مصطلحات: الأصول
(تأصيل وتحرير)
المصطلح الثاني: الأصول:
أولًا: الأصول لغةً:
الأصول: جمع مفرده أصل، وله في اللغة عدة تعريفات؛ منها:
1- أساس الشيء؛ أي: أصله.
2- أسفل الشيء[13]، ومنه قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [إبراهيم: 24]؛ أي: أسفلها ثابت عميق الجذور.
3- الشرف والحسب؛ يقال: أَصُلَ الشيءُ صار ذا أصْلٍ[14]، ويقال: فلان له أصلٌ وفصلٌ؛ أي: أب ولسان.
4- الثبوت والرسوخ؛ يقال: ورجل أصيل: ثابت الرأي، عاقل[15].
وأصل الشي قاعدته التي يرتفع بارتفاعها، والأصل ما منه الشيء أيضًا، ويقال للأب: أصل[16].
ويرى الدكتور حسن خميس الملخ أن المعنى الكلي العام لكلمة (أصل): أسفل كل شيء؛ من حيث إنه يُبنى عليه غيره، والبناء قد يكون حسيًّا كبناء السقف على الجدار، أو عقليًّا كبناء الحكم على الدليل، وأن كلمة أصل تعود إلى جذر ثنائي لَحِقه التضعيف؛ لأنها تَلتقي في المعنى مع كلمة (أُس) التي تَعني الأصل والشيء الثابت والأساس[17].
ومن تعريفات الأصوليين اللغوية للأصل:
قال أبو منصور السمعاني (ت489هـ): “وحَدُّ الأصل: ما عُرِف حكمُه بنفسه، أو ما عُرِف به حكمُ غيره”[18].
قال بدر الدين الزركشي (ت794هـ): “قال أبو بكر الصيرفي: كل ما أثمر معرفة شيءٍ ونبَّه عليه فهو أصل له، فعلوم الحس أصل؛ لأنها تثمر معرفة حقائق الأشياء، وما عداه فرع له”[19].
قال أبو المنذر بن عبد اللطيف المنياوي: “والأَولى عندي في تعريف الأصل لغة أنه ما كان سببًا في إيجاد حكم من الأحكام”[20].
وقد ذكر الدكتور جبريل بن المهدي أن هذه الصفات كلها لازمة ومنطبقة على أصول الفقه؛ لأن الفروع الفقهية مأخوذة منها، ومُستندة في وجودها وناشئة عنها، ومبنيَّة عليها؛ مما يدل على أن تعبيرات الأصوليين اللغوية صحيحة في المعنى والعبارة، متحدة في المعنى والحقيقة[21].
ثانيًا: الأصول اصطلاحًا:
الأصول في اصطلاح علماء أصول الفقه:
قال ابن النجار الحنبلي (ت 972هـ): “الأصل في اصطلاح الفقهاء: ما له فرع؛ لأن الفرع لا ينشأ إلا عن أصل”[22].
وقال الشوكاني: “وفي الاصطلاح: يقال على الراجح، والمستصحب، والقاعدة الكلية والدليل”[23].
وقد ذكر الدكتور جبريل بن المهدي أن المعنى الخاص للفظ (الأصول)، منحصر في القواعد الشرعية التي يُتوصَّل بها إلى استنباط الأحكام الفرعية من الأدلة التفصيلية، أو تلك القواعد التي يؤصلها العلم المعروف بـ(أصول الفقه)؛ ليصان بها كتاب الله من تحريف المحرِّفين، وإلحاد الملحدين، ويُتوصل بها إلى فَهْم مراد الله ورسوله من الكتاب والسنة الصحيحة، وإلى استنباط الأحكام منهما ومِن كل دليل اكتسَب حُجيته منهما من بقيَّة الأدلة الشرعية المعروفة، وهذا يعني أن علماء أصول الفقه إنما يريدون بلفظ (الأصل) في الاصطلاح العام – معنًى كليًّا يعم كل ما له فرع، مستدلين على ذلك بأن الفرع لا يمكن أن يَحصُلَ إلا عن أصل، وهذا يعني أن كل ما له فرع فهو أصل لا مَحالةَ[24].
نماذج من مسائل أصول الفقه:
• أصل: إذا لم ينتظم الكلام إلا بارتكاب مجاز الزيادة أو النقصان، فمجاز النُّقصان أَولى؛ لأن الحذف في كلام العرب أكثر من الزيادة[25].
• أصل: الأمر إذا ورَد مقيدًا بالمدة أو التَّكرار حُمِل عليه[26].
