ألغاز لابن الشجري، لغز الدين الموصلي
قال أبو السعادات ابن الشجري في المجلس الخامس والستين من (أماليه).
هذه الأبيات ألغاز سُئلت عنها:
اسمعْ أبا الأزهر ما أقولُ = عليك فِيما نابنَا التَّعويلُ
مسئلة أغفَلهَا الخليلُ = يرفعُ فيها الفاعلَ المفعولُ
ويضْمر الوافر والطويل
فأجبت بأن الإضمار من الألقاب العروضية والنحوية، فهل في العروض لقب زحاف يقع في البحر المسمى الكامل، وهو أن يسكن الحرف الثاني من (متَفاعلن) فيصير (متْفاعلن) فينقل إلى (مستفعلن) والبحران الملقبان (الطويل) و (الوافر) ليس الإضمار من ألقاب زحافهما.
والإضمار في النحو أن يعود ضمير إلى متكلم أو مخاطب أو غائب كقوله في إعادة الضمير إلى الغائب زيد قام وبشر لقيته وبكر مررت به.
فهذا هو الإضمار الذي أراده بقوله ويضمر الوافر والطويل، لا الإضمار الذي هو زحاف.
وقد وضعت في الجواب عن هذا السؤال كلامًا يجمع إضمار الطويل والوافر ورفع المفعول للفاعل، وهو قولك “ظننتُ زيدًا الطويلَ حاضر أبوه”، “وحسبت عَمرا الوافر العقل مقيما أخوه”، فقولك حاضرًا ومقيمًا مفعولا لظننت وحسبت، وقد ارتفع بهما أبوه وأخوه كما يرتفعان بالفعل، لو قلت “يحضر أبوه ويقيم أخوه”، والهاء في قولك أبوه ضمير الطويل، والهاء في قولك أخوه ضمير الوافر، فقد أضمرت هذين الاسمين بإعادتك إليهما هذين الضميرين.
وقولك أبوه وأخوه فاعلان رفعهما هذان المفعولان مفعولا ظننت وحسبت، وبالله التوفيق والتسديد.
لغز لعز الدين الموصلي في أمس
لغز في أمس: كتب بها عز الدين بن البهاء الموصلي إلى الصلاح الصفدي: يا إمامًا شاع ذكره، وطاب نشره، فطيب الوجود وعطر، وفاضلا بين كل معمى ومترجم وأرخ وترجم وعمن عبر عبر، وكتب فكبت الأعادي، وكتب من دون خطر وحطة فرسان الأذهان والأيادي، فتخطى قوام قلمه وتخطر.
إذا أخذَ القرطاسَ خِلت يمينَه *** تفتحُ نورًا أو تنظِّمُ جَوْهَرَا
ما اسم ثلاثى الحروف وهو من بعض الظروف ماض، إن تصحفه عاد فعل أمر، وإن ضممت أوله صار مضارعًا فاعجب لهذا الأمر، إن أردت تعريفه بأل تنكر، أو تغيرت عليه العوامل فهو لا يتغير.
كل يوم يزيد في بُعده ولا يقدر على رده، إن نزعت قلبه بعد قلبه فهو في لعبة النرد موجود، وقلبه سما فلا تناله الأحزاب والجنود، وكل ما في الوجود إلى حاله يعود، به يضرب المثل، ومنه انقطع الأمل، ثلثاه حرف استفهام، إن تعكس يطرد ذلك النظام، وثلثه الأول كذلك، وعكس ثلثيه يترك الحي هالكًا في الهوالك، لا يوصف إلا بالذهاب وليس له إلى هذا الوجود إياب، وهو ثلاثة وعدده فوق المائة، وكم رجل يُعد بفئة، وليس في الوجود، بنى وفيه أس ولكن لا في السماء ولا في الأرض ولا في هبوط ولا في صعود.
طرفاه اسم لبعض الرياحين العطرة، وكله جزء من الياسمين لمن اعتبره، مكسور لا يُجبر؛ وغائب لا يستحضر، أقرب من رجوعه منال معكوسه، يدركه العاقل بفكره وليس بمحسوسه، أبِنه لا زلت تزيل الإشكال وتزين الأضرب والأشكال.
جواب اللغز للصلاح الصفدي:
فكتب إليه الجواب – وقف المملوك على هذا اللغز الذي أبدعته، وفهم بسعدك السر الذي ودعته، فوجدته ظَرْفا ملأته منك ظُرفا واسما بنى لما أشبه حرفا، ثلاثي الحروف، ثلث ما انقسم إليه الزمان من الظروف إن قلبته سما وأراد حرف (تنفيس) وما بقي منه ما، ثلثاه مس وكله بالتحريك أمس، وهو بلا أول، تصحيفه مبين، وفى عكسه سم بيقين، التقى فيه ساكنان فبنى على الكسر ووقع بذلك في الأسر، لا ينصرف بالإعراب ولا يدخله تنوين فى لسان الأعراب، يبعد من كل إنسان، وينطق به وما يتحرك به لسان، لا يدرك باللمس، ولا يرى وفيه ثلثا شمس، تتغير صيغته حال النسبة إليه، ويدخله التنوين إذا طرأ التنكير عليه، متى بات فات ولم يعد له إليك التفات، أمين على ما كان من قربه، يعجز كل الناس عن رده، فماضيه ما يرد، وثانيه ما يصد، وطريق ثالثه ما يسد يقصد (أمس).
ثلاثةُ أيامٍ هي الدهرُ كلُّه *** وما هِى غيرَ اليوم والأمسِ والغدِ