تسمية الأشياء باسم مشتق من المصدر
على جهة الوقوع منه أو عليه أو فيه
التسمية باسم مشتق من المصدر المراد منه اسم الفاعل أو اسم المفعول، وينضم إليه فعيل بمعنى فاعل، أو مفعول.
• يقول أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوم يخرجون من النار: (فيَنْبُتُون كما تَنْبُت الحبَّة في حَميل السَّيْل) [1].
قال الأصمعي: الحميل: ما حمله السيل من كل مكان … ومنه قول عمر في الحميل: لا يُورَّث إلا بِبَينةٍ [2]، سُمِّي حميلاً؛ لأنه يحمل من بلاده صغيرًا، ولم يولد في الإسلام [3].
لقد وقف الشارح على سبب تسمية الحميل بهذا الاسم، ويبين ذلك بقوله: لأنه يحمل من بلاده .. إلخ، وهو فعيل بمعنى مفعول.
حميل السيل: هو ما يحمل من الغثاء [4]، ويقول ابن الأثير: وهو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء أو غيره [5].
ويقول ابن منظور: والحَمِيل الذي يُحْمَل من بلده صَغِيرا ولم يُولَد في الإِسلام [6].
وفي المصباح: والحميل: الدَّعِي، والحميل: المَسْبِي؛ لأنه يحمل من بلد إلى بلد [7].
وعليه، فإن الحميل فعيل بمعنى مفعول، سُمي اسم المفعول به.
• قال أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء: (إنَّكنَّ أكثر أهل النار؛ وذلك لأنكنَّ تكثرن اللعنَ وتكفُرنَ العشير) [8].
قوله: تكفرن العشير، يعني: الزوج، سمي عشيرًا؛ لأنه يعاشرها وتعاشره، قال الله تبارك تعالى: ﴿ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴾ [الحج: 13]، وكذلك حليلة الرجل هي امرأته وهو حليلها، سُمِّيا بذلك؛ لأن كل واحد منهما يحال صاحبه، يعني: أنهما يحلان في منزل واحد [9].
الزوج والزوجة حليلان يعني حالين (فعيل بمعنى فاعل)، وهذه التسمية يجوز أن يكون قد لحظ فيها وصف مهم يختص به الزوجان دون سائر من يحوط بهما من غيرهما، وهو أن كلاًّ منهما يحل من صاحبه محلاًّ لا يجوز لغيرهما أن يطلع عليه أو ينزل فيه.
قال الجوهري: والحَليلُ: الزوجُ، والحَليْلَةُ: الزوجةُ، ويقال أيضًا: هذا حَليلُهُ وهذه حَليلَتُهُ، لمن يُحاله في دارٍ واحدة [10].
وفي اللسان: وحَلِيلة الرجل امرأته وهو حَلِيلُها؛ لأَن كل واحد منهما يُحَال صاحبه [11].
وقال الفيومي: و (الحَلِيلُ): الزوج، و(الحَلِيلَةُ) الزوجة سُمِّيَا بذلك؛ لأن كل واحد يحل من صاحبه محلاًّ لا يحله غيره [12]، فهو فعيل بمعنى فاعل.
• قال ابن قتيبة: والعَقْل الدِّيَة، والأصل في ذلك: أن الإبل كانت تُجْمَع وتُعْقَل بفناء ولي المقتول، ثم سُمِّيت الدِّيَة عَقْلًا وإن كانت دراهم ودنانير [13].
أُطلق المصدر هنا وأُريد اسم المفعول، أطلق العقل وأريد المعقول؛ أي: التي عقلت بالعقال.
قال ابن منظور: والعَقْل في كلام العرب الدِّيةُ، سميت عَقْلًا؛ لأَن الدية كانت عند العرب في الجاهلية إِبلًا لأَنها كانت أَموالهم، فسميت الدية عَقْلًا؛ لأَن القاتل كان يُكَلَّف أَن يسوق الدية إِلى فناء ورثة المقتول، فَيَعْقِلُها بالعُقُل، ويُسَلِّمها إِلى أَوليائه [14].
وفي المصباح: سميت الدية عَقْلًا تسمية بالمصدر؛ لأن الإبل كانت (تُعْقَلُ) بفناء وليّ القتيل، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق (العَقْل) على الدية إبلًا كانت أو نقدًا [15].
وإذًا، فإن تسمية الدية عقلًا من باب التسمية بالمصدر المراد به اسم المفعول.
• قال ابن قتيبة في حديث عمر رضي الله عنه أنّ الجِنَّ ناحَتْ عليه، فقالت [16]: (من الطويل)
عليكَ سلاَم منِ أَمير وباركَتْ يَدُ اللّهِ في ذاكَ الأَديمِ المُمزَّقِ قَضْيت أمورًا ثم غادَرْت بعدَها بوائق في أكمامها لم تُفَتَّقِ |
غادَرْت: خلَّفْت، ومنه سُمِّي الغَدير؛ لأنَّه ماء تُخَلفه السُّيول وتمضي [17].
لقد بين الشارح سبب تسمية الغدير بهذا الاسم، بقوله: (لأنه…).
قال الجوهري: الغدير، هو القطعة من الماء يغادرها السيل [18].
ويقول ابن فارس: والغدير: مستنقع ماء المطر، وسُمِّي بذلك؛ لأن السيل غادره؛ أي: تركه [19].
وعلى ذلك، فقد سُمي الماء الذي تخلفه السيول غديرًا، تسميةً للمفعول بفعيل.
المصدر: شبكة الألوكة
[1] البخاري (كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار) ( (5/ 240)، والمسند (2/ 293).
[2] النهاية (1/ 442).
[3] غريب أبي عبيد (1/ 201).
[4] العين (حمل) (3/ 241).
[5] النهاية (1/ 442).
[6] اللسان (حمل) (2/ 602).
[7] المصباح (حمل) (1/ 152).
[8] البخاري (كتاب الحيض – ترك الحائض الصوم ) (1/ 116)، ومسلم (كتاب الإيمان – باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات… ) (1/ 86).
[9] غريب أبي عبيد (2/ 72، 73).
[10] الصحاح ( حلل ) (4/ 1673، 1675 ).
[11] ( حلل ) (2/ 566).
[12] المصباح ( حل ) (1/ 147).
[13] غريب ابن قتيبة (1/ 223).
[14] اللسان (عقل) (6/ 373).
[15] (عقل) (2/ 422، 423).
[16] لمزرد بن ضرار؛ الأغاني (9/ 186)، والبيان والتبيين (3/ 364).
[17] غريب ابن قتيبة (2/ 16) وما بعدها.
[18] الصحاح (غدر) (2/ 766).
[19] المقاييس (غدر) (2/ 312)، واللسان (غدر) (6/ 577).