كتبه: ابن القَطَّاع الصقلي
تحقيق: أ. د. أحمد محمد عبد الدايم
فاء الفعل وعينه ولامه من موضع واحد
فصل: ولم تبن العرب كلمة يكون فاء الفعل وعينه ولامه فيها من موضع واحد استثقالاً لذلك، إلا أنه جاء في الأسماء: غلام (ببة) أي سمين، وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لأجعلن الناس بباناً واحداً أي شيئاً واحداً.
وقولهم في لسانه (ههة) وهي شبيهة باللثغة، وقولهم قعد الصبي على (ققفه وصصصه) أي حدثه، لا يعلم في الأسماء غير ذلك وأفعالها: ههَّ يههُّ ههةً، وقق يقق ققاً، وصص يصص صصاً، ولم أسمع لببة بفعل.
وجاء في الفعل حرف واحد وهو قولهم: (زززته أززه ززاً) أي صفعته، وإنما تجيء الفاء والعين كقولهم: (الدد والددن والددا) وهو اللهو واللعب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنا من الددٍ ولا الدد منيه).
وكذلك قولهم (أول) ومنه (افعل) الفاء والعين واوان عند البصريين، وقال الكوفيون أصله أوأل فأما العين واللام من موضع واحد فكثير نحو مد ورد، والأ/ر من هذا على أربعة أوجه مُدُّ ومُدِّ وامدُد.
ومن العرب من يكسر أوله فيقول: مِد، ورِد، قرأ علقمة هكذا ﴿ ولو رِدوا لعادوا ﴾ بكسر الراء.
(والديمومة): الأرض البعيدة الأقطار التي كلما سار فيها الراكب رآها كما هي لا تتغير مأخوذة من الدائم وهو الثابت، كأنها ثابتة لا تزول، وأصلها ديومومة على (فيعلولة) من مضاعف دام يدوم، وإنما حذفت الواو التي هي عين الفعل لأنها اجتمعت في والياء والسابق منها ساكن فوجب الإدغام، فاستثقلوه فحذفوها، ومثلها فرس قيدود أي سهل القياد أصلها قيودود على فيعلول؛ لأنه من قاد يقود. هذا مذهب البصريين.
فأما الكوفيون فإن وزن (ديمومة وقيدود) عندهم (فعلولة وفعلول) والياء مبدلة من الواو، وقيل: وزنها (فعلولة) مشددة إلا أنهم حذفوا من هينٍ فقالوا هينٌ، وكذلك القول في قيدود.
وكل ما جاءك من هذا المثال فيه حرفان مكرران، فاحكم عليه بذهاب العين للعلة التي ذكرناها.
وأما (مدينة) ففيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يكون وزنها (مفعولة) من دان يدين إذا أطاع أصلها مديونة، استثقلوا الضم على الياء وبعدها واو فحذفوها فالتقى ساكنان الياء والواو، فحذفوا لالتفاء الساكنين، وكسروا ما قبل الياء فصار اللفظ إلى مدينة، مثل منيعة ومريشة، وجمعها مداين غير مهموزة على مفاعل.
والقول الثاني: أن يكون وزنها (فعيلة) والميم أصلية من مدن يمدن إذا أقام فهو مادن، وجمعها مدائن مهموزة على فعائل، والذي يهمز من هذا الباب ما كانت ياؤه أو واوه أو ألفه غير ملحقة، فإذا احتجت إلى تحريكها لوقوعها بعد الألف في الجمع، همزتها وأبدلت منها حرفاً أجلد منها، فالواو نحو عجوز وعجائز والياء نحو صحيفة وصحائف، والألف نحو عمامةٍ عمائم، فما كانت الواو والألف والياء فيه أصليات فإنها لا تهمزة البتة، ومن همزها فقد أخطأ، فالألف نحو مقال مقاول ومقام ومقاوم، والياء نحو معيشة ومعايش. والواو نحو معونة ومعاون.
والقول الثالث: أن يكون وزنها (مفعولة) من دان، استثقلوا الكسرة على الياء فنقلت إلى الدال فصارت مدينة وجمعها مداين بلا همز على مفاعل.
(وجدول) وزنه (فعول) من الجدل وهو الفتل، لما كان الماء يفتل إذا جرى ويتلوى، وقيل: بل هو من الجدالة وهي وجه الأرض، سمي جدولاً لأنه يجري عليها.
وتوراةٌ أصلها وورية فوعلة من ورى الزند إذا قدح النار، استثقلوا اجتماع واوين في أولها فقلبوها تاء كما قلبت في تراث وتجاه وتكلة وتخمة، وأصلهنالواو ثم قلبت الياء التي هي لام الفعل ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار وزنها توعلة.
