كتبه: أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي
المحقق: د. فخر الدين قباوة

وُجُوه النصب – 5-

(الترحم – الاختصاص – من خلاف الْمُضَاف)

‌‌وَالنّصب بالترحم:

قَوْلهم مَرَرْت بِهِ الْمِسْكِين نصبت الْمِسْكِين على أَنَّك رَحمته وَقَالَ مهلهل

(وَلَقَد خبطن بيُوت يشْكر خبطة … أخوالنا وهم بَنو الْأَعْمَام)

نصب أخوالنا على الترحم

قَالَ طرفَة بن العَبْد

(قسمت الدَّهْر فِي زمن رخي … كَذَاك الحكم يقْصد أَو يجور)

(لنا يَوْم وللكروان يَوْم … تطير البائسات وَلَا نطير)

نصب البائسات على الترحم وَقَالَ آخر

(وتأوي إِلَى نسْوَة بائسات … وشعثا مراضيع مثل السعالي)

نصب شعثا ومراضيع على الترحم وَقَالَ آخر

(فَأَصْبَحت بقرقرى كوانسا فَلَا تلمه أَن ينَام البائسا نصب البائس على الترحم

وَالنّصب بالاختصاص

قَوْلهم إِنَّا بني عبد الله نَفْعل كَذَا وَكَذَا نصب بني لِأَنَّهُ اخْتِصَاص اخْتصَّ الْفِعْل وَلم يخبر أَنهم بنوا عبد الله كَأَنَّهُ قَالَ إِنَّا أَعنِي بني عبد الله قَالَ مهلهل

(إِنَّا بني تغلب قوم معاقلنا … بيض السيوف إِذا مَا أفزع الْبَلَد)

نصب بني على الِاخْتِصَاص

قَالَ الشَّاعِر

(إِنَّا بني منقر قوم لنا شرف … فِينَا سراة بني سعد وناديها)

وَقَالَ رؤبة

بِنَا تميما يكْشف الضباب

نصب تميما على الِاخْتِصَاص أَلا ترى أَنه أخبر عَن الْفِعْل وَقَالَ آخر

(ألم تَرَ أَنا بني دارم … زُرَارَة فِينَا أَبُو معبد)

نصب بني على الِاخْتِصَاص

وَأما قَول الآخر

(نَحن بَنو خويلد صراحا … )

فَإِنَّهُ رفع بني لِأَنَّهُ أخبر أَنهم بَنو خويلد وَنصب صراحا على الْقطع وينشد بَيت للبيد بن ربيعَة

(نَحن بني أم الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة … وَنحن خير عَامر بن صعصعة)

ينصب هَذَا الْبَيْت وَيرْفَع وَكَذَلِكَ قَالَ آخر

(نَحن بَنو ضبة أَصْحَاب الْجمل … )

وَبني ضبة ايضا على مَا بيّنت لَك

‌‌وَالنّصب بِالصرْفِ

قَوْلهم لَا أركب وتمشي وَلَا أشْبع وتجوع فَلَا أسقط الْكِنَايَة وَهِي أَنْت نصب لِأَن مَعْنَاهُ لَا أركب وَأَنت تمشي وَلَا أشْبع وَأَنت تجوع فَلَمَّا أسقط الْكِنَايَة وَهِي أَنْت نصب لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَن جِهَته

قَالَ الله عز وَجل ﴿ فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم ﴾ وَكَذَلِكَ فِي الْبَقَرَة ﴿ وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ ﴾ مَعْنَاهُ وَالله أعلم وَأَنْتُم تكتمون الْحق وَأَنْتُم تدعون إِلَى السّلم فَلَمَّا أسقط أَنْتُم نصب وَقَالَ بَعضهم موضعهَا جزم على معنى وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وَلَا تكتموا الْحق وَقَالَ المتَوَكل الْكِنَانِي

(لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله … عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم)

نصب تَأتي على فقدان أَنْت

وَمن الصّرْف أَيْضا قَول الله عز وَجل ﴿ بلَى قَادِرين ﴾ مَعْنَاهُ بلَى نقدر فصرف من الرّفْع إِلَى النصب وَقَالَ بَعضهم على معنى بلَى كُنَّا قَادِرين

قَالَ الشَّاعِر

(ألم ترني عَاهَدت رَبِّي وإنني … لبين رتاج قَائِما ومقام)

(على قسم لَا أشتم الدَّهْر مُسلما … وَلَا خَارِجا من فِي زور كَلَام)

فنصب خَارِجا على الصّرْف مَعْنَاهُ وَلَا يحرج فَلَمَّا صرفه نَصبه

وَأما نصب ﴿ صبغة الله ﴾ فعلى معنى فعل مُضْمر اطرَح لعلم الْمُخَاطب بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الزموا صبغة الله والصبغة الدّين

وَأما قَوْله تَعَالَى ﴿ قل بل مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا ﴾ نصب مِلَّة على إِضْمَار كَلَام كَأَنَّهُ قَالَ بل نتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم وَقَوله ﴿ سَلام قولا من رب رَحِيم ﴾ نصب قولا على الصّرْف أَي يَقُولُونَ قولا

‌‌النصب ب سَاءَ وَنعم وَبئسَ وَأَخَوَاتهَا

فَهَذِهِ حُرُوف تنصب النكرَة وترفع الْمعرفَة تَقول بئس رجلا زيد وَنعم رجلا مُحَمَّد نصبت رجلا لِأَنَّهُ نكره وَرفعت زيدا ومحمدا لِأَنَّهُمَا معرفتان

