المؤلف: أبو علي النحوي
المحقق: د. علي جابر المنصوري
باب علم (ما) الكلم من العربية (1)
2- يختص الإسم من الصفات دخول الألف واللام وذلك نحو: الرجل، والفرس، والضرب، والأكل، والعلم، والجهل. فهذا الوصف يعرف به كثير من الأسماء وقد حكي.
1 – . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . اليجدع في أحرف آخر، فدخل الألف واللام على الفعل، وذلك نادر، ومن ذلك أيضًا جواز الكناية (عنه) نحو: ضربته: وأكرمته فالكناية على هذا الحد لا تكون إلا عن الأسماء. ومن ذلك دخول التنوين المصاحب للجر، وذلك كله يختص بعض الأسماء، ولا يشمل جميعها إلا أن ذلك مما يعين على معرفة الإسم.
وإما الفعل، فقد وصفه سيبويه: بأنه أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع وما هو كائن لم ينقطع ….
ومن أصحابنا من يقول في وصفه: أنه ما دل على حدث وزمان. ويدل على قولهم هذا، إنِّا نجد الأفعال تتعدى إلى جميع أقسام الأزمنة معرفتها ونكرتها، ومبهمها، ومخصوصها، كما نجدها تتعدى إلى جميع أقسام المصادر فلولا أنَّ فيها دلالة على مهمة اللفظ، ما كانت لتتعدى إلى جميع ضروب الأزمنة. كما لم يتعدَّ ما تتعدى الأفعال المتعدية إليه، فاستواؤه والمصدر في تعدى الفعل إليهما تعديا واحدًا، دلالة على ما ذكرنا من وقوع الدلالة عليه من اللفظ، وقد قيل لمن وصف الفعل بهذا الوصف. أرأيتهم قولكم: خلق الله الزمان. هل يدل هذا على زمان قلته؟ (فإن قلتم: لا) فسد الوصف. وأن قلتم يدل، فقد ثبتم زمانًا قبل. وذلك ممتنع لما يجيبون به عن ذلك. أن اللفظ فيه قد جرى عندهم مجرى الآن، وما يتخاطبون به، ويتعارفون. وهذا النحو غير ضيق في كلامهم. ألا ترى قوله عزّ وجلّ: ” ….. إنك أنت العزيز الكريم”، وكذلك قوله:
2 – أبلغ كليبا، وأبلغ عنك شاعرها
إني الأغرُّ، وإني زهرة اليمن
فأجاب جرير.
3 – ألم تكن في رسوم قد رسمت بها
من حاز موعظًة يا زهرة اليمن
وكذلك قوله تعالى: “﴿وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون﴾ إنما هو عند كثير من أصحابنا أنهم جميع إذا رأيتم مثلهم، قلتم فيهم هذا الضرب من الكلام. فكذلك قولهم: “خلق الله الزمان”. يجوز على هذا لحد الذي تجري هذه الأمثلة (عليه) في كلامهم، وما يتعارفونه الآن والدليل على أن الفعل مأخوذ من المصدر إنّ هذه المصادر تقع دالةّ على جميع ما تحتها، ولا تختص شيئًا منه دون شيء. ألا ترى أنّ (الضرب) يشمل جميع هذا الحدث، ولا يخص ماضيًا منه من حاضر، ولا حاضرًا من الآتي. وإنّ هذه الأمثلة تدل على أحداث مخصوصة، وحكم الخاص أن يكون من العام، ويستحيل كون العام من الخاص، وهذه الأمثلة تدل أيضًا على معنيين، أحدهما يأتي من الآخر. والأحداث تدل على معان مجردة مفردة، والمفردة في الرتبة أسبق من المركبة. فأما اعتلال بعض هذه الأحداث لاعتلال الفعل، فلا يدل على أنها مشتقة من الأفعال. كما أنّ أسماء الفاعلين