذا لم يكن بين دخولك البصرة ودخولك بغداد إلا المدة الكافية لقطع المسافة بينهما، فلو أقمت في البصرة أو بين البصرة وبغداد، لم يصح استعمال الفاء.
والفاء تفيد التسبُّبَ، أي تسبُّبَ ما بعدها عما قبلها، ويغلب ذلك في عطف الجُمل؛ مثل: سها فسجد، وعثرَ فوقع. ومنه قوله تعالى: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 37]، وقوله تعالى: ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ [القصص: 15].
ولدلالة الفاء على التسبُّب ربطوا بها جوابَ الشرط، تقول: مَن زارك فأَكرِمْهُ، ومواضع ربط جواب الشرط بالفاء تقدَّمت في جوازم المضارع.
وقد تخلو الفاء العاطفة للجمل عن معنى التسبب؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الأعلى: 2 – 5].
3- (ثم) للجمع مع الترتيب والتراخي في الزمان، فمعنى قولك: جاء زيد ثم خالد: أنَّ مجيء خالدٍ حصل بعد مضي مدة على مجيء زيد؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ [الحج: 5]، وتأتي لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقوع؛ تقول: بلغني ما صَنَعْتَ اليوم ثم مـا صَـنَعتَ أمسِ أعجـبُ، وعلى هذا خـرَّج بـعـض المفسـرين قوله تعالى: ﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [الزمر: 6]، وأمَّا قولُه تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ﴾ [الأعراف: 11]، فقيل: إنها على حذف مضاف، أي خلقنا أباكم طينًا غيرَ مصوَّرٍ، ثم صورناه ثم قلنا للملائكة.
4- (حتى) للجمع مع الغاية والتدريج، والغاية آخر الشيء، والتدريج يعني أن ما قبلها ينقضي شيئًا فشيئًا حتى يبلغ غايته، لذلك وجب أن يكون المعطوف بها بعضًا من المعطوف عليه أو كالبعض منه؛ تقول: قرأت الكتابَ حتى آخرَ صحيفةٍ منه، وقال الشاعر:
………………………….. *** والزادَ حتَّى نعلَه ألقاها [9]
أي ألقى ما يُثقِلُهُ حتى نعلَه.
و(حتَّى) لا تفيد الترتيب، فلك أن تقول: حفـظتُ القرآن حتى ســورةَ البـقـرةِ.
5- (أو) لأحد الشيئين أو الأشياء؛ تقول: سافرَ خالد أو زيد، وتقول: ذلك القادم خالد أو زيد أو صالح.
وهي بعد الطلب إمَّا للتخيير أو للإباحة، وفي التخيير لا يجوز الجمع بين ما قبلها وما بعدها، وفي الإباحة يجوز ذلك؛ مثال التخيير: تزوَّج هندًا أو أختها، ومثال الإباحة: تعلَّم الفقه أو النحو، وواضح أن الجمع بين الأختين لا يجوز بخلاف الجمع بين تعلُّم الفقه والنحو.
وهي بعد الخبر إمَّا للشك من المتكلم، أو التشكيك للسامع، فإذا قلتَ: سافرَ خالدٌ أو زيدٌ، فهي للشك إن كنت لا تعلم المسافرَ منهما بعينه، وهي للتشكيك إن كنتَ تعلم المسافر منهما، لكنك أردتَ الإيهامَ على السامع.
و(أو) تُفيدُ التقسيمَ أيضًا، كما في قولك: الكلمة اسم أو فعلٌ أو حرف.
6- (أم) لطلب التعيين إذا وَقَعَتْ بعد همزةٍ داخلة على أحد المتساويَين في ظن المتكلم. تقول لشخصٍ: أزيدٌ عندكَ أم خالدٌ؟ إذا كنتَ واثقًا من أن أحدهما عنده، ولكنك لا تعلمه بِعَينه، ولهذا يكون الجواب بالتعيين، ولا يصح بلا أو نَعَم.
و(أم) هذه تسمَّى (معادِلة)؛ لأنها عادلت الهمزة في الاستفهام بها، فإنك أدخلتَ الهمزة على أحد المتساويين في ظنك، وأدخلت (أم) على الآخر، وتسمى أيضًا (متصلة)؛ لأن ما قبلَها لا يُغني عما بعدها.
7- (لا) وهي لرد السامع عن الخطأ في الحكم، وتقع بعد إيجاب؛ تقول: جاءني زيدٌ لا خالدٌ، رَدًّا على من اعتقد أن الذي جاءك هو خالد، أو اعتقد أن الاثنين جاءا.
8، 9- (لكن وبل) وهما يُفيدان ما تُفيده (لا) من رد السامع عن الخطأ في الحكم، إلا أن (لكن وبل) يقعان بعد نفي، تقول: ما جاءني زيدٌ لكن خالدٌ، أو بل خالدٌ، وهما – وإن كانا مثلَ (لا) في رد السامع عن الخطأ – إلا أنَّ (لا) تفيد إثباتَ ما قبلَها ونفيَ ما بعدَها، أمَّـا (لكن وبل)، فيفيدان نفيَ ما قَبلهما وإثباتَ ما بعدَهما.
وتقع (بل) بعد إيجاب فَتُفيد الإضرابَ، أي صَرفَ النظرِ عما قبلَها وإثباتَ ما بعدَها؛ مثل: جاءني زيدٌ بل خالدٌ.
5- البَدَل:
«هو تابع مقصود بالحكم بلا واسطةٍ»، فخرج عطف النسق؛ لأنَّـه بواسطة حرف العطف، وخرجت بقية التوابع؛ لأنها غير مقصودة بالحكم، بل مُتَمّمات له، والبدل ستة[10]، أقسام وهي:
موضوعات ذات صلة:
-
تعريف المقاربة والرجاء والشروع وأمثلتها
- أفعال المقاربة والرجاء والشروع
- كاد وأخواتها
- المفعول فيه
- التمني (تعريفه وأدواته)
1- بدلُ كلٍّ من كلٍّ: «وهو ما كان التابعُ فيه عينَ المتبوع»، مثل: جاءني أخوك زيدٌ، وسافر اليومَ أبو عبدالله خالدٌ [11].
2- بدل بعضٍ من كل: «وهو ما كان التابع بعضًا من المتبوع»، ولا بدَّ من اتصاله بضمير المتبوع تحقيقًا؛ مثل: أكلت الرغيفَ نصفَه، أو تقديرًا؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]؛ أي: من استطاع منهم، (مَن) بدل من الناس بدل بعض من كل[12].
3- بدل اشتمال: «وهو ما تكون بينه وبين المتبوع ملابسةٌ، أي تعلقٌ بغير الكلية والجزئية»؛ تقول: أعجبني زيدٌ عِلمُه، ومنه قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ﴾ [البقرة: 217]، فقتال بدل اشتمال من الشهر الحرام، لوقوعه فيه.
4، 5، 6- بدل الإضراب والغَلَط والنسيان:
و(الأول) أن يقصد المتكلمُ المبدَلَ منه ثم يبدو له أن يقصد البدل.
و(الثاني) أن يقصد البدلَ ولكن يسبق لسانه إلى المبدل منه.
و(الثالث) أن يقصد المبدل منه، ثم يتبيَّن له فساده فيذكر البدل، وينطبق عليها قول القائل: تصدقتُ بدرهمٍ دينارٍ.
المصدر كتاب: توضيح قطر الندى
تأليف: الشيخ عبدالكريم الدبان التكريتي، بعناية: الدكتور عبدالحكيم الأنيس