ووزن (ديدنٍ) (فيعل): من الددن، وهو ملازمة اللهو والمقام عليه، وتحذف منه الياء والنون فيقال: (ددٌ وتؤخر الياء بعد حذف النون فيقال): ددىً وأصله (فعى) أيضاً وزنه (فع).
(وأينق): وزنها (أعفل) الأصل أنوقٌ (أفعلٌ) استثقلوا الضمة على الواو فحذفوها فسكنت وقبلها ساكن، فأوجبت العلة تقديمها إلى موضع الفاء فصار اللفظ أونق فثقل اللفظ بالواو لوقوعها بعد الهمزة فأبدلوا منها الياء؛ لأنها أقرب إلى الهمزة والواو.
(الحوباء): وهي النفس وزنها (فلعاء) أصلها حبواء قدمت اللام إلى موضع العين، ومنه نقول: حبيت الرجل أي أظهرت له خلاف ما في حوباءى.
(هِزبرٌ): وزنه (هِفعلٌ) من الزَّبْرُ وهو الدفع بالقوة، الهاء فيه زائدة كما زيدت في أهرقت الماء.
(وجحفلٌ): ووزنه (فعلل) إلا أن لامه زائدة لأن أصله من الجحف وهو الذهاب بالشيء، يقال منه جحف السيل الشجر والمدر، واجنحف، وسيل جحاف منه وبه سميت الجحفة، يقال: إن سيلا اجتحف أهلها قديماً فأهلكهم فسميت بذلك، وهو ثلاثي لا رباعي.
(هِبرزي): وزنه (هفعليُّ) من برز يبرز إذا ظهر، وهو الذي يبرز الغوامض ويظهرها زيدت الهاء في أوله.
(والدوية): الفلاة، منسوبة إلى الدو وهو ما اتسع من الأرض وانبسط، والدواية مثلها قلبت الواو المدغمة ألفاً ووزنها فعلية وقيل وزنها فاعولة داووية استثقلوا على الواو فحذفوها فالتقى ساكنان فكسروها لالتقاء الساكنين فانقلبت الواو ياء وبعدها ياء فأدغمت للمثلين.
(وملكٌ): وزنه (معلٌ) لأن فاءه محذوفة، ألزمت التخفيف، وأصله مالك.
وحكى الفراء أن أصل (براء برءاءٌ) مصروف، ووزنه (فعالٌ).
(راء): بمعنى رأى وزنها (فلع): لأن اللام قدمت إلى موضع العين، وأصل رأى رأى قدمت الياء فصارت ريأ فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها انقلبت ألفاً فصارت راء.
وقيل وزن (إنسانٍ): (فعلان) من الإنس، الذي هم البشر. وقيل: وزنه إفعلانٌ من النسيان، لأنه عهد إليه فنسي، حذفت الياء منه استخفافاً، ثم فتحوا السين لأجل الألف فإذا صغروا ردوها.
(وميدانٌ): اختلف في وزنه فقيل: وزنه (فعلانٌ) من ماد يميد إذا تلوى واضطرب ومعناه أن الخيل تجول فيه وتتثنى متعطفة وتضطرب في جولانها.
وقيل: وزنه (فعلانٌ) من المدى وهو الغاية، لأن الخيل تنتهي فيه إلى غاياتها من الجري والجولان وأصله مديان، فقدمت اللام إلى موضع العين فصار ميداناً، كما قيل في جمع بازٍ بيزان والأصل بزيان، ووزن بازٍ (فلعً) وبيرزانٌ (فلعانٌ) وأصله بزى وزنه (فعل) لأنه بزى تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً، ثم قدمت اللام على العين فقيل باز.
وقيل وزن (ميدانٍ) (فيعالٌ) من مدن يمدن إذا أقام، فتكون الياء والألف فيه زائدتين، ومعناه أن الخيل لزمت الجولان فيه والتعطف دون غيره.
(والمائدة): اشتقاقها من ماد يميد إذا أعطى، وامتاد زيد عمراً إذا امتاحه واتجداه فكأن المائدة منحة لبني إسرائيل من الله كانت لهم، أي عطية أعطاهم إياها.
والميم في (فم): ليست زائدة، وإنما هي عوض من الواو التي هي العين. ووزنه على هذا (فمٌ) (كذا)؛ لأن الميم عوض من الواو، ووزنه على أن يقيم العوض مقام المعوض منه (فعً) ولامه محذوفة لتحركها وانفتاح ما قبلها وهي الهاء في فوه.
