أخطاء لغوية في الصحف والإذاعة والتلفزيون
في الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز تكثر الأخطاء والسقطات، وقد بلغَت من الكثرة والغزارة حدًّا بشعًا، بحيث لم تعد تشدُّ النظر، وكأنها هي الأصل، أما الصواب فهو الاستِثناء، والخطأ في اللغة ليس مجرَّد خطأ في بنية الكلمة وضبطها الإعرابي؛ “فهو سواء أكان داخل وسائل الإعلام، أو خارجها يُفسد الفكر الوطني، ويعطِّل من قدرات الناس الذهنية”[1].
وحتى المجلات المتخصصة في الأدب والمباحث اللغوية لم تسلم من هذه الأخطاء، وبعض هذه الأخطاء رسَّختها وسائل الإعلام، حتى أصبحت – لشُهرتها – كأنها الصواب الذي لا يُناقش، وسأعرض في هذه الصفحة، والصفحات التالية لقطوف من هذه الأخطاء التي جاءت في الأشكال الآتية:
1- كلمات مُفرَدة.
2- جُمل وتركيب.
3- حوار ومُناقشات.
4- كلمات أجنبية.
ونَعرض لما يمثِّل كل لون مِن هذه الألوان، وقبل ذلك أعرض ما التقطته بنفسي، وأغلبه تَعتمِد استعادته على الذاكرة – دون الرجوع إلى مراجع – والصفة المشتركة بين هذه الأخطاء هي أنها أخطاء شائعة مشهورة، يقع فيها كثير من كبار الكتَّاب لا عامة الكتَّاب والإعلاميين فحسب، لذلك لا ضير إذا سمَّيتها أخطاء الكبار:
أولاً – أخطاء الكبار:
1- استعمال الفعل أثرى متعديًا؛ فيقولون: “وقد أثرى العقاد المكتبة العربية بكثير من الكتب”، مع أن هذا الفعل لم يستعمل في العربية إلا لازمًا؛ تقول: ثرى الرجلُ، وأثرى الرجلُ، أي صار ثريًّا.
2- استعمال الفعل لفَت بمعنى شدَّ وجذب، فيقولون: “لفت فلان انتباه الناس”، مع أنه لا يستعمل إلا بمعنى “صرف” وأبعد، قال تعالى على لسان قوم إبراهيم – عليه السلم -: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ [يونس: 78].
3- استخدام أسلوب الاستثناء بعد عبارة (على الرغم من)، فيقولون “وعلى الرغم من أنه لم يدرَّب التدريب الكافي إلا أنه حقَّق انتصارًا باهرًا على خصمه”، والصحيح أن نقول: “وقد أحرز انتصارًا.. على الرغم من أنه لم يتدرب…”.
ولكن بقي أن نُشير إلى أن العرب لم يستخدموا (بالرغم – وعلى الرغم) بهذا المفهوم[2].
4- استخدام الأفعال: “استشهد، هرع، احتضر، توفي، زهي” مبينة للمعلوم، مع أنها مبنية للمجهول دائمًا.
5- استخدام الفعل المبني للمجهول، مع أن الجملة فيها ما يدل على الفاعل مثل: “وقد وُوجهت القوات الصربية بمقاومة شديدة من القوة البوسنية المتمركزة في هذا الموقع”، فبناء الفعل للمجهول هنا عبث لغوي؛ لأن الفاعل مفهوم صراحة من السياق.
6- نفي وجوب، والصحيح وجوب النفي؛ فيقولون: “لا يجب على المواطن أن يغفل عن أعدائه“، والصحيح “يجب على المواطن ألا يغفل عن أعدائه”؛ لأن الجملة الأولى إن نفت الوجوب فإنها تتَّسع للجواز.
7- تعديَة الفعل أكَّد بحرف الجر على؛ كقولهم: “وقد أكَّد القائد على ضرورة تعاون الجميع…”، والصحيح أن الفعل يتعدى بغير حرف الجر، فنقول: “وقد أكَّد القائد ضرورةَ تعاون الجميع“.
8- تكرار كلما في جواب الشرط، فيقولون: كلما زارني كلما أكرمته.
والصحيح: كلما زارني أكرمته.
