جمع المؤنث السالم “ما جمع بألف وتاء”
1- اسمه بين الشهرة والدقة، وكيفية إعرابه
2- ما يجمع هذا الجمع من المفردات
3- ما ألحق به من الكلمات
اسمه وكيفية إعرابه:
في مجتمعنا مثقَّفاتٌ طيباتٌ وفيه أيضًا جاهلاتٌ تافهاتٌ.
وتفهمُ المثقفةُ واجباتِها وتؤديها بأمانةٍ وشرفٍ.
وتعقِّدُ الجاهلةُ حياتَها بتصرفاتٍ رديئةٍ حمقاءَ.
المشهور عن هذا الجمع أنه يطلق عليه اسم “جمع المؤنث السالم” وهذا هو الاسم الشائع بين المعربين والشَّادين في النحو.
ويحدد هذا الإطلاق المشهور علميا بأنه: كل اسم دلَّ على أكثر من اثنتين مع سلامة مفرده وزيادة ألف وتاء في آخره ا. هـ.
ومن هذا التحديد السابق تفهم الصفات التي روعيت في إطلاق الاسم السابق عليه “جمع المؤنث السالم” وهي:
أ- أنه يدل على أكثر من اثنتين، بمعنى أنه يدل على ثلاثة فصاعدا فمثلا “عفيفات” تطلق على عدد كثير أقلُّه ثلاثة، وهذا يفسر تسميته “جمعا”.
ب- أن الغالب في المفردات التي تجمع كذلك أن تكون مؤنثة كما ورد في القرآن من وصف النساء الصالحات {مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} الآية 5 من سورة التحريم.
ومفرداتها على التوالي: “مؤمنة، قانتة، تائبة، عابدة، سائحة” وكلها مؤنثة وهكذا معظم ما يأتي منه هذا الجمع، وهذا يفسر تسميته “مؤنثا”.
ج- أن الغالب في المفردات حين تجمع هذا الجمع أن تبقى كما هي دون تغيير، فتزاد الألف والتاء عليها، فتصير من هذا الجمع، مثل “مثقفة، طيبة، جاهلة، تافهة” مفردات، يأتي منها الجمع بزيادة الألف والتاء، فنقول: “مثقفات، طيبات، جاهلات، تافهات” دون تغيير في المفرد -سوى حذف تاء التأنيث منه إن وجدت- وهذا هو الغالب فيما يجمع هذا الجمع وهو ما يفسر تسميته “سالما”.
وأظنه قد وضح الآن معنى الكلمات الثلاث “جمع، مؤنث، سالم” وهو اسم الشهرة لهذا الجمع.
د- أن الألف والتاء اللتين يتحقق بهما صورة هذا الجمع لا بد أن تكونا زائدتين على المفرد، وذلك بأن تكون بنية المفرد الأصلية خالية منهما، فلنلاحظ الأمثلة:
• تحيات، مباركات، طيبات، مقبولات. “جمع مؤنث سالم الألف والتاء زائدتان”.
• قُضَاة، هُدَاة، بُنَاة، دُعَاة، رُقَاة. “جمع تكسير لا جمع مؤنث”.
• غُزَاة، رُمَاة، سُعَاة، جُفَاة. “الألف هنا أصلية”.
• أبْيَات، أصوات، أمْوات، أثبات. “جمع تكسير لا جمع مؤنث التاء أصلية”.
هذا هو الاتجاه المشهور، لكن أهل الدقة من علماء النحو -رحمهم الله-فضلوا على الاسم السابق اسما آخر هو “ما جمع بألف وتاء” فوافقوا بذلك الاتجاه المشهور في صفتين هما “الجمع، زيادة الألف والتاء” وصرفوا النظر على الصفتين الباقيتين وهما “مؤنث سالم” للآتي:
أ- أن هذا الجمع كما يأتي من المفرد المؤنث، يأتي أيضا من المفرد المذكر، مثل: “تصرف، واجب، بيان، مطار، حمَّام” فتجمع على الترتيب “تصرفات، واجبات، مطارات، حمامات”.
وبناء على ذلك فلا داعي لأن يطلق على هذا الجمع أنه “مؤنث”.
ب- أن هذا الجمع -كما يأتي من المفرد السالم الذي لا يتغير حين جمعه- قد يتغير مفرده حين الجمع، مثل “زَهْرة، صَفْحة، غُرْفة، زَفْرة، ظُلْمة، ذِكْرى، عذراء” فتقول في جمعها على الترتيب: “زهرات، صفحات، غرفات، زفرات، ظلمات، ذكريات، عذراوات”. مما لو تأملتها -أدنى تأمل- لوجدت أنه قد تغير من المفرد حركة أو حرف.
وبناء على ذلك فلا داعي لأن يطلق على هذا الجمع أنه “سالم”.
والذي أختاره -بعد توجيه كلا المصطلحين- هو اسم “جمع المؤنث السالم” مراعاة لقربه من أذهان المبتدئين، وشهرته بين المعربين وأغلب المتخصصين.
وعلى كل حال، فإن هذا الجمع يرفع بالضمة وينصب بالكسرة ويجر بالكسرة، فيخرج عن الأصل في حالة النصب فقط.
وإذا عاودنا النظرة إلى الأمثلة التي بدأ بها الموضوع، فإن الكلمات “مثقفاتٌ، طيباتٌ، جاهلاتٌ، تافهاتٌ” مرفوعة جميعا بالضمة، أما كلمة “واجبات” فإنها منصوبة بالكسرة وكلمة “تصرفاتٍ” مجرورة بالكسرة.
