﴿ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) ﴾
الاعراب:
﴿ وَإِذا ﴾ الواو استئنافية والجملة بعدها مستأنفة لا محل لها ويجوز أن تكون الواو عاطفة والجملة بعدها معطوفة على جملة يكذبون فتكون في موضع نصب عطفا على خبر كان والمعطوف على الخبر خبر فهي بهذه المثابة جزء من السبب الذي استحقوا به العذاب الأليم وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه.
(﴿ قِيلَ ﴾) فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه تقديره يعود على الله تعالى وفي هذا التعبير بحث هام سيأتي في باب الفوائد وجملة قيل في محل جرّ بإضافة الظرف إليها.
(﴿ لَهُمْ ﴾) الجار والمجرور متعلقان بقيل
﴿ لا ﴾) الناهية الجازمة
﴿ تُفْسِدُوا ﴾ فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو فاعل
﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ الجار والمجرور متعلقان بتفسدوا
﴿ قالُوا ﴾ فعل وفاعل والجملة الفعلية لا محل لها من الاعراب لأنها جواب شرط غير جازم
﴿ إِنَّما ﴾ كافة ومكفوفة.
﴿ نَحْنُ ﴾ مبتدأ
﴿ مُصْلِحُونَ ﴾ خبر نحن مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة في محل نصب مقول القول
(﴿ أَلا ﴾ حرف تنبيه يستفتح بها الكلام
﴿ إِنَّهُمْ ﴾ إن حرف مشبه بالفعل والهاء اسمها
﴿ هُمُ ﴾ ضمير فصل أو عماد لا محل له من الاعراب ولك أن تعرب هم مبتدأ
﴿ الْمُفْسِدُونَ ﴾ خبره والجملة الاسمية في محل رفع خبر إن
﴿ وَلكِنْ ﴾ الواو عاطفة ولكن مخففة من الثقيلة لمجرد الاستدراك
﴿ لا ﴾ نافية ﴿ يَشْعُرُونَ ﴾ فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة معطوفة على ما تقدم
﴿ وَإِذا قِيلَ ﴾ الواو استئنافية أو عاطفة وقد تقدم الكلام عنها وجملة فيل الفعلية في محل جر بإضافة الظرف إليها
﴿ لَهُمْ ﴾ الجار والمجرور متعلقان بقيل وجملة قيل في محل جر بإضافة الظرف إليها
﴿ آمِنُوا ﴾ فعل أمر مبني على حذف النون والواو والجملة لا محل لها لأنها مفسرة ونائب الفاعل مصدر وهو القول وقد أضمر لأن الجملة بعده تفسرة والتقدير: وإذا قيل لهم قول هو آمنوا لأن الأمر والنهي قول وقد منع النحاة أن تكون الجملة قائمة مقام الفاعل لأن الجملة لا تكون فاعلا فلا تقوم مقامه
﴿ كَما ﴾ الجار والمجرور نعت لمصدر محذوف والتقدير آمنوا إيمانا كإيمان الناس، واختار سيبويه أن يكون في محل نصب على الحال سواء أكانت الكاف حرفا أم اسما بمعنى مثل وصاحب الحال هو المصدر المفهوم من الفعل المتقدم وما مصدرية
﴿ آمَنَ النَّاسُ ﴾ فعل وفاعله
﴿ قالُوا ﴾ فعل وفاعل وإذا متعلقة بقالوا والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم
﴿ أَنُؤْمِنُ ﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري ونؤمن فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن
﴿ كَما ﴾ تقدم إعرابها قريبا
﴿ آمَنَ السُّفَهاءُ ﴾ فعل وفاعل
﴿ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ تقدم إعراب نظير هذه الجملة قريبا.
البلاغة:
1- في الآية خروج الاستفهام من معناه الأصلي وهو طلب العلم إلى أغراض أخرى تفهم من مضمون الكلام وتفصيله في علم المعاني ومردّ ذلك الى الذوق السليم وقد صدق فولتير حيث يقول: «ذوقك أستاذك».
2- التغاير: وهو فنّ يكاد يكون من المرقص فقد وردت في الفاصلة الأولى «لا يشعرون» ووردت في الفاصلة الثانية «لا يعلمون» لسرّ عجيب لا يدركه إلا الملهمون وتفصيل ذلك: أن أمر الديانة، والوقوف على أن المؤمنين هم على الحقّ وأما المنافقون فهم على الباطل، هو أمر يحتاج الى بعد نظر واستدلال حتى يكتسب الناظر العلم والمعرفة وأما النفاق وما فيه من البغي المؤدي الى اشتجار الفتنة، واستبحار الفساد في الأرض، فأمر دنيويّ مبنيّ على العادات، وهو معلوم عند الناس، بل هو بمثابة المحسوس عندهم فلذلك قال فيه:
لا يشعرون وأيضا فإنه لما ذكر السّفه في الآية الثانية وهو جهل مطبق كان ذكر العلم أكثر ملاءمة فقال: لا يعلمون وهذا من الدقائق فتنبّه له.
