كتبه/ نورية مرنيز

مقدمة:

لقد أضحت اللغة العربية الفصحى محل اهتمام العديد من الدول والشعوب خاصة الدول الغربية منها، وهي بذلك تحتل مكانة مرموقة، وهذا ما جعل الباحثين والدارسين يشتغلون عليها ويوجهون جل بحوثهم ودراستهم اتجاهها.

إذ تعتبر اللغة وظيفة اتصالية، ذلك أن الإنسان ميال بطبعه إلى التواصل مع غيره من بني جنسه كونه كائن اجتماعي بطبعه، يؤثر ويتأثر مع الآخرين في هذا الوجود.

وباعتبار أن اللغة العربية لغة قرآن تحدّث بها سيد البشر محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأضفى عليها جمالية وإبداعًا سواء من حيث النطق أو الكتابة، إلا أن هذه اللغة اختلطت بلسان أعجمي، ما جعل العلماء اللغويين يسطرون لها قواعد وضوابط؛ حفاظًا على قدسيتها كونها لغة قرآن، وذلك حماية لها من اللحن والخطأ.

إن التحدث باللغة العربية الفصحى ليس بالأمر الهيّن، إنما ينبغي على الفرد اتباع طرق واستخدام وسائل تساعده على ضبط لسانه وتنظيم فكره حتى لا يقع في عدة عراقيل تشكل حاجزًا له يعيق عليه مواصلة تعلّمها.

وعليه فيمكن طرح الإشكال الآتي: ما المقصود بمهارة التحدث بالفصحى؟ وما الطرق والوسائل المساعدة على ضبط اللسان وجعل الفرد يتمكن من إتقانها بشكل جيد وواضح؟

للإجابة على هذا التساؤل تطرقنا إلى اتباع العناصر التالية:

1- تعريف المهارة:

تعد اللغة مجموعة من المهارات والتي لا بد للمتعلم أن يتقنها، وهذا ما نظر له علماء اللغة وعلماء النفس[1]، وقبل الحديث عن كيفية امتلاك المهارة ينبغي علينا معرفة المقصود بالمهارات.

عرفها ابن منظور بقوله: “الحذق في الشيء، والماهر الحاذق بكل عمل”[2].

ويعرف العلماء المهارة على أنها: “نشاط عضوي، إرادي، مرتبط باليد أو اللسان أو العين أو الأذن”[3]، ويعرفها Good في قاموسه للتربية بأنها “الشيء الذي يتعلمه الفرد ويقوم بأدائه بسهولة ودقة سواء كان هذا الأداء جسميا أو عقليا، وأنها تعني البراعة في التنسيق بين حركات اليد والأصابع والعين”[4]، كما يمكن القول بأن المهارة شيء يمكن تعلمه أو اكتسابه أو تكوينه لدى المتعلم عن طريق المحاكاة والتدريب، وما يتعلمه يختلف باختلاف نوع المادة وطبيعتها وخصائصها والهدف من تعلمها”[5].

وعليه؛ فإن المهارة هي تلك التقنية التي يكتسبها الفرد عن طريق التعلم والتدرب مع اكتشاف الطرق والوسائل التي تمكنه من ممارستها بالطريقة الصحيحة للوصول إلى العمل بها.

2- طرق التحدث بالفصحى:

أ‌- تعريف مهارة التحدث بالفصحى:

يعتبر التحدث أحد المهارات اللغوية التي ينبغي على الفرد تعلمها واكتسابها، فهو من الوسائل الأساسية في التعبير، لأنه ترجمة اللسان لما تم سماعه والإنصات إليه، وتستخدم مهارة التحدث في العديد من المواقف التي تصادف الفرد، ولذا وجب عليه إتقانها.

تعريف التحدث:

هو”عملية تتضمن القدرة على التفكير واستعمال اللغة والأداء الصوتي والتعبير الملمحي، وهو نظام متعلّم وأداء فردي يتم في إطار اجتماعي نقلًا للفكر وتعبيرًا عن المشاعر([6]).

