سمات القاعدة النحوية

اللغة أداة فهم المعاني ونقل الأفكار بين الناس، والقصد منها هو البيان عما في الأذهان والإفصاح عن المقاصد والأغراض، فإذا انتظم اللغة قوانين منضبطة استطاع المتكلمون بها أداء معان واضحة مستبانة من دون إشكال أو إخلال بمرادهم، وبناءً على ما للقواعد النحوية الكلية من أهمية بالغة؛ من حيث إنها قانون ينير للمتكلمين سبل الأداء وأساليب الخطاب، ويبصرهم بمعالم الفصاحة وحسن البيان، ولقد بذل النحويون ما يستطيعون لإنجاز هذه القواعد على نحو من الدقة والانضباط؛ ليتكلم المتكلم بلغة نقية من التعمية؛ خالية من الغموض، ولقد شغلنا – ومن قبلنا – مسألة عدم انطباق القاعدة على كثير من المسموع الصحيح، قرآنًا أو شعرًا أو نثرًا؛ إذ يتجاوز المسموع القاعدة ويتمرد عليها، فوصم النحاة بعدم استقراء كل المسموع، ومن ثم وضع القواعد بناءً على ذلك، وقال بهذا بعض النحاة واللغويين المتأخرين.

يقول الدكتور صبحي الصالح: “ولما أصابت العربية حظًا من التطور أضحى الإعراب أقوى عناصرها، وأبرز خصائصها، بل سر جمالها، وأمست قوانينه وضوابطه هي العاصمة من الزلل، المعوضة عن السليقة “[1].

ويؤكد الدكتور تمام حسان – رحمه الله – [2] أن علم النحو وقواعده من العلوم المضبوطة، وأنه ما سمي صناعة إلا لذلك؛ فهـو من العلوم التي تحصل بالتمرن؛ أي: أنه قواعد مقررة وأدلة وجد العالم بها أو لا كما يقال. وأصول الصناعة أو العلم يجب أن يتحقق فيها: الموضوعية، والشمول، والتماسك، والاقتصاد. والشمول في القاعدة ” أي: تكون عامةً لا كليةً، ومعنى ذلك أن القاعدة لابد أن تنطبق على جمهرة مفرداتها، وليس من المحتم أن تشملها جميعًا فلا يشذ عنها شيء “[3].

وبين الدكتور تمام حسان أن النحو يتسم بالموضوعية وما يكون لها من استقراء ناقص، ذلك أنهم بنوا النحو على المسموع، وهو من اللغة الأدبية، لا لغة الكلام والتخاطب، حسب منهج محدد ذي اختيارات زمانية ومكانية واجتماعية.

ويتسم النحو أيضًا بالشمول: وعنصره الأول الحتمية، وهي القياس عند النحاة الذي يعني أن نتائج النحو يتحتم انطباقها على غير المنقول، وهو الذي لم يتناوله الاستقراء، وبهذا لا يبقى من لغة العرب ما لا يخضع لقواعد النحو، ولا يطعن في هذا ما شذ.

كما يتسم النحو وقواعده أيضًا بالتماسك، وعنصراه عدم التناقض والتصنيف، فالنحو نظام محكم وبنية جامعة لا يستطاع نفي شيء منها ولا إضافة شيء إليها، وبهذا فلا يمكن أن يتسم بالتناقض، وأما التصنيف فهو ظاهر في جميع التقسيمات النحوية الشاملة للكلم، وما نراه من تصنيفات في أبوابه النحوية بناءً على العلاقات الوفاقية الجامعة لكل صنف والخلافية المفرقة بين الأصناف المختلفة، وهذه العلاقات بنوعيها هي التي تحكم تماسك النحو باعتباره صناعةً مضبوطةً.

كما يتسم النحو بالاقتصاد، وله مظهران: الاستغناء بالكلام على الأصناف عن الكلام عن المفردات؛ فالأصناف هي الثابتة والمفردات هي المتغيرة؛ وهذا اقتصاد، والمظهر الثاني: هو التقعيد، وهو بدوره استغناء بالكلام في الحكم الشامل – وهو القاعدة – عن الكلام في أحكام المفردات كل منها على حده.

وذكرنا سلفًا أن القواعد النحوية قامت بدورها خير قيام؛ في الحفاظ على اللغة العربية وتعليمها ونشرها، وساعدت القواعد النحوية اللغة العربية للقيام بدورها المنوط بها خير قيام، وذلك ردحًا من الزمان ولا تزال.

وقد شهد ابن مضاء الأندلسي (ت 592هـ) – برغم عدائه الشديد للنحاة – شهد لهم؛ حيث يقول:” وإني قد رأيت النحويين، قد وضعوا صناعة النحو لحفظ كلام العرب من اللحن، فبلغوا من ذلك إلى الغاية التي أموا”[4]. لكن مهما بلغت القواعد النحوية من مرتبة نحو الكمال فهي قواعد وضعها البشر، لذا فقد يعتريها القصور أو النقص، وهي في الوقت نفسه قابلة للتطوير والترقية والتمحيص، والحذف والإضافة والتعديل… الخ، فهي ليست نصوصًا قرآنيةً.


[1] ينظر: دراسات في فقه اللغة، لصبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت،2004م (ص118).

[2] ينظر: الأصول، لتمام حسان (ص60 – 64)، والقاعدة النحوية دراسة نقدية تحليلية، لأحمد عبدالعظيم، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1410هـ/1990م (ص9-10).

[3] اللغة بين المعيارية والوصفية، لتمام حسان (ص163)، والتقعيد النحوي، لمحمود شرف الدين (ص19).

[4] الرد على النحاة، لابن مضاء الأندلسي، تحقيق: شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة (ص80).

ترك تعليق