قَالَ الله تَعَالَى ﴿ سَاءَ مثلا الْقَوْم الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ و ﴿ كَبرت كلمة ﴾ نصبت مثلا وَكلمَة لِأَنَّهُمَا نكرتان وَمِنْه قَوْله عز وَجل ﴿ وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا ﴾ وَمثله ﴿ مأواهم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا

قَالَ الشَّاعِر

(أَبُو مُوسَى فحسبك نعم جدا … وَشَيخ الركب خَالك نعم خالا)

نصب جدا وخالا لِأَنَّهُمَا نكرتان

‌‌وَالنّصب من خلاف الْمُضَاف

قَوْلهم هَذَا ضَارب زيد تخْفض زيدا بِإِضَافَة ضَارب زيد إِلَيْهِ فَإِذا أدخلت التَّنْوِين على ضَارب خَالَفت الْإِضَافَة وَصَارَ كالمفعول بِهِ فَنصبت زيدا بِخِلَاف الْمُضَاف وعَلى أَنه كَانَ مَفْعُولا تَقول من ذَلِك هَذَا ضَارب زيدا ومكلم مُحَمَّدًا فَلَمَّا أدخلت التَّنْوِين نصبت

وَمثله قَول الله جلّ اسْمه (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا) نصب إخْوَانًا للتنوين ومجازه من غل إخْوَان وَكَذَلِكَ ﴿ فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء ﴾ نصب سَوَاء لمجيئه بعد التَّنْوِين وَإِن قلت نصبت على الِاسْتِغْنَاء جَازَ

وَقَالَ العجاج

(وَكم حسرنا من علاة عنس … درفسة وبازل درفس)

(محتنك ضخم شؤون الرَّأْس … )

نصب شؤون لما أَدخل التَّنْوِين على ضخم ومجازه ضخم شؤون

وَقَالَ الْحَارِث بن ظَالِم

(فَمَا قومِي بِثَعْلَبَة بن سعد … وَلَا بفزارة الشّعْر الرقابا)

نصب الرّقاب لإدخال الْألف وَاللَّام على الشّعْر لِأَن الْألف وَاللَّام يعاقبان التَّنْوِين والتنوين يُعَاقب الْألف وَاللَّام وَقَالَ آخر

(لَيست من السود أعقابا إِذا انصرفت … وَلَا تبيع بشطي مَكَّة البرما)

نصب أعقابا لإدخال الْألف وَاللَّام على السود وَقَالَ رؤبة

(الْحزن بَابا والعقور كَلْبا … )

نصب بَابا وكلبا لإدخال الْألف وَاللَّام على الْحزن والعقور

وَتقول هَذَا حسن وَجها وَهَذَا حسن الْوَجْه فَإِذا أدخلت عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام نصبت أَيْضا وَجها تَقول هَذَا الْحسن وَجها وَهَذَا الْحسن الْوَجْه تنصب مَا بعده على خلاف الْمُضَاف

وَأما قَول النَّابِغَة

(ونأخذه بعده بذناب عَيْش … أجب الظّهْر لَيْسَ لَهُ سَنَام)

فَإِنَّهُ نوى التَّنْوِين فِي أجب وأجب لَا ينْصَرف لِأَنَّهُ على وزن أفعل وَنصب الظّهْر لِأَنَّهُ نوى التَّنْوِين فِي أجب كَمَا تَقول مَرَرْت بِحسن الْوَجْه فنصب على خلاف الْمُضَاف

‌‌وَالنّصب على الْموضع لَا على الِاسْم

قَوْلهم أزورك فِي الْيَوْم أَو غَدا وَتقول لَسْتُم بالكرام وَلَا السَّادة قَالَ عقيبة الْأَسدي

(معاوي إننا بشر فَأَسْجِحْ … فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا)

نصب الْحَدِيد على مَوضِع الْجبَال لِأَن موضعهَا النصب وَإِنَّمَا انخفض بِالْبَاء الزَّائِدَة وَلَيْسَ للباء مَوضِع فِي الْإِعْرَاب كَأَنَّهُ قَالَ فلسنا الْجبَال وَلَا الْحَدِيد وَالْبَاء للإقحام

وَقَالَ كَعْب بن جعيل

(أَلا حَيّ نَدْمَانِي عُمَيْر بن عَامر … إِذا مَا تلاقينا من الْيَوْم أَو غَدا)

نصب غَدا على الْموضع لَا على الِاسْم لِأَن من لَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب وَقَالَ لبيد

(فَإِن لم تَجِد من دون عدنان والدا … وَدون معد فلتزعك العواذل)

نصب دون على الْموضع لَا على الِاسْم

وَمِنْه قَول جرير

(فالشمس طالعة لَيست بكاشفة … تبْكي عَلَيْك نُجُوم اللَّيْل والقمرا)

نصب نُجُوم اللَّيْل والقمرا لِأَن موضعهما نصب كَمَا تَقول لَا آتِيك عبَادَة النَّاس الله أَي مَا عبد النَّاس الله كاشفة يَعْنِي ظَاهِرَة يُقَال ضربه فكشف عظمه أَي أظهره

المصدر: الجمل في النحو

ترك تعليق