ويعرف أيضًا بأنه: “نقل المعتقدات والأحاسيس والاتجاهات والمعاني والأفكار والأحداث من المتحدث إلى الآخرين بطلاقة مع صحة التعبير وسلامة الأداء، وينطوي على هذا التعريف عنصران أساسيان هما التوصيل والصحة اللّغوية والنطقية وهما قوام عملية الكلام”([7])

إن التحدث بشكل عام نشاط أساسي من أنشطة التواصل بين الأفراد، والتحدث باللغة الفصحى أمر في غاية الأهمية خاصة وأن العربية الفصحى أصبحت ذات صدى كبير وأن تعلم مفرداتها ومعانيها يساعد الفرد على توسيع مداركه وأفكاره والتطلع على أخبار العرب من شعر ونثر لفهمها ومعرفة خباياها.

ب/ أهداف مهارة التحدث بالفصحى:

إن التحدث باللغة الفصحى ليس بالأمر الهين إنما يتطلب الممارسة وبذل المجهود في تعلم القواعد اللغوية وتطبيقها أثناء التحدث، كما ينبغي الاطلاع على الآداب اللغوية من شعر ونثر وحكم والتي تساهم وبشكل كبير في طلاقة اللسان وتدريبه على انتقاء المفردات والألفاظ المناسبة، ومعرفة متى يتم استخدام المفردة ومتى يتم الاستغناء عنها، وقد اشتملت مهارة التحدث بالفصحى على عدة أهداف نذكر من بينها:

– تشجيع المتعلمين على اكتساب الجرأة الأدبية في التعبير، وتدريبهم على الإصغاء والتشارك مع الآخرين في أمور الحياة المختلفة.

– تعويد المتعلمين على سلامة النطق، وتلوين الصوت حسب المواقف الإجتماعية التواصلية.

– تدريب المتعلمين على انتقاء الأفكار واختيار العبارات والمفردات المناسبة واستعمالها.

– تنمية القدرة لدى المتعلمين على الإرتجال وسرعة البديهة.

– تدريب المتعلمين على كيفية مناقشة الآخرين والدفاع عن الآراء بهدوء، والابتعاد عن كل ما يسبب انقطاع سبل التواصل([8]).

ج/ معوقات التحدث بالفصحى:

قد يمتلك الفرد كل المقومات التي تساعده على التحدث، والتي يستطيع من خلالها إتقان اللغة الفصحى والتحدث بها بطلاقة، إلا أنه قد تعترض طريقه بعض المعوقات التي تقف كحاجز بينه وبين التحدث باللغة العربية الفصحى، وهو ما يشكل عائقًا لدى الكثير من الأفراد، ومن ضمن هذه المعوقات:

– الخوف من مواجهة الآخرين، وعدم امتلاك الشجاعة والجرأة للمواجهة.

– الارتباك والخجل عند التحدث مع الآخرين خاصة خارج المؤسسات التعليمية أي في أماكن يكثر فيها التحدث بالعامية كالشارع، أمام أفراد العائلة، أماكن الترفيهية وسائل النقل…إلخ، وهو ما يشكل عائقا حقيقيا من ردت فعل الآخرين.

– نظرة المجتمع للغة العربية على أنها لغة تستخدم وبشكل كبير في المدارس، وأنها لغة خاصة بالأفلام التاريخية.

– عدم ضبط الحروف وعدم خروج الصوت من مخرجه الصحيح.

د/ عوامل نجاح مهارة التحدث بالفصحى:

هناك عدة عوامل لنجاح عملية التحدث بالفصحى، من بينها:

– حفظ القرآن الكريم والتدبر في أحكامه ومعانيه، مع القيام بتفسير المفردات القرآنية العسيرة، ومعرفة مدى استخدامها أثناء الحاجة.

