مسألة [٢٣]
ومن ذلك /٣٣ قوله في باب ترجمته:
هذا باب وقوع الأسماء ظروفا وتصحيح اللفظ بها على المعنى، قال: إذا قلت: سير عليه شهر كذا وكذا نصب أو رفع، قال: يكون على متى وعلى كم، وزعم أن جميع ما يكون جوابا فقد يكون جوابا لـ (كم)، وقد يكون في كم ما لا يكون في متى، لأن كم هو الأول.
قال محمد: أما إصابة اللفظ فكما قال في المسألة، ولكن العلة ليست من ها هنا، إنما دخلت كم على الظروف من الزمان التي يستفهم عنها بـ (متى) من قبل أن الظروف إنما هي أسماء أيام وليال، و (كم) إنما هي للعدد، فدخلت على عدة الأيام والليالي كما تدخل على غير ذلك مما يُعد، تقول: كم يوما سير عليه، كما تقول: كم فرسخا سير عليه؟ وكم مكانا قمت فيه؟ فهذه ظروف من المكان، وهي لـ (أين) كظروف الزمان لـ (متى)، وكم درهما لك وكم غلاما لك في التمييز بهذه المنزلة، إنما هو أجمع من طريق العدد.
قال أحمد: يقال له: ذكرت أن كم تدخل على الأيام والليالي كلها لأنها عدد، وهذا ما لا يجهل، فهلا ذكرت لم امتنعت متى من الدخول على جميعها، لأن جميعها أوقات ومتى للوقت كما كان جميعها عددا وكم للعدد.
فإن قال “لأن” متى إنما هي للوقت الخاص، يستفهم بها على المعرفة أو ما قارب المعرفة، وكم يستفهم بها عن المعرفة والنكرة، قيل له: فقد صارت كم بذلك أعم من متى، والعام قبل الخاص، هذا كقول سيبويه في موضع آخر: إن المعرفة بعد النكرة، وهو معنى قوله في كم.
فلو فسرنا لنا محمد معنى قول سيبويه: إن كم هو الأول لاستغنى عن ذكر العلة التي أتى بها، وكم إنما هي للعدد والمقادير، والعدد معنى في نفس الشيء المعدود، وزمانه غيره، فهي في الرتبة الأولى.
وأما قوله: إن الأزمنة أسماء أيام وليال فلذلك دخلت عليها كم، فنحن نوجده من الأزمنة ما لا ينقسم في تسمية العرب إلى أوقات وكم داخلة عليه، وذلك قولك: كم سرت؟ فتقول: الساعة، والساعة عند العرب /٣٤ أقل الأوقات في التسمية، وليست تجزئها إلى أقل منها بأسماء كما تجزئ اليوم بالساعات والشهر وبالأيام والسنة بالشهور، ولذلك لا يجوز أن يقول القائل: لقيته من الساعة كما يقول: لقيته من اليوم، لأنه إذا قال: لقيته من اليوم، فإنما يريد من أول ساعة في اليوم إلى الوقت الذي فيه هذا القول، لأن اليوم يجزأ إلى الساعات، ولما لم تكن الساعة تجري عندهم هذا المجرى لم يجيزوا فيها هذا القول، فأما ما يذهب إليه أهل التنجيم من تقسيم الساعة إلى دقائق معلومة فإن العرب لا تذهب فيها إلى ذلك المذهب، وإنما تضعها على أقل الأوقات منها، ولو ذهبت في الساعة إلى مذهبهم لجعلت للجزء منها اسما كما جعلت للجزء من اليوم اسما.
المصدر: الانتصار لسيبويه على المبرد