والهاء في (هِبلع) زائدة؛ لأنه مشتق من البلغ ووزنه (هفعل).
ووزن (طوفان) (فعلان) من طاف يطوف إذا دار، وقيل وزنه (فلعان) من طفا يطفو إذا علا قدمت اللام إلى ماكان العين.
(ماء) أصله مَوَهً، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً وأبدلوا من الهاء همزة؛ لأنها أجلد منها.
وأصل (ابنٍ) بنوٌ، وقعت الواو أخيرة وقبلها فتحة فوجب إعلالها بالقلب أو الحذف أخف. فاجتلبوا له همزة الوصل وأسكنوا الباء ونقلوا الإعراب الذي كان في اللام المحذوفة إلى العين وهي النون، كما فعلوا ذلك في أب وأخ فصار وزن ابن (افعاً).
وأما (بنت) فوزنها (فعتٌ) التاء فيها عوض من الواو المحذوفة، والتاء تبدل من الواو كثيراً، ووزن ابنه (افعة)؛ لأن اللام محذوفة والهاء هاء التأنيث؛ لأنك تقول ابن وابنة وكذلك اخت وزنها فعتٌ.
ووزن (يدٍ ودمٍ) (فعٌ)؛ لأن لامهما محذوفة.
و (كلتا) قال سيبويه: ألفها للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل وهي واو. الأصل كلوا لأن التاء علم للتأنيث ووزنها (فعتى)، الأصل فعلى، وقال أبو عمر الجرمي التاء ملحقة والألف لام الفعل وتقديرها عنده فعتلٌ.
وقولهم (حادي عشر) مقلوب من واحد، لأن تقدير واحد فاعل فأُخر الفاء وهو الواو فقلت ياء لانكسار ما قبلها وقدم العين فصار تقديره (عالفٌ) ومثله قول القطامي:
* عين عصيًّ فصار قسياً *
ووزن (شاةٍ) (فعلةٌ) أصلها شوهةٌ تحركت الواو وقبلها فتحة فانقلبت ألفاً وحذفت الهاء التي هي لام الفعل لخفائها ووقوعها بعد الألف طرفاً كما حذفت من شفة تخفيفاً.
ووزن (اللات) على اللفظ (فعهٌ) والأصل (فعلةٌ) لويةٌ، حذفت الياء فبقيت لوةٌ وفتحت لمجاورة الهاء فانقلبت ألفاً وهي مشتقة من لويت على الشيء إذا أقمت عليه. وقيل: وزنها لوهةٌ (فعلةٌ) من لاء السراب يلوه إذا لمع، وبرق قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وحذفوا الهاء لكثرة الاستعمال، واستثقال الجمع بين هاءين.
(والأوار) مقلوب من وأرت إرةً، وزنه (عفال).
(والرفة) التبن حذف من أوله واو، أصلها ورفةٌ، ووزنه (علةٌ).
ووزن (يهود) (يفعل)؛ لأنهم سموه بالفعل المستقبل من هاد يهود أصله يفعل، استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى الهاء.
(ومئنة) وزنها (فعيلة) عن الأصمعي؛ لأن الميم أصلية عنده من مأنته تمئنةً أعلمته، قال: وحقها أن تكون مئينةً كمعينة، إلا أنها هكذا رويت بالتشديد، إلا أن يكون أصل الحرف من غير هذا فيكون وزنها مفعلة من إن المكسورة كما تقول: معساةٌ أي مجدرة ومظنَّة قال الأصمعي: سألني شعبة عن حديث ابن مسعود: (إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل) فقلت: مئنة أي علامة لذاك وخليق، وقال أبو زيد: هو مئته بالتاء أيمخلقة وهي (مفعلة) من أته أتا غلبة بالحجة، وقال غيره وزنها (فعلة) من مأن إذا احتمل، ويقال فيها أيضاً: مأنة بالفتح.
وأما (سهٌ) فحذفت منها العين أصلها ستةٌ ووزنها (فلٌ)، ويقال لها ستٌ أيضاً والمحذوف منها الهاء ووزنها (فعٌ).
(واستٌ) حذفت منها اللام أصلها ستههٌ حذف لام الفعل والهاء وزيدت ألف الوصل في أولها، ووزنها (إفع).
وكذلك (فسة) حذفت لامه؛ لأنه من فأوت وفأيت وزنها فعة.
وأما (أيِّمٌ) فوزنها (فيعلٌ) والجمع أيامى (فعالى) والأصل أيائم (فعائل) فقدمت الميم.
المصدر: أبنية الأسماء والأفعال والمصادر