– تعلم القواعد اللغوية النحوية والصرفية والصوتية، والالتزام بتطبيقها أثناء التحدث.

– القراءة بصوت مسموع مع استخدام الإشارات والنبرات الصوتية الملائمة للمواقف.

– كثرة التدريب على التحدث بالفصحى ولو مع النفس وذلك باستخدام الصوت المسموع والابتعاد عن الخوف والارتباك والخجل.

– التسجيل الصوتي وإعادة سماع الصوت لتدارك الأخطاء اللغوية ومعرفة وقوعها، فسماع التسجيل يساعد على اكتساب الجرأة، كما أنَّ ائتلاف الفرد على سماع صوته يكسبه ثقة بالنفس.

– كثرة المطالعة والقراءة وذلك بالاطلاع على الآداب اللغوية من شعر ونثر وحكم، وكذا الرجوع للمعاجم اللغوية التي تكسب الفرد عدة مرادفات وأضداد للمفردة المراد دراستها.

03/ المهارات اللغوية المساعدة على التحدث بالفصحى:

1.3/ مهارة الاستماع:

يعد الاستماع مهارة معقدة وهو أكثر تعقيدًا من القراءة، فالقارئ قد يستعين في فهمه للمادة المقروءة بالصورة أو الرسم، وقد يعاود قراءة الجملة أو الفقرة التي استعصت عليه حتى يحقق غرضه من القراءة، أما في الاستماع فإنه على المستمع أن يتابع المتكلم متابعة سريعة تحقيقا للفهم والتحليل والتفسير والنقد، وهذه العمليات معقدة لا تتيسر إلا لمن أوتي حظا وافرا من التعليم والتدريب على مهارة الاستماع([9])، ويعرف الاستماع على أنه: “مهارة مهمة من مهارتي الاتصال اللغوي بين أفراد المجتمع في معظم المواقف الحياتية، مما يستوجب القيام بدراسة وصفية حول تنمية مهارة الاستماع وما يندرج تحتها من مهارات فرعية”([10])، كما عرفه آخرون بقولهم: “مهارة معقدة يعطي فيها الشخص المستمع للمتحدث كل اهتماماته مركزا على انتباهه إلى حديثه محاولا تفسير أصوات وإيماءاته وكل حركاته وسكناته”([11]).

وبهذا فإن الاستماع يمثل أول المهارات اللغوية التي ينبغي على الفرد التدرب عليها وإتقانها، كون أنه يساهم وبشكل كبير في جعل المهارات اللغوية الأخرى تنمو وتتطور بواسطته كمهارة التحدث بالفصحى التي تحتاج إلى دقة في الاستماع والإنصات، فقد قال تعالى: “وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون”، وقوله عز من قائل: “واستمع يوم ينادي المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج”، والملاحظ من خلال هاتين الآيتين أن الله تعالى أمر بالاستماع وهذا لما فيه من أهمية على حياة الفرد والمجتمع، وعليه ينبغي على الفرد تعلم مهارة الاستماع جيدا.

2.3/ مهارة القراءة:

تعد القراءة ركنا أساسيا من أركان التحدث بالفصحى، كونها تساعد الفرد في بناء أفكاره مع جعله كثير الارتباط بالمطالعة، وتعرف القراءة بأنها “عملية فكرية ديناميكية تفاعلية تنطلق من التعرف إلى أصوات اللغة، إلى فك رموزها وإدراك معاني تعابيرها، واكتشاف استعمالاتها الحقيقية والمجازية، والتعمق في استدلالاتها وذلك بهدف الوصول إلى الفهم القرائي للنصوص المقروءة”([12])، وبهذا فإن القراءة عملية غاية في التعقيد، إذ إنَّها تقوم على أساس تفسير الرموز المكتوبة، فهي عملية آلية يقوم بها القارئ وفقا لما تعلمه من قواعد لغوية.