لما أعتلت بجريانها على الفعل، لم تدل (على) أنها مشتقة منالأفعال، ولو كانت ألفاظ هذه الأحداث مشتقة من ألفاظ الأمثلة، لوجب أن تتضمن الدلالة في لفظها على ما أشتق منها، وعلى زيادة معنى آخر. لأن المشتقات لا تخلو من هذا، فإن لم تدل ألفاظ الأمثلة” ولو كان الأمر على ما قاله من خالفنا في ذلك، ما يأتي، ولم أر على الحاضر دلالًة على أنها لست مأخوذة من ألفاظ الأمثلة” ولو كان الأمر على ما قاله من خالفنا في ذلك، لكان على ما وصفت لك. ألا ترى أن المضرب لما كان مأخوذًا من (الضرب)، دلّ على مكانه. فكذلك كان ينبغي أن يكون سببًا لهذه المصادر من أن تكون دالةّ على ما تدل عليه الأمثلة من المعنيين. وهذا الوصف الذي وصف به سيبويه الفعل لا يدخل عليه السؤال الذي تقدم، وهو أيضًا يشمل جميع ضروب هذه الأمثلة، وليس كوصف من خصص فقال فيها لأنها تدل على حدث وزمان، لأن (من) هذه الأمثلة ما هو عند النحويين دال على زمن غير مقترن
3 آبحدث، وذلك نحو: كان المفتقرة إلى الخبر المنصوب وهو عندهم فعل، ومع ذلك فهو دال على الزمان مجردًا من الحدث، ومن ثم لزمه الخبر المنصوب، ولم يستعمل في الكلام إلا به، وصارت الجملة بلزوم الخبر -المنصوب- لها موازية للجملة التي من الفعل والفاعل نحو قام زيد. وضرب عمرو، والذي وصفه به، وينتظم جميع ذلك ألا ترى أن (كان) مثال مأخوذ من لفظ حدث دال على ما مضى.
كما أن (ضرب) كذلك، فهذا الوصف إذن أصح من غيره إذ لا دخل عليه، وكان منتظمًا جميع ما كان من هذه الأمثلة لا يدخل فيه ما ليس منه، ولا يخرج عنه ما هو منه، والذي تقدم من هذه الأزمان التي وصفت بها الأسماء مما هو كالحد الشامل لجميع ما كان يصفه به شيخنا أبو بكر. وهو ما دل على معنى وكان ذلك المعنى شخصًا، أو غير شخص. فهذا ينتظم جميع الأسماءولم يقتصر فيه على قوله: (ما دلّ على معنى) إذ لو اقتصر عليه، لا لتبس بالحرف. ألا ترى أن الحروف كلها تدل على معان، وإنّ المعاني التي تدل عليها تكون غير أشخاص. وقوله: يكون ما يدل عليه شخصًا، وغير شخص يخصص صفة (يكون) لا يشركه فيه الحرف، ولا يشركه فيه الفعل. ما يدل على حدث فيما مضى، وفيما هو كائن لم ينقطع، أو ما هو آت فقد اختصً الإسم بهذا الوصف من القبلين الآخرين، كما اختصّ الفعل منهما بوصف سيبويه له، فإن قال: فانّ الحرف أيضًا يدل على معنى، والمعنى الذي يدل عليه غير شخص فكيف ينفصل الإسم من الحرف بهذا الوصف مع هذا الإشتراك الموجود بينهما؟.
أعلم أن الفعل ينفسم بإنقسام الزمان، ماض وحاضر. وآت. فمثال الماضي، ما كان مبنيًا على الفتح نحو: ذهب. وسمع، وظرف، وضرب، ودحرج، واستخرج، ونحو ذلك.
ومثال الحاضر نحو: يقوم، ويذهب، ويظرف، ويكتب، ويصلي، وهذا الضرب الذي وصفه سيبويه بأنه كائن لم ينقطع. فهذا الضرب وإن كان شيء منه قد مضى، وشيء منه لم يمض، فإنه عند العرب ضرب من ضروب لفعل غير الماضي، وغير المستقبل.