• جاء في القرآن: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} من الآية 38 من سورة ق..
• وجاء في القرآن: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} من الآية 152 من سورة الصافات..
• وجاء في القرآن: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} من الآية 168 من سورة البقرة..
ما يجمع هذا الجمع من المفردات:
أهم الأسماء المفردة التي يأتي منها هذا الجمع صنوف أربعة هي:
1- ما كان في آخره تاء التأنيث مطلقًا، سواء أكان مؤنثا في المعنى أيضا مثل: “فاطمة، عائشة” أم كان مؤنثا في اللفظ فقط مثل: “معاوية، حمزة، طلحة، أسامة” وسواء أكان علما -كالأمثلة السابقة- أم صفة مثل: “مشهودة، عالية” فنقول في جمع المفردات السابقة جميعا على التوالي: “فاطمات، عائشات، معاويات، حمزات، طلحات، أسامات، مشهودات، عاليات”.
2- ما كان في آخره ألف التأنيث مطلقا، سواء أكانت مقصورة مثل: “ليلى، نجوى، ذكرى” أم ممدودة مثل “لمياء، سمراء، لفَّاء” تقول في ذلك كله حين جمعه: “ليليات، نجويات، ذكريات، سمراوات، لفَّاوات”.
3- ما كان خاليا من العلامتين السابقتين، ولكنه مؤنث تأنيثا معنويا مثل: “سعاد، زينب، سهير، ابتسام، إلهام” فتقول فيها جميعا: “سعادات، زينبات، سهيرات، ابتسامات، إلهامات”.
4- ما كان خاليا من العلامتين السابقتين، ولكنه اسم جنس لغير العاقل
مثل: “حمّام، مطار، اشتباك، واجب” فنقول فيها على التوالي: “حمامات، مطارات، اشتباكات، واجبات”.
ما ألحق بجمع المؤنث من الكلمات:
مرة ثالثة نتذكر أن المقصود بالملحق بجمع المؤنث السالم -مثل المثنى وجمع المذكر- وورد أسماء في اللغة على صورة جمع المؤنث وتعرب إعرابه ولكنها في الوقت نفسه ليست جمعا في الحقيقة، إذ لا تنطبق عليها شروطه أو لا يحمل معناه، فهي إذن ملحقة به؛ لأنها على صورته، ولكنها ليست منه، إذ لا ينطبق عليها شروطه ومعناه.
والكلمات التي ألحقت بجمع المؤنث السالم تأتي في مجموعتين:
المجموعة الأولى: أولات
وهي المقابل المؤنث لكلمة “أولو” في معناه وإعرابه، فكما أن كلمة “أولو” بمعنى “أصحاب” فإن كلمة “أولات” بمعنى “صاحبات” مثل: “أولات العفة، أولات الرِّقَّة، أولات الخلق” وكما أن “أولو” تلحق بجمع المذكر في إعرابه فترفع بالواو وتنصب وتجر بالياء، فإن “أولات” تلحق بجمع المؤنث السالم، فترفع بالضمة وتنصب وتجر بالكسرة، تقول: “تتبرج أولاتُ النفوسِ الضعيفة بطريقة فاضحة مثيرة، لكن أولاتِ العفة يراعين في زينتهن الاعتدالَ والحشمة” ومن ذلك:
• قول القرآن: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} من الآية 4 من سورة الطلاق..
إعراب الآية: {وَأُولاتُ}: مبتدأ مرفوع بالضمة، {الْأَحْمَالِ}: مضاف إليه مجرور بالكسرة، {أَجَلُهُنَّ} أجل: مبتدأ ثانٍ مرفوع بالضمة، وضمير الغائبات مضاف إليه، {أَنْ يَضَعْنَ} أن: حرف مصدري ونصب، يضعن: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب، ونون النسوة فاعل مبني على الفتح في محل رفع، والمصدر المؤول من “أن والفعل” خبر المبتدأ الثاني والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول، {حَمْلَهُنّ} حمل: مفعول به منصوب بالفتحة وضمير الغائبات مضاف إليه.
• قول القرآن: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} من الآية 7 من سورة الطلاق..
المجموعة الثانية: سُمِّيَ به من هذا الجمع
وذلك أن تصبح صورة هذا الجمع اسما لفتاة أو موضع، وهو كثير ومنه: “عطيات، عنايات، زينات، هنوات، سعادات، عزات، أملات، عرفات، أذرعات: وهو موضع بالشام”.
هذا النوع من الأسماء -كما هو واضح- جمع في اللفظ، لأن كل كلمة من هذه الكلمات لها مفرد ابتداء قبل التسمية به، ومفردات الأسماء السابقة على التوالي: “عطية، عناية، زينة، هناة، سعادة، عزة، أملة، عرفة، أذرعة”.
لكن هذا الجمع قد سمي به فأصبح بصورته في الجمع يطلق على واحد فقط، فمعناه إذن واحد، وإن كانت صورته الجمع، ولذلك ألحق بجمع المؤنث السالم، ولم يعتبر جمعا بعد التسمية به.
وقد ورد في إعراب كلمات هذه المجموعة الوجوه الآتية:
1- إعراب جمع المؤنث السالم وبقاء الكلمات منونة، تقول: “زارت عطياتٌ صديقتها زينات في