أهمية القراءة:

– تتبين أهمية القراءة بالنسبة للفرد والمجتمع في الآتي:

أ / بالنسبة للفرد: 

تعد القراءة الخطوة الأولى في العلم، وذات أهمية للفرد، فهي:

– تبني شخصية الإنسان المتعلم الذي يسعى إلى المعرفة.

– تمكن الفرد من استخدام الأسلوب العلمي في الحياة، ليتدرج في ملاحظة الظواهر والمشكلات.

– تمكن الفرد من أن يصبح ذا أثر ملموس في الحياة الاجتماعية.

– تمكن الفرد من أن يستعيد معلوماته ويسترجعها كلما كان في حاجة إلى ذلك.

– تمكن الفرد من أن يطلع على أخبار المجتمع والأمة والعالم من حوله.

– توسع أفق الفرد وتجعله يفكر في المشكلات والظواهر العلمية من جوانبها المتعددة.

ب / بالنسبة للمجتمع:

إنَّها ذات أهمية عظمى في بناء واستمرار وجوده، وتميزه عن غيره من المجتمعات، وتكمل الأهمية في ما يلي:

– القراءة أحد وجهي زوال الأمية، والوجه الثاني هو الكتابة، والقراءة هي الخطوة الأولى عن طريق وصل الناس بالعالم.

– القراءة تصل المجتمع بتاريخه وحضارته وثقافته، كما تصله بحاضره ومستقبله.

– تعمل القراءة على تضييق والتقليل من الهوة والفجوة بين فئات المجتمع وكذا الثقافات الإنسانية.

– تعمل على تلبية المجتمع لحاجاته المختلفة، وسد النقص في الجوانب التي تحتاج إلى إشباع([13]).

أنواع القراءة:

تنقسم القراءة إلى أنواع تساهم بشكل ملحوظ في تطور معارف الفرد واتساع دائرة تفكيره وتمكنه من التحدث بالفصحى بطلاقة وبشكل ممتاز، وتتمثل هذه الأنواع في الآتي:

أ/القراءة الصامتة:

“هي عبارة عن أمر فكري، وعملية ذهنية تقوم على القراءة بالعين مباشرة وليس لديها صوت، ولكن تقوم بالذهن والبصر على الكلمات”([14])، وعليه فإن هذه القراءة تكون بين الفرد ونفسه، يعتمد من خلالها على قراءة النص بواسطة العين دون تحريك للشفاه أو سماع صوته، حيث يقوم العقل بتفكيك الرموز المكتوبة وترجمتها لفهم معانيها.

مميزات القراءة الصامتة:

أنها تعمل على تهيئة القارئ مع أخذ صورة عامة عن النص المقروء، كما أنها تجعله يستعد للقراءة الجهرية، وذلك من خلال التدرب على فك الرموز اللغوية ومعرفة كيفية نطقها نطقا سليما.

عيوب القراءة الصامتة:

قد يعيب على هذه القراءة أنها لا تعطي الفرد القدرة على التحدث بطلاقة أمام الأشخاص إذا كانت هذه القراءة بصفة دائمة، كما أنها تكسبه نوعا من الخجل والخوف من المواجهة في حالة عدم التعود على سماع صوته وإسماعه للأفراد المحيطين به سواء العائلة أو الأشخاص مقربين لديه، فهي بذلك تقلل من ثقته إذا ما أراد التحدث بالفصحى أمام الناس.

ب/القراءة الجهرية:

تعرف بأنها “عملية عضلية حركية يشترك فيها أعضاء جسم الإنسان مثل: الشفة، والحنجرة، واللسان، ويرى الكثير أن القراءة الجهرية أنها: النطق بصوت مسموع للكلام وذلك حسب قواعد اللغة العربية مع مراعاة الطريقة الصحيحة للنطق، وسلامة الكلمات، وكيفية إخراج الحروف من مخارجها والإتيان بمعناها ليمثلها”[15]

مميزات القراءة الجهرية:

– أنها أحد العوامل التي تعمل على تقوية شخصية القارئ خاصة إذا كان أمام جماعة كبيرة من الناس.