• أصل: الثابت بعموم لم يدخله التخصيص، مقدم على ما ثبت بعموم دخله التخصيص[27].
• أصل: الثابت بنص صريح أَولى من الثابت بتقدير إضمار، أو حذف دقيق[28].
• أصل: الحمل على الحقيقة أَولى من الحمل على المجاز[29].
الأصول في اصطلاح النحاة:
يطلق مصطلح (الأصول) في اصطلاح النحاة على مفهومين مختلفين:
أولهما: القواعد النحوية الأساسية في النحو، ويمكن تسميتها بالأصول النحوية الثابتة.
ثانيهما: الأصول المنهجية التي قام عليها النحو وانْبَنَتْ عليها القواعد[30].
ويقوِّي ذلك ما ذكره الدكتور تمام حسان (ت 1432هـ)، فقد قال: “إذا نظرنا إلى الثوابت في لغتنا العربية، وجدناها تقع في نوعين يسمى كل منهما بالأصول:
1- الأصول المنهجية كما تبدو مثلًا في كتاب (الاقتراح) للسيوطي (ت 911هـ)، بما يشتمل عليه من كلامٍ في السماع والقياس، والتعليل والتأويل، ويمكن أن نُطلق على هذا النوع: (أصول النحاة).
2- ما عُرِف عند النحاة باسم الأصول الثابتة، كما تبدو مثلًا في كتاب (الأصول في النحو) لابن السراج، وتُفهَم من كلام ابن مالك (ت 672هـ):
والأصلُ في الفاعلِ أن يتَّصِلا = والأصلُ في المفعول أن يَنفصِلا
وراح يذكر أنه يمكن أن نطلق على هذا النوع من الأصول (أصول النحو)، وبهذا التفريق بين أصول النحو وأصول النحاة، يمكننا أن نُضيف أن أصول النحو أو الأصول الثابتة، هي ما يَعرفه الأمريكيون التحويليُّون في منهجهم النحوي تحت اسم: (idealization)؛ أي: الاعتماد على أصل مجرد ثابت تُرَدُّ إليه الأمثلة المختلفة[31].
فالدكتور تمام يذكر أن ثوابت اللغة العربية تتمثل في أصول النحاة والأصول النحوية، والحق أن بين هذين النوعين الْمُسميين بالأصول فوارقَ؛ منها:
من حيث التركيب: فإن الناظر إلى تركيب (أصول النحاة)، يجد العلاقة القائمة بين الكلمتين علاقة مضاف بمضاف إليه؛ أي: تركيب إضافي، وأما تركيب (الأصول النحوية)، فالعلاقة القائمة بين الكلمتين علاقة موصوف بصفة؛ أي: تركيب وصفي[32].
من حيث المعنى: فإن أصول النحاة علم يُبحث فيه عن أدلة النحو الإجمالية؛ من حيث هي أدلتُه، وكيفية الاستدلال بها، وحال المستدل[33]، أما الأصول النحوية فهي أصول ثابتة مأخوذة من كتب النحو[34].
من حيث الاستمداد: فإن أصول النحاة مُستمدة من الأدلة الإجمالية من الشواهد العربية؛ مثل: القرآن الكريم والحديث النبوي، وكلام العرب شعره ونثره، والقياس والإجماع النحوي، والتعليل، أما الأصول النحوية فهي مستمدة من الاستقراء والنظر في النحو نفسِه لا في أَدِلَّته.
وقد ذكر الدكتور عبد القادر سلاَّمي أن ابن جني – في (باب مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد) – يُطلق لفظة (الأصل) على الحال التي يكون عليها الشيء، ومن ذلك تعليله لضم الذال في قولهم: ما رأيته مُذُ اليوم، والأصل (مُذْ) بالتسكين، فقال: إنهم لَمَّا حرَّكوها لالتقاء الساكنين لم يَكسروها، لكنهم ضمُّوها؛ لأن أصلها الضم في (مُنذُ)[35].
وذكر الدكتور إبراهيم رفيده أن النحويين – من القرن الأول إلى ابن السراج – يقصدون من (الأصول النحوية) قواعده الأساسة وقوانينه العامة، وضوابطه الخاصة بكل تركيب أو كلمة في تعبير عربي مفيد، مع ما يَلزمها من حجة وتعليل، وأن عمل ابن السراج في الأصول كان مرحلة بارزة في إيضاح هذه القوانين والأحكام، وضبطها، ولَمِّ شَمْلِها، وإحكام رَصْفِها[36].