9- دخول الباء على المأخوذ مع الفعل استبدال وتبدَّل؛ فيقولون: “استبدلنا الخبيث بالطيب” يقصدون ترك الخبيث، وأخذ الطيب، والعكس هو المقصود؛ لأن الباء لا تدخل إلا على المتروك؛ قال تعالى مُوبِّخًا بني إسرائيل ﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 61].
10- استعمال الاعتذار لعكس ما يُعتذر عنه، فيقولون: “اعتذر فلان عن حضور الاجتماع“، والصواب: اعتذار عن الغياب، أو اعتذر عن عدم الحضور.
11- استخدام التنوين بدل القصر؛ فيقولون: “جاء خصيصًا ليشهد المهرجان“، والصواب: “خِصِّيصى“: فالكلمة منتهية بالألف المقصورة، وتكتب ياءً لوقوعها رابعة، وليست الكلمة منتهية بصاد فتنوَّن، والكلمة ممنوعة من الصرف ووزنها (فِعَّيلَى)، والخصِّيصى معناها: الخصوصية.
12- يقولون: “أمر هام“، والصحيح: “أمر مُهم“؛ لأن أصل الأول (همَّ) بمعنى حاول، وأصل الثاني (أهمَّ) أي: شغل، ونقول: أهمه الأمر: أي شغله وشدَّ اهتمامه وفكره.
13- إدخال (ال) على كل وبعض وغير؛ فيقولون:
• نجح الكل في الامتحان.
• أكرمت البعض من الحاضرين.
• فاه بالكلام الغير مناسب في هذا الموقف.
والصواب: نجح كل الطلاب – أكرمت بعض الحاضرين – فاه بالكلام غير المناسب.
♦♦♦♦
وقد نهض بعض العلماء لرصد الأخطاء التي وقعت فيها وسائل الإعلام (الصحف والراديو والتلفاز) عن طريق الكتاب والمذيعين، ويلحق بهؤلاء ضيوف البرامج المختلفة من أدباء وساسة وكتَّاب وغيرهم، وكان نتيجة هذا الرصد عددًا من الكتب القيمة، بين يديَّ منها:
1- لغة الجرائد؛ للشيخ إبراهيم اليازجي.
2- أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتَّاب والإذاعيين؛ للدكتور أحمد مختار عمر.
3- لغة الإعلام اليوم بين الالتزام والتفريط؛ للدكتور إبراهيم الدرديري.
4- الواقع اللغوي والهُوية العربية؛ للدكتور أحمد سمير بيبرس.
5- مستويات العربية المعاصرة في مصر؛ للدكتور سعيد بدوي.
♦♦♦♦
وسأَعرض بعض الأخطاء والسقطات التي هوى إليها الإعلاميون، ونهجنا في ذلك:
1- الاعتماد على الكتب السابقة مصدرًا أساسيًّا للمادة المعروضة، زيادة على ما التقطته بنفسي من الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز.
2- الاجتزاء ببعض ما جاء في هذه الكتب – وهو كثيرا جدًّا – ولكن هذا القليل يُمثِّل نوعيات مختلفة، ألمعت إليها سابقًا وهي: كلمات مفردة – جمل وتراكيب – حوار ومناقشات – كلمات وعبارات أجنبية، وقد عرضت من قبل لما أسميته بأخطاء الكبار، ونستكمل بقية النوعيات، بادئين بالكلمات المفردة التي تمثل اللون الثاني من الأخطاء بعد أخطاء الكبار.
[1] د. محمد سيد أحمد: الإعلام واللغة (ص: 14).
[2] فقد جاء في لسان العرب (3/ 1682): الرغم – بتسكين الغين، وتشديد الراء مثلثة -: الكرهُ والذلة والقسر والتراب؛ فتقول: سأفعل ذلك على رغم منك، أو أنفك راغم، أي على كره وإذلال وقسر.
ومما سبق يظهر خطأ الاستخدامات الحديثة لهذه المادة (حتى لو تبرأت من الاستثناء) مثل: ذهب إلى عمله على الرغم من أنه مريض، ومثل: أكرم صديقه على الرغم من إساءته، والصحيح: مع أنه مريض، مع أنه أساء إليه.
2 Comment