– تعليم القارئ كيفية إخراج الحروف والنطق بها وعدم تلاصق الحروف، وإخراجها من مخارجها الأصلية”([16]).

عيوب القراءة الجهرية:

– الاهتمام الكبير باللفظ وليس المعنى.

– تأخذ وقتا طويلا في قراءة الجمل والعبارات على عكس القراءة الصامتة التي لا تأخذ وقتا لقراءتها”([17]).

3.3/ مهارة الكتابة:

كما عرفها عبد المجيد سيد أحمد، بأنها: “وسيلة من وسائل الاتصال الإنساني، يتم عن طريقها التعرف على أفكار الغير، والتعبير عما لدى الفرد من معان ومفاهيم ومشاعر، وتسجيل الحوادث والوقائع، وكثيرا ما يكون الخطأ في الرسم أو في عرض الفكرة سببا في تغيير المعنى وعدم وضوح الفكرة”([18]).

مراحل الكتابة:

مرحلة التصوير المادي:

حيث رسم الإنسان صور الماديات ليدل عليها بها مثل: صورة شجرة لتدل على شجرة.

مرحلة التصوير المعنوي:

عندما وجد الإنسان بعض المدلولات لا صورة لها كالمعاني المجردة أخد يرسم ما يلزم لهذه المعاني، مثلا رسم قلم و أداة يدل بها على الكتابة.

مرحلة التصوير الحرفي:

وهي تصور الحروف التي تتكون منها الكلمات والجمل كل حرف بصورة، ومن مجموعة الصور تتكون الكلمة والجملة التي يراد التعبير عنها.

مرحلة الحروف الأبجدية:

وهي المرحلة الأخيرة التي استبدلت فيها الصور بالحروف الأبجدية([19]).

علاقة الكتابة بالتحدث:

هناك قواسم مشتركة بين هذين الفنين تبدو في عدة وجوه منها:

– أن كلاهما فن إنتاجي، إلاّ أن التحدث فن عماده الصوت، والكتابة فن عمادها الكلمة المكتوبة أو المطبوعة، وأن الكتابة في الأساس كلام مكتوب.

– أن مكونات فن التحدث هي ذاتها للكتابة، فلكي يكتب أو يتحدث الإنسان لا بد عليه ابتداء أن يحدد الموضوع، ويحدد الأهداف التي ينبغي تحقيقها من خلال التحدث أو الكتابة، ويحدد الأفكار والجمل والعبارات([20]).

أهمية الكتابة:

تبرز أهمية الكتابة في كونها من أهم وسائل اتصال الإنسان بغيره، وبها يتجاوز الإنسان حدود الزمان والمكان، كما أنها وسيلة من وسائل بقاء الجماعة البشرية وحفظ تراثها الثقافي والاجتماعي وتطويره. وتأكيدا لهذه الأهمية فقد أشار القلقشندي لها بقوله: أعظم شاهد لجليل قدرها وأقوى دليل على رفعة شأنها أن الله تعالى نسب تعليمها إلى نفسه واعتده من وافر كرمه وأفضاله فقال عز اسمه: “اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم” سورة العلق 03-05، كما أن الله عز وجل أقسم بالقلم الذي هو آلة الكتابة، فقال تقدست عظمته: ﴿ن والقلم وما يسطرون (1) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ﴾ القلم 1- 2.

كما أن الكتابة وسيلة لإشباع الحاجات النفسية لدى الفرد، وهي حاجاته للاتصال بغيره، فالإنسان اجتماعي بطبعه، ولذلك فإنه عند كتابته لفكرة ما فإنه يكتبها لغيره لا لنفسه، كما أنها وسيلة لإشباع حاجات الإنسان الفكرية وخاصة عندما يكتب الإنسان فكرة يريد أن يسجلها ويختزنها ليعاودها كلما احتاج إليها. كما أشار ابن خلدون إلى أن الكتابة: صناعة شريفة، إذ الكتابة من خواص الإنسان التي يميز بها عن الحيوان، وأيضا فهي تطلع على ما في الضمائر وتتأذى بها الأغراض إلى البلاد البعيدة فتقضي الحاجات، وقد دفعت مؤونة المباشرة لها، ويطلع بها على العلوم والمعارف وصحف الأولين وما كتبوه من علومهم وأخبارهم فهي شريفة بهذه الوجوه والمنافع([21]).