﴿ وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)﴾
الاعراب:
﴿ وَإِذا ﴾ عطف على ما تقدّم وقد تكرر إعراب إذا فيقاس على ما تقدّم
﴿ لَقُوا ﴾ أصله لقيوا وهو فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة استثقلت الضمة على الياء فحذفت ونقلت حركتها الى القاف والواو فاعل والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها
﴿ الَّذِينَ ﴾ اسم موصول مفعول به
﴿ آمَنُوا ﴾ فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها صلة الموصول
﴿ قالُوا ﴾ فعل وفاعل والجملة الفعلية لا محل لها من الاعراب لأنها جواب شرط غير جازم
﴿ آمَنَّا ﴾ فعل وفاعل والجملة الفعلية مقول القول
﴿ وَإِذا ﴾ عطف على وإذا المتقدمة
﴿ خَلَوْا ﴾ فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والواو فاعل والجملة في محل جر باضافة الظرف إليها
﴿ إِلى شَياطِينِهِمْ ﴾ الجار والمجرور متعلقان بخلوا والى معناها انتهاء الغاية وسيأتي بحثها في باب الفوائد
﴿ قالُوا ﴾ فعل ماض والجملة لا محل لها من الاعراب
﴿ إِنَّا ﴾ إن حرف مشبه بالفعل ونا ضمير متصل في محل نصب اسمها
﴿ مَعَكُمْ ﴾ مع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر إن والكاف مضاف اليه وجملة إنا معكم اسمية في محل نصب مقول القول
﴿ إِنَّما ﴾ كافة ومكفوفة
﴿ نَحْنُ ﴾ ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ
﴿ مُسْتَهْزِؤُنَ ﴾ خبر نحن مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة الاسمية تأكيد لجملة إنا معكم فهي داخلة في حيّز مقول القول ولك أن تجعلها مستأنفة لا محل لها مبنية على سؤال نشأ من ادعاء المعيّة كأنه قيل لهم عند قولهم: إنا معكم فما بالكم تشايعون المؤمنين بكلمة الايمان؟ فقالوا: إنما نحن مستهزئون أو انها تعليلية للمعيّة
﴿ اللهُ ﴾ مبتدأ
﴿ يَسْتَهْزِئُ ﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا يعود على الله والجملة الفعلية خبر
﴿ بِهِمْ ﴾ الجار والمجرور متعلقان بيستهزىء
﴿ وَيَمُدُّهُمْ ﴾ الواو عاطفة ويمدهم فعل مضارع مرفوع عطفا على يستهزىء والفاعل مستتر تقديره هو والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به
﴿ فِي طُغْيانِهِمْ ﴾ الجار والمجرور متعلقان بيمدهم
﴿ يَعْمَهُونَ ﴾ فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة الفعلية في محل نصب على الحال من الضمير في يمدهم.
البلاغة:
انطوت هاتان الآيتان على فنون عديدة من فنون البلاغة نوجزها فيما يلي:
1- المفارقة بين الجمل فقد خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وهي جملة آمنا وخاطبوا شياطينهم بالجملة الاسمية وهي جملة إنا معكم وذلك لأن الجملة الاسمية أثبت من الجملة الفعلية فإيمانهم قصير المدى لا يعدو تحريك اللسان، أو مدة التقائهم بالمؤمنين وركونهم الى شياطينهم دائم الاستمرار والتجدد وهو أعلق بنفوسهم، وأكثر ارتباطا بما رسخ فيها.
2- المخالفة بين جملة مستهزئون وجملة يستهزىء لأن هزء الله بهم متجدد وقتا بعد وقت، وحالا بعد حال، يوقعهم في متاهات الحيرة والارتباك زيادة في التنكيل بهم.
3- المشاكلة: فقد ثبت أن الاستهزاء ضرب من العبث واللهو وهما لا يليقان بالله تعالى، وهو منزه عنهما ولكنه سمّى جزاء الاستهزاء استهزاء فهي مشاكلة لفظية لا أقل ولا أكثر.
4- الفصل الواجب في قوله: «الله يستهزىء بهم» لأن في عطفها على شيء من الجمل السابقة مانعا قويا لأنها تدخل عندئذ في حيز مقول المنافقين والحال أن استهزاء الله بهم وخذلانه إياهم ثابتان مستمران سواء خلوا الى شياطينهم أم لا فالجملة مستأنفة على كل حال لأنها مظنّة سؤال ينشأ فيقال ما مصير أمرهم؟ ما عقبى حالهم؟ فيستأنف جوابا عن هذا السؤال.