كتبه: أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي
المحقق: د. فخر الدين قباوة
وجوه الرفع (2)
وَالرَّفْع بِخَبَر إِن
قَوْلهم إِن زيدا قَائِم إِن عبد الله خَارج وَيَقُولُونَ إِن عبيد الله الظريف خَارج نصبت عبد الله بإن ونصبت الظريف لِأَنَّهُ من نَعته وَرفعت خَارِجا لِأَنَّهُ خَبره
فَإِذا فصلوا بَين الِاسْم والنعت كَانُوا بِالْخِيَارِ إِن شاؤوا رفعوا النَّعْت وَإِن شاؤوا نصبوه يَقُولُونَ إِن زيدا خَارج الظريف وَيَقُولُونَ إِن زيدا خَارج الظريف
قَالَ الله عز وَجل {قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب} إِن شِئْت رفعت علام وَإِن شِئْت نصبت وَالرَّفْع أحسن
وَتقول إِن زيدا خَارج وَمُحَمّد نصبت زيدا بإن وَرفعت خَارِجا لِأَنَّهُ خَبره وَرفعت مُحَمَّدًا لِأَنَّهُ اسْم جَاءَ بعد خبر مَرْفُوع وَإِن شِئْت نصبت مُحَمَّدًا لِأَنَّك نسقته بِالْوَاو على زيد
وَمثله قَول الله جلّ وَعز فِي التَّوْبَة {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين}
وَرَسُوله) رفع رَسُوله لِأَنَّهُ اسْم جَاءَ بعد خبر مَرْفُوع وَإِن شِئْت نصبت وَالرَّفْع أَجود وَمثله قَوْله عز وَجل {وَإِذا قيل إِن وعد الله حق والساعة لَا ريب فِيهَا} رفع لِأَنَّهُ اسْم جَاءَ بعد خبر مَرْفُوع وَإِن شِئْت نصبت وَالرَّفْع أَجود
وَأما قَول الشَّاعِر
(فَمن يَك أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْله … فَإِنِّي وقيار بهَا لغريب)
وَقد نَصبه قوم وَهُوَ أَجود وَإِنَّمَا رَفعه لِأَنَّهُ توهم أَنه اسْم جَاءَ بعد الْخَبَر على قَوْله إِنِّي لغريب وقيار بهَا وَلَو قلت إِن زيدا وَعبد الله منطلقان لَكَانَ لحنا وَإِنَّمَا جَازَ فِي الأول لِأَنَّهُ توهم أَنه اسْم جَاءَ بعد خبر مَرْفُوع
وعَلى هَذَا تقْرَأ هَذِه الْآيَة فِي الْمَائِدَة {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا والصابئون} رفع الصابئين على الِابْتِدَاء وَلم يعْطف على مَا قبله وَكَذَلِكَ قرؤوا {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ} ثمَّ قرؤوا {والجروح قصاص}
وَيُقَال إِنَّه عطف على مَوضِع إِن لِأَن موضعهَا مُبْتَدأ وَيُقَال مقدم ومؤخر قَالَ الفرزدق
(تَنَح عَن الْبَطْحَاء إِن جسيمها … لنا وَالْجِبَال الباذخات الفوارع)
فَرفع الْجبَال على الِابْتِدَاء وَلم ينسق وعَلى هَذَا يقْرَأ فِي الْمَائِدَة {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} إِلَى آخر الْآيَة وَقَالَ آخر وَهُوَ الفرزدق
(إِن الْخلَافَة والنبوة فيهم … والمكرمات وسَادَة أبطالا)
فنصب إتباعا
(وَإِنَّمَا يجوز هَذَا فِي أَن وَلَكِن وَأما كَأَن وليت وَلَعَلَّ فَلَيْسَ إِلَّا النصب فِي النَّعْت وَالِاسْم والنسق تقدم أَو تَأَخّر تَقول كَأَن زيدا قَائِم وأباك وليت زيدا خَارج الظريف وليت مُحَمَّدًا منطلق وأباك وَإِنَّمَا صَار كَذَلِك لِأَن إِن وَلَكِن تحقيقان وَكَأن تشبيهه وَلَعَلَّ شكّ وَرُبمَا كَانَت رَجَاء وليت تمن
وَأما قَول المتلمس
(أطريفة بن العَبْد إِنَّك جَاهِل … أبساحة الْملك الْهمام تمرس
(ألق الصَّحِيفَة لَا ابالك إِنَّنِي … أخْشَى عَلَيْك من الخناء النقرس)
رفع النقرس لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنا النقرس وَهُوَ الْعَالم يُقَال رجل نقريس نطيس
وَأما قَول الآخر
(إِن فِيهَا أَخِيك وَابْن هِشَام … وَعَلَيْهَا أَخِيك والمختارا)
هَذَا لغز يُرِيد أخي كوى من الكي بالنَّار