04/ الوسائل المساعدة للتحدث بالفصحى:

إن اللغة العربية الفصحى من أهم وأبرز لغات العالم إذ إنها تتميز بخصائص وصفات لا يمكن أن نجدها في أية لغة أخرى، وقد خصها الله سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم وحفظ مكانتها إلى يوم الدين، ولذا نجد الناطق بهذه اللغة ذو نفس هادئة وثقة كبيرة بالنفس، كما أنه يتمتع بحس مرهف وحسن خلق رفيع وكل هذا يجعل منه فردا مميزا في مجتمع طغت عليه العامية والازدواجية اللغوية.

وإضافة إلى الطرق التي يجب على الفرد إتباعها كي يمتلك مهارة التحدث بالفصحى بطريقة سليمة وواضحة، هناك وسائل مساعدة تجعل الفرد المتحدث بهذه اللغة يستطيع تعلمها وإتقانها بشكل جيد، وتتمثل هذه الوسائل في:

– الاستماع الجيد لأشخاص يتحدثون بهذه اللغة، خاصة الاستماع والإنصات الجيد للقرآن الكريم الذي يجعل من المتحدث باللغة العربية فصيح اللسان حتى وإن لم يتقن قواعدها في بداية طريقه مع التحدث بالفصحى، لأن اللغة العربية لغة فطرية يستطيع الفرد اكتسابها عن طريق الاستماع والتكرار له – للاستماع – ذلك أن العرب الأوائل تحدثوا بها دون اللجوء إلى تعلم قواعدها، ولأن هذه القواعد ابتكرها العرب حفاظا على سلامة اللغة من اللحن بسبب كثرة اختلاطهم مع العجم.

– القراءة والمطالعة المستمرة للكتب اللغوية، فكثرة المطالعة تنمي أفكار الفرد وتكسبه معارف ومفردات جديدة تمكنه من التحدث بطلاقة مع استخدام عدة مرادفات لمفردة واحدة وهذا ما يضفي على كلامه جمالا ورونقا، ويزيد من ثقته بالنفس بالتحدث بالفصحى بصفة دائمة دون خجل أو حياء، كما أنه يبرز جمالية لغتنا العربية.

– تعلم قواعد اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة وصوت، مع مراعاة تطبيقها على أرض الواقع، أي أثناء التحدث ينبغي على الفرد أن يبرز مخارج الحروف بطريقة صحيحة، وأن يحافظ على تراكيب الكلمات وبناءها تبعا للقاعدة النحوية التي تعلمها، فتطبيق هذه القواعد تجنب الفرد من الوقوع في الخطأ أثناء التحدث بالفصحى، وأيضا تساعده على تقديم الأدلة – أي تبيان القاعدة اللغوية- في حالة ما إذا طرح عليه سؤال حول الكلام الذي نطق به، كما أن هذه القواعد تصنع للفرد أذنا موسيقية يستطيع من خلالها إدراك الخطأ ومعرفته وكيفية علاجه بطريقة صحيحة دون لف أو دوران.

– الاحتكاك بأشخاص يحبون التحدث باللغة العربية الفصحى ومصاحبتهم، لأن هذا الاحتكاك يولد رغبة كبيرة في ممارسة هذه اللغة والتحدث بها بطلاقة مع تبادل الخبرات بينهم في طريقة الأداء للنصوص، وكذا طريقة البحث في الكتب والمعاجم والبحث في وسائل الاتصال الحديثة كالباحث القرآني والمتواجد عبر شبكة الانترنت.

