المؤلف: أبو البقاء العكبري
المحقق: د. عبد الرحمن العثيمين

مسألة المضاف إلى ياء المتكلّم


ليس في الكلام كلمة لا معرفة ولا مبنيّة، وذهبَ قومٌ إلى ذلك، فقالوا: في المُضافِ إلى ياءِ المْتكلّم نحو: غُلامي ودَاري هو لا معربٌ ولا مبنيُّ.

وحجّة الأولين: أنّ القِسمةَ العَقليّة تقضي بانحصارِ هذا المعنى في القِسمين المَذكورين، المُعرب والمَبني؛ لأنّ المعربَ هو الذي يَختلف آخره لاختلافِ العاملِ فيه لفظًا أو تقديرًا، والمبني ما لَزِمَ آخره حركة أو سكونًا، وهذان ضِدّان لا واسطةَ بينهما؛ لأنَ الاختِلافَ وعدمَ الاختلافِ يقتسمان قسمي النّفي والإثبات، وليس بينهما ما ليس بُمثبتٍ، ولامَنفيَّ، يدلُّ عليه أنَّ الأضدادَ قد تكثر مثل البَياض والحُمرة والسّواد لكن لكلِّ واحدٍ منها حقيقةٌ في نفسه، والنَّفيُ والإِثبات ليس بينهما واسطةُ هي ضدُّ ينبئُ عن حقيقةٍ كالحركة والسكون.

واحتجَّ الآخرون: بأنَّ المضافَ إلى ياءِ المُتكلِّمِ ليس بمعربٍ، إذ لو كان مُعربًا لظهرت فيه حركةُ الإعراب، لأنّه يقبلُ الحركة، وليس بمبنيٍّ، إذ لا عِلّة للبناءِ هُنا، فلزمَ أن ينتَفي الوصفان عنه، ويَجِبُ أن يعرفَ باسمٍ يَخصُّهُ، وتَلقيبه بالخَصيّ موافقٌ لمعناه؛ لأنّ الخصيَّ معدومُ فائدةِ الذُّكوريّة، ولم يثبت له صفةُ الأنوثيّة، فهو في المعنى كالمضافِ إلى الياءِ المتكلّمِ، فإنّه كان قبلَ الإِضافةِ معربًا، فلمّا عَرَضَتْ له الإِضافة زالَ عنه الإِعرابُ، ولم يَثُبت له صِفة البِناء، كما أنَّ السَّليم الذَّكر والخِصيتين عرضَ له إزالتُها ولم يَصر بذلِكَ أنثى

والجواب عمّا ذَكروه من وَجهين:
أحدُهما: أنّا نقولُ هو معربُ تارةً لكنّ ظهورَ الحركةِ فيه مستثقلةٌ كما تُستَثْقَلُ على الياءِ في المنقوص، وكما تمتنع على الألف ولم يمنع ذلك من كونه مُعربًا، وتارةً نقول: هو مبني، وعلَّة بنائه أنّ حركتَه صارت تابعةً للياءِ، فتعذَّر أن تكونَ دالّة على الإِعراب ولذلك أشبه الحَرف، لأنّه أصلُ قبلَ الإِضافةِ، وصارَ بعدَ الإِضافةِ تابعًا للمُضمر الذي هو فَرع، كما أنّك تُحرِّك الساكنَ لالتقاء الساكنين، وحركةُ التقاءِ الساكنينحركةُ بناءٍ، ولذلك إذا وَجَدت في المُعرب كانت بناءً كقولك: ((لَم يسدَّ)) ولم يَصرْ هذا الفعلُ معربًا، وضمُّه، أو فَتحُهُ، أو كسرُهُ بناءٌ.

والوجه الثاني: أنّ تَسمية خَصِيّاً خَطأٌ؛ لأنّ الخَصي ذكرُ على التَّحقيق، وإنَّما زالَ عنه بعض أَعضائه، وحقيقةُ الذُّكوريّة وحُكمها باقيان ولا يَجوز أن يقالَ ليس بذكرٍ ولا أُنثى، (وإنَّما الأَشبه بما أرادوه أن يُسمّى خُنثى مُشكِلاً، لأنَّ الخُنثى لَيس بذكرٍ ولا أُنثى. والله أعلم بالصواب.

المصدر: التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين

اضغط على أيقونة رابط قناتنا على التليجرام

ترك تعليق