نماذج من مسائل أصول النحاة:
• مسألة: كما لا يُقاس على الشاذ نُطقًا لا يُقاس عليه تركًا[37].
• مسألة: إنما يُقاس على حكم ثبَت استعمالُه عن العرب[38].
• مسألة: إذا تعارَض ارتكاب شاذ ولغة ضعيفة، فارتكاب اللغة الضعيفة أَوْلَى من الشاذ[39].
نماذج من مسائل الأصول النحوية:
• الأصل في الحروف البناء.
• الأصل في البناء السكون.
• الفاعل يتقدَّمه الفعلُ.
• الفعل مع الفاعل مبني للمعلوم[40].
[13] القاموس المحيط، 1/ 961.
[14] المحكم والمحيط الأعظم؛ لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي؛ تحقيق عبد الحميد هنداوي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421 هـ – 2000 م، ج8، ص 352.
[15] لسان العرب، ج 1، ص 155.
[16] عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، ج1، ص95.
[17] نظرية الأصل والفرع في النحو العربي، ص 73.
[18] قواطع الأدلة في الأصول؛ تحقيق محمد حسن محمد إسماعيل، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ – 1999م، ج2، ص 135.
[19] البحر المحيط في أصول الفقه؛ تحقيق الشيخ عبد القادر عبد الله العاني، ومراجعة الدكتور عمر سلميان الأشقر، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الكويت، ط2، 1413هـ – 1992م، ج1، ص 15، 16.
[20] الشرح الكبير لمختصر الأصول من علم الأصول، الناشر: المكتبة الشاملة، القاهرة، ط1، 1432هـ – 2011م، ص 53.
[21] دراسة تحليلية مؤصلة لتخريج الفروع على الأصول، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة، جامعة أم القرى – السعودية، العام الدراسي: 1412هـ – 1422هـ، ج1، ص 88، 89، بتصرف.
[22] شرح الكوكب المنير؛ تحقيق الدكتور محمد الزحيلي، والدكتور نزيه حماد، الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض، ط 2، 1418هـ – 1997م، ج1، ص 38.
[23] إرشاد الفحول؛ تحقيق وتعليق أبي حفص سامي بن العربي الأثري، الناشر: دار الفضيلة، القاهرة، ط1، 1421هـ – 2000م، ج1، ص 57.
[24] دراسة تحليلية مؤصلة لتخريج الفروع على الأصول، ج1، ص 99، بتصرف.
[25] القواعد والفوائد الأصولية وما يتبعها من الأحكام الفرعية؛ لابن اللحام البعلي الحنبلي؛ تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، الناشر: مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، ط1، 1375هـ – 1956م، ص 124.
[26] السابق نفسه، ص 171.
[27] المستصفى؛ لأبي حامد الغزَّالي؛ تحقيق حمزة زهير حافظ، دوت تاريخ، ص 180.
[28] السابق نفسه، ص 180.
[29] كشف الأسرار شرح أصول البزدوي؛ لعلاء الدين البخاري الحنفي، طُبِع في مطبعة الشركة الصحافية العثمانية، دون تحقيق، ج2، ص 76.
[30] من قضايا أصول النحو عند علماء أصول الفقه؛ للدكتور أحمد عبد الباسط، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الكويت، ط1، 1435هـ – 2014م، ص 21.
[32] علم الأصول النحوية والصرفية، بحث للدكتور عبد الله بن مبارك آل سيف، الناشر: شبكة الألوكة الإلكترونية، ص 3.
[33] الاقتراح في أصول النحو للسيوطي؛ ضبط وتعليق عبد الحكيم عطية، الناشر: دار البيروتي، دمشق، ط2، 1427 هـ – 2006 م، ص 21.
[34] علم الأصول النحوية والصرفية، ص 3.
[35] دلالة الأصل بين المعيارية والوصفية، ص 2، والخصائص، ج2، ص 342.
[36] النحو وكتب التفسير، الناشر: الدار الجماهيرية، طرابلس، ط1، 1982م، ج1، ص 75، بتصرف، ونظرية الأصل والفرع في النحو العربي، ص 45.
[37] الاقتراح في أصول النحو، ص 83.
[38] السابق نفسه، ص 94.
[39] السابق نفسه، ص 146.
[40] الأصول؛ للدكتور تمام حسان، الناشر: عالم الكتب، دون رقم طبعة، 1421هـ – 2000م، ص 124.