– كثرة التدريب على التحدث بالفصحى عن طريق القراءة الجهرية التي تكسب الفرد القدرة على مواجهة الجمهور، إضافة إلى أن التدريب يعلمه طريقة التحدث بالإشارات وتغيير النبرات الصوتية حسب نوعية النص حتى يستطيع التأثير على المستمع ويجعل النص يخرج من قالبه الجامد وغير الحيوي إلى قالب الحركة والنشاط.

– البحث عن دورات تدريبية تساعد على طريقة التحدث بالفصحى، سواء كانت هذه الدورات مهتمة بتعليم القواعد اللغوية من نحو وصرف وبلاغة، أو مهتمة بتعليم التحدث باللغة الفصحى، فكل هذه الدورات تبني شخصية الفرد وتعرفه على لغته وتزيد من حبه لهذه اللغة، كما أنها – الدورات – تجعله يحتك بأشخاص لهم نفس المجال في حب اللغة العربية، وهذا ما يساهم في رواج هذه اللغة والمحافظة على قواعدها وحفظها من اللحن.

خاتمة:

وصفوة الحديث تقودنا إلى أن التحدث باللغة العربية ليس حكرا على الفرد العربي إنما وجدت لتكون لعامة الناس، فالهدف من وراء التحدث باللغة الفصحى هو تقديم صورة رائعة عن لغتنا وتعريفها لغير الناطقين بها، ذلك أن اللغة العربية هي لغة القرآن وتعلمها وضبط قواعدها يساعد على فهم كلام الله والتدبر في أحكامه ومعانيه.

إن التحدث بالفصحى يتطلب منا بذل الجهد والسعي وراء الطرق التي تؤدي إلى تعلمها بطريقة سليمة، فكل من الاستماع، القراءة والكتابة وحتى الاندماج مع الدورات التدريبية والاحتكاك بالأشخاص المتحدثين بها يشجع الفرد على ممارستها والتحدث بها بطلاقة.

إن تعلم قواعد اللغة العربية وضبطها والتحكم فيها يساعد وبشكل كبير على جعل اللسان سليم النطق خال من الخطأ بعيدا عن اللحن، متمكنا ومتحكما في كل ما ينطق به أو يسمعه.

قائمة المصادر والمراجع:

القرآن الكريم.

1- أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، دار الفكر، المجلد الثاني، الطبعة الأولى، بيروت لبنان، 2008.

2- ابتسام محفوظ أبو محفوظ، المهارات اللغوية، دار التدمرية، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 2017.

3- أنطوان صياح، تعليمية اللغة العربية، دار النهضة، بيروت، لبنان، ج02، 2008.

4- خولة أحمد يحي، أنشطة الأطفال العادين ولذوي الاحتياجات الخاصة، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان.

5- راشد محمد عطية، تنمية مهارات التواصل الشفوي، التحدث و الإستماع، إيتراك للنشر و التوزيع، مصر الجديدة، 2005.

6- رامي النجار، من مهارات القراءة الجهرية، 22/10/2020، الموقع الإلكتروني:

https://almshhad.com/post/30136/

7- رشدى أحمد طعيمة، المهارات اللغوية: مسنوياتها، تدريسها، صعوباتها، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004.

8- سمير شريف استيتية، علم اللغة التطبيقي، دار الأمل للنشر و التوزيع، أربد، الأردن، دون سنة الطبع.

9- عبد الفتاح حسن البجة، أساليب تدريس مهارات اللغة العربية و آدابها، دار الكتاب الجامعي، العين، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الثانية، 2005.

10- عبد المنعم أحمد بدران مهارات ما وراء المعرفة و علاقتها بالكفاءة اللغوية،، العلم و الإيمان للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى، دون بلد النشر، 2008.

11- علي سامي الحلاق، تدريس اللغة العربية وعلومها، دار المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان، 2010.

