المؤلف: أبو البقاء العكبري
المحقق: د. عبد الرحمن العثيمين

مسألة [تنوينُ المقابلة]

التَّنوينُ في ((مسلمات)) وبابه ليس بتنوينِ الصَّرف، بل هو تنوينُ المقابلةِ، ومعنى ذلك أنَّ التنوين هنا نظير النُّون في مسلمون.
وقالَ الرَّبعيُّ: هو تنوينُ الصَّرف.

وحُجَّةُ القولِ الأَوَّلِ: أنَّ هذا التَّنوين يَثبُتُ في المعرفةِ المؤنَّثة، فلم يكن تَنوين الصرف، كالنون في ((خِلَفْنَةَ)) و ((عِرَفْنَةَ))،والدَّليلُ على أنَّهاتَثبت في المعرفةِ المؤنَّثة قوله تعالى: ﴿ فإذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ فأثبت التَّنوين مع التَّعريف والتأنيث، وكذلك قولهم: ((هذه عرفاتٌ مُباركاً فيها))، فنَصبوا عنها الحال، وهي لا تَنتصبُ عن النكرةِ، وتأنيثها ظاهرٌ، وأمَّا تعريفها فظاهرٌ أيضاً، فإنّ الألفَ واللاَّمَ لا يدخلان عليها، فلا يُقال: ((العرفاتُ))، وإذا ثَبَتَ هذان الوَصفان لم يكن التَّنوينُ دلالة الصّرف، لأنَّه إنَّما يكون كذلك في النَّكرة. فإن قيل: لا يصحُّ القياس على ((خِلَفْنَةٍ)) لأنَّ النُّون هنا في حَشو الكلمةِ، وأنَّها تَثبتُ في كلِّ حالٍ، والتَّنوينُ في ((مسلمات)) لَيستْ كذلك، وأمَّا ثُبوتها في ((عرفاتٍ)) ونَحوها، فهي زائدةٌ لا للصَّرف، ولا للمُقابلة، كما زيدت في قول الشاعر:

سَلاَمُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا … وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ اَلْسَّلاَمُ

فالتنوين هنا زائدٌ، والكلمةُ مبنيَّةٌ على الضمِّ، وعلى هذا يُخَرَّجُ نَصبُ الحالِ عنها، لأنَّها معرفةُ، والتَّنوين زائدٌ.
فالجوابُ: أنَّ قياسَ التنوين هنا على نون ((خِلَفْنَةٍ)) صحيحٌ، وذلك أنَّ التنوين نون، وقد ثبت ها هنا لا للصرف، فكذلك التَّنوين في ((مُسلمات))، وقولهم: ((هي زائدةٌ لا للصرف هاهنا)) فلا يستقيم؛ لأنَّ التنوينَ مطّردٌ في هذا الجمعِ، وزيادةُ التَّنوين في ((يا مَطَرٌ)) غير مطّرد، لأنَّ ((مَطَرٌ)) مبنيّ على الضمُ، والمبني لا يُنوّن وإنَّما اضطرّ الشاعر إلى الزِّيادة، وهذا من مواضعِ الشِّعر، على أنَّ يونسَ نَصَبَ ((يا مَطَراً))، على الأصلِ وجعله تَنوين الصَّرفِ.
واحتجَّ الآخرون: بأنَّه تنوين يسقط بالألف واللاَّم وبالوقف، فكان ثبوته علامة للصّرف، كالاسم المفرد، وبهذا يبطل كونُه مقابلاً للنّون في ((مسلمون))، فإنّ تِلك النَّون لا تسقطُ في الألفِ واللاَّم، ولا في الوَقْفِ.


موضوعات ذات صلة:



والجوابُ: أنَّ التَّنوين هنا رَسيلُ النُّون في ((مسلمون))، لما ذكرنا من الدَّلِيلِ عليه، من ثبوتِها في المَعرفة المؤنَّثة، والمقابل لشيء مُشَبّه به ولا يلزمُ في المُشَبّه بالشيءِ أن تَجري أحكامُ المشبّه به على المشبّه بلقد يفارقه في أَحكامٍ أُخَر ألا ترى أنَّ ما لا ينصرف مشبّه بالفعل [ب] وصف يجمع بينهما، ولا يلزم من ذلك ثُبوت أحكام الفعل كلّها في ما لا يَنصرف، بل هو مخصوصٌ بحكمٍ يقومُ الدَّليلُ عليه، فمن ها هُنا [حُذِفَ] التَّنوين بالألف واللاَّم والوَقف هُنا، ولم يُحذف بِهما [في] ((مسلمون))، وكانَ الوجهُ في ذلك أنَّ المؤنَّثَ فرعٌ على المُذَكَّر، وقد ثَبَتَتْ فيه المُساواة في أَنَّ لَفظ الجَرِّ والنَّصبِ، واحدٌ، كما في قولِكَ: ((رأيتُ المسلمين)) و ((مررتُ بالمسلمين)) فلمَّا كان محمولاً عليه في التَّسوية بين النَّصب والجرِّ كان محمولاً عليه في النُّون.
وقد قيلَ: إنَّ التَّنوين في ((مسلماتٍ)) عوضٌ من الفَتحةِ فإنَّ هذا الاسمَ كان يستحقُّ الحركة بالفتحِ في النَّصبِ، فلمَّا تَعَذَّر ذلك لما ذكرنا من إلحاقه بمُسلمين، عُوِّضَ من الحركة التنوين، والتَّنوينُ يجوزُ أن يكونَ عِوَضاً من الحركةِ، كما في التَّثنية والجَمع، ومن ها هُنَا حُذِفَ بالألف واللاَّم والوَقف؛ لأنَّ تعويضَه من حركةٍ واحدةٍ خفيفة لا يَقتضي له ثُبوته بكلِّ [حالٍ] والله أعلمُ بالصَّواب.

ترك تعليق