أحمد الحمزاوي

اللغات في الأضحية

قال الإمام مالك: (الضَّحِيَّة سُنَّة، وليست بواجبة، ولا أحبُّ لأحدٍ ممَّن قويَ على ثمنها أن يتركَها). [الموطَّأ، رواية يحيى اللَّيثي 2/ 487].

فقوله: (الضَّحِيَّة) هي من أسماء الأضحية، وأصلها “ضَحِيوَة” فَعِيلَة من “الضَّحْو”، أُبدِلَت الواوُ ياءً، ثم أُدغِمَت الياءُ فيها، على حدِّ الإبدال والإدغام في “سَيْوِد، ومَيْوِت” إذ قيلَ فيه: سَيِّد ومَيِّت.

وجمعُها “ضَحَايا” وأصلُها: ضَحايِوُ، ثم قُلِبَت الواوُ ياءً؛ لتطرُّفها بعد الكسرة، كما في الغازِي والدَّاعِي، ثم قُلِبَت الياءُ الأولى همزةً كما في صَحائِف، ثم أُبدِلَت الكسرةُ فتحةً، ثم الياءُ ألفًا، ثم الهمزةُ ياءً، فصار “ضَحَايا” بعد خمسة أعمال.

ومن أسمائها – كما تقدَّم – “الأُضْحِيَّة” وهي بضمِّ الهمزة، ويجوز كسرُها “الإِضْحِيَّة“، بتشديد الياء، وأصلُها: أُضْحُوَّة، أُفْعُولة من مادَّة “ض ح و”؛ لأنها تُذبَح في وقت الضَّحْو، والضَّحْوة، أي: ارتفاع النهار، أُبدِلَت الواوُ التي هي لام الكلمة ياءً، فصارت: أُضْحُويَة، فاجتمعت الواوُ والياء، وسُبِقَت إحداهُما بالسكون، فأُبدِلَت الواوُ ياءً، وأُدغِمَت في الياء، وكُسِرَت الحاء؛ لتناسبَ الياء، فصارت “أُضحِيَّة”.

وإبدال لام “أُفْعُول، وأُفْعُولة” ياءً، شاذٌّ عند سيبويه [الكتاب 4/ 412] والجمهور، قياسيٌّ عند ابن مالك في التسهيل [ص: 309]، وإن كان التصحيحُ أكثر.

(وهذا من مواضع إبدال الواو ياءً التي لم يذكُرها ابن مالك في الألفية) ونظيرُ “الأُضْحِيَّة”: أُحْجِيَّة، وأُلْهِيَّة، وسُمعَ فيهما: أُحْجُوَّة، وأُلْهُوَّة.

وتُجمَع “الأُضحِيَّة” على “أضاحِيّ” بتشديد الياء، ويجوز تخفيفها. قال أبو حاتِم: كلُّ ما جاءَ من هذا النَّحْوِ واحِدُه مُشَدَّد، فلكَ فيه التشديدُ والتخفيفُ مثل: أَثافِي، وأَغانِي، وأَمانِي.

وبقي من أسمائها: “أَضْحَاة“، وجمعُها “أَضْحَى“، وبهذا الجمع سُمِّيَ العيد، فقيلَ: عيدُ الأَضْحَى، بمعنى: عيد الأَضاحِي؛ فالأُضْحِيَّة سُمِّيَت بالوقت الذي تُذبَحُ فيه، والعيد سُمِّيَ بالذَّبائح التي تُذبَح فيه.

والعربُ تقول: “الضَّحْوُ، والضَّحْوَةُ” لأوَّل ارتفاع النهار، فإذا امتدَّ الزمنُ قليلًا، مَدُّوا الصَّوتَ قليلًا أيضًا، وقالوا: “الضُّحَى“؛ لِما في الألف من امتداد الصَّوت حركتين، فإذا امتدَّ الوقتُ أكثرَ إلى قُرب منتصَف النهار، مَدُّوا الصَّوت أكثرَ أيضًا، وقالوا: “الضَّحَاء“؛ لِما توجبُه الألف الممدودة من مَدِّ الصَّوت أكثرَ من حركتين.

ومن أساليب استعمال هذه المادَّة، أنك تقول: ضَحَّيتُ بالشَّاة: إذا ذبحتَها ضُحًى، وتقول: ضَحَّيتُ الشاةَ: إذا رعَيتَها في الضُّحَى، ومنه قيل: ضَحَّيتُ الرَّجُلَ: إذا أطعَمتَه ضُحًى، وتضَحَّى: أكلَ وقتَ الضُّحى.

والله تعالى أعلم.

المصدر الألوكة

ترك تعليق