12- قاسم راتب عاشور وزميله، المهارات القرائية والكتابية وطرائق تدريسها.

13- ماهر شعبان عبد الباري، الكتابة الوظيفية والإبداعية، المجالات، المهارات، الأنشطة، والتقويم، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2010.

14- محمد رجب فضل الله، الاتجاهات التربوية المعاصرة في تدريس اللغة العربية، دار النشر علا الكتب، القاهرة، الطبعة الثانية، 2003.

15- منار ذكي، تعرف على الفوارق ما بين القراءة الصامتة والقراءة الجهرية، مجلة الحياة، 12/09/2018، الموقع الإلكتروني:

الرابط


[1] عبد الفتاح حسن البجة، أساليب تدريس مهارات اللغة العربية و آدابها، دار الكتاب الجامعي، العين، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الثانية، 2005 ص 18

[2] أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، دار الفكر، المجلد الثاني، الطبعة الأولى، بيروت لبنان، 2008، ص 968.

[3] عبد الفتاح حسن البجة، أساليب تدريس مهارات اللغة العربية وآدابها، المرجع نفسه، ص 18.

[4] رشدى أحمد طعيمة، المهارات اللغوية: مسنوياتها، تدريسها، صعوباتها، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004، ص 29.

[5] ابتسام محفوظ أبو محفوظ، المهارات اللغوية، دار التدمرية، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 2017، ص 15.

[6] راشد محمد عطية، تنمية مهارات التواصل الشفوي، التحدث و الإستماع، إيتراك للنشر و التوزيع، مصر الجديدة، 2005، ص 193،194.

[7] قاسم راتب عاشور وزميله، المهارات القرائية والكتابية وطرائق تدريسها، ص 167.

[8] أنطوان صياح، تعليمية اللغة العربية، دار النهضة، بيروت، لبنان، جزء 2، 2008، ص 48، 49.

[9] عبد المنعم أحمد بدران مهارات ما وراء المعرفة و علاقتها بالكفاءة اللغوية،، العلم و الإيمان للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى، دون بلد النشر، 2008، ص 70

[10] خولة أحمد يحي، أنشطة الأطفال العادين ولذوي الاحتياجات الخاصة، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، ص111.

[11] علي سامي الحلاق، تدريس اللغة العربية وعلومها، دار المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان، 2010، ص 134.

[12] أنطوان صياح، تعليمية اللغة العربية، دار النهضة، بيروت، لبنان، ج02، 2008، ص 66.

[13] سمير شريف استيتية، علم اللغة التطبيقي، دار الأمل للنشر و التوزيع، أربد، الأردن، دون سنة الطبع، ص 24، 25، 26.

[14] منار ذكي، تعرف على الفوارق ما بين القراءة الصامتة والقراءة الجهرية، مجلة الحياة، 12/09/2018، الموقع الإلكتروني:

الرابط

[15] رامي النجار، من مهارات القراءة الجهرية، 22/10/2020، الموقع الإلكتروني:

من-مهارات-القراءة-الجهرية

[16] منار ذكي، تعرف على الفوارق ما بين القراءة الصامتة والقراءة الجهرية، المرجع السابق.

[17] منار ذكي، تعرف على الفوارق ما بين القراءة الصامتة والقراءة الجهرية، المرجع السابق.

[18] ماهر شعبان عبد الباري، الكتابة الوظيفية والإبداعية، المجالات، المهارات، الأنشطة، والتقويم، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2010، ص 24،28.

[19] محمد رجب فضل الله، الاتجاهات التربوية المعاصرة في تدريس اللغة العربية، دار النشر علا الكتب، القاهرة، الطبعة الثانية، 2003.، ص 120.

[20] رشدي أحمد طعيمة، المرجع السابق، ص 181.

[21] ماهر شعبان عبد الباري، المرجع السابق، ص 35، 36.

2 Comment

ترك تعليق