وعلى هذا عندهم حكم هذه الأفعال تتطاول أركانها، وتخرج إلى الوجود شيئَا فشيئًا، ويدلك على ذلك -من مذاهبهم- إنهم خصوه في النفي بـ (ما) فقالوا في نفيه: ما يصلي ولم ينفوه بـ (لن) كما نفوا المستقبل بها ولا بـ (لا) كما نفوا المستقبل الموجب بالقسم بها بـ (لم) كما نفوا الماضي بها، وأدخلوا لام الإبتداء على هذا المثال في نحو قوله عزَّ وجلّ: ” …. وإن ربك ليحكم بينهم …. ” ولم يدخلوه على المثالين الأخيرين. فهذا ولفظه الأخص لفظ المضارع، وهو ما يلحقه الألف والنون، والتاء والياء في قولك: أفعل أنا، وتفعل أنت أو هي، ونفعل نحن، ويفعل ويتسع فيوقع على الآتي أيضًا، والأصل أن يكونللحاضر، بدلالة أن موضع الضمير من المواضع التي ترد فيها الأشياء إلى أصولها، يدلك على ذلك قولهم: لزيد مال. فإذا أضمر، قيل: له مال، فرددت إلى الفتح الذي هو الأصل، ومن ثم فتحت هذه اللام في المنادي المستغاث به.
ألا ترى أنه واقع موضع المضمر، ولذلك بنى المفرد منه نحو، “يوسف أعرض عن هذا … “. ومن ذلك أن عامة من يقول: أعطيتكم درهما، فيحذف الواو المتصلة بالميم إذا وصلها بالمضمر، قال: أعطيتكموه. كما قال: “أنلزمكموها”. ومن ذلك أنك تقول: والله لأفعلنّ. فهذه (الواو) من (الباء) الجارة، فإذا وصله بالمضمر، رجعتها، فقلت: بك لأفعلنّ. ومثل ما أنشده أبو بكر.
4 – ألا نادت أمامة باحتمال
ليجزيني فلا بك ما أبالي
وأنشد أبو زيد:
5 – رأى برقا فأوضع فوق بكر
فلا بك ما أسال، ولا أغاما
فقد ردت هذه الأسماء مع المضمر إلى أصولها، فلما لم يقدموا الأبعدّ على الأقرب مع المضمر بل قدموا الأقرب على الأبعد، دل أن الأقرب الأول عندهم، الأولى من الأبعد وإذا كان اللفظ الذي هو الأول، ما هو عندهم أولى، ومثل ذلك لفظا المصدر الأول نحو: الضرب والحمل هو الأصل للشاهد الموجود
4- وإن يقع على غيره. فإن (أن) إذا وصلت بالفعل، لم تقع إلا على الماضي والمستقبلدون الحاضر، وكذلك ما كان دخل عليه السين، أو سوف مختصًا بالاستقبال (كأن) ما لم تدخل عليه، الزيادة بالحال أولى، كقولنا: يقوم. قج يقع على المستقبل، كما يقع على الحال، والمستقبل يختص بالسين وسوف. ومما يختص بالاستقبال من هذه الأمثلة لاعتلاله باعتلال الأمثلة، أن بعض هذه الأمثلة يعتل لاعتلال بعض. ألا ترى أن (تعدو) عدوًا يعتل لإعتلال (يعدو)، لوقوع الواو فيه بين الكسر والياء فتبعت الأمثلة الباقية، هذا المثال، وكذلك قالوا: أنا أكرم فحذفت الهمزة مع همزة المضارعة، ثم اتبع سائر الحروف الهمزة، وكذلك أعل (قام) و (باع)، فلما اعلا إتبعا مضارعهما، وإن كان ما قبل حروف العلة منهما ساكنًا، وكما لا يقول أحد. إن هذه الأمثلة مأخوذة من بعض لإعتلال بعضها من أجل، بعض، كذلك لا يجوز أن يكون المصدر مأخوذًا من الأمثلة لاعتلاله بعتلها في نحو، (القيام) و (زنة) و (عدة)، وصحتها في نحو: (اللواذ) بصحة الحرف في (لاوذ).
وأما الحرف، فما يدل على معنى في غيره وذلك (كالباء) الجارة، و (من) و (الواو العاطفة) وما أشبه ذلك، وهو أيضًا (ما) لا يكون خبراً. ويجوز أن يخبر عنه. ألا ترى أنك، لو قلت: زيد حتى. أو عمرو لعلّ فجعلتهما أخبارًا عنالإسم، لم يجز، وكذلك لو أخبرت عنهما، فقلت: حتى منطلق، أو حتى يقوم، فجعلت ما بعدهما خبرًا عنهما لم يستقم. فهذه جمل وستتبع ذلك زيارات في كتاب آخر إن شاء الله.
المصدر: المسائل العسكريات في النحو العربي