وَأما قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {إِن هَذَانِ لساحران} فقد ذكر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ إِن الله تبَارك اسْمه أنزل الْقُرْآن بلغَة كل حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب فَنزلت هَذِه الْآيَة بلغَة بني الْحَارِث بن كَعْب لأَنهم يجْعَلُونَ الْمثنى بِالْألف فِي كل وَجه مَرْفُوعا فَيَقُولُونَ رَأَيْت الرّجلَانِ ومررت بالرجلان وأتاني الرّجلَانِ وَإِنَّمَا صَار كَذَلِك لِأَن الْألف أخف بَنَات الْمَدّ واللين
قَالَ الشَّاعِر
(إِن لسلمى عندنَا ديوانا … اخرى فلَانا وَابْنه فلَانا)
(كَانَت عجوزا غبرت زَمَانا … وَهِي ترى سيئها إحسانا)
(نصرانة قد ولدت نصرانا … أعرف مِنْهَا الْجيد والعينانا)
(ومقلتان أشبها ظبيانا … )
رفع الْمثنى فِي كل وَجه وَقَالَ العينانا فنصب نون الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ جعل النُّون حرفا لينًا فصرفها إِلَى النصب
وَقَالَ بَعضهم فِي هَذَا النَّحْو
(بمصرعنا النُّعْمَان يَوْم تألبت … علينا تَمِيم من شظى وصميم)
(تزَود منا بَين اذناه ضَرْبَة … دَعَتْهُ إِلَى هابي التُّرَاب عقيم
قَالَ أذنَاهُ وَهُوَ فِي مَوضِع الْخَفْض وَقد يكون إِن فِي معنى نعم فِي بعض لُغَات الْعَرَب قَالَ الشَّاعِر
(بكرت عَليّ عواذلي … يلحينني وألومهنه)
(وَيَقُلْنَ شيب قد عرَاك … وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه)
أَي نعم وَأجل وَقَالَ آخر
(شَاب المفارق إِن إِن من البلى … شيب القذال مَعَ العذال الْوَاصِل)
أَي نعم نعم وَقَالَ آخر
(قَالَ سليمى لَيْت لي بعلا يمن … يغسل عَن رَأْسِي وينسيني الْحزن)
(وحاجة لَيست لَهَا عِنْدِي ثمن … مستورة قَضَاؤُهَا مِنْهُ وَمن)
(قَالَت بَنَات الْعم يَا سلمى وَإِن … كَانَ فَقِيرا معدما قَالَت وَإِن)
(قَالَت وَإِن قَالَت وَإِن قَالَت وَإِن)
أَي نعم
قَالَ الإِمَام الْخَلِيل بن أَحْمد وَأَنا أقرؤها إِن شِئْتُم مُخَفّفَة على الأَصْل {إِن هَذَانِ لساحران} أَي مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران قَالَ الشَّاعِر
(غدر ابْن جلموز بِفَارِس بهمة … عِنْد اللِّقَاء وَلم يكن بمعرد)
(ثكلتك أمك إِن قتلت لمسلما … حلت عَلَيْك عُقُوبَة الْمُتَعَمد)
أَي مَا قتلت إِلَّا مُسلما وَفِي قِرَاءَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا {إِن هَذَانِ لساحران}
وَأما قَول الشَّاعِر
(فَلم ترعيني مثل سرب رَأَيْته … خرجن علينا من زقاق ابْن وَاقِف)
قَالَ رَأَيْته وَلم يقل رأيتهن لِأَن الْهَاء صلَة وَلَيْسَت بكناية وَكَذَلِكَ قَول الله جلّ اسْمه فِي سُورَة الْجِنّ {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} الْهَاء صلَة وَلَيْسَت بكناية
وَالرَّفْع ب مذ:
ومذ ترفع مَا بعْدهَا مَا كَانَ مَاضِيا وتخفض مَا لم يمض تَقول مَا رَأَيْته مذ يَوْمَانِ ومذ سنتَانِ ومذ ثَلَاث لَيَال ومذ سنة ومذ شهر ومذ سَاعَة قَالَ الشَّاعِر
(أَبَا حسن مَا زرتكم مذ سنية … من الدَّهْر إِلَّا والزجاجة تقلس)
وَقَالَ آخر
(لمن الديار بقنة الْحجر … أقاوينا مذ حجج ومذ شهر)
ف مذ ترفع مَا بعْدهَا حَتَّى تَأتي بِالْألف وَاللَّام فَإِذا جَاءَ الْحَرْف وَفِيه ألف وَلَام وَهُوَ لم يمض فَإِن الْعَرَب تخْفض ب مذ حِينَئِذٍ تَقول مَا رَأَيْته مذ الْيَوْم ومذ السَّاعَة وَمَا كَانَ مَاضِيا لَا ترفعه حَتَّى تصفه تَقول مَا رَأَيْته مذ الْيَوْم الْمَاضِي وَمَا رَأَيْته مذ الْيَوْم الطّيب.
وَأما مُنْذُ الثَّقِيلَة فَإِنَّهَا تخْفض مَا مضى وَمَا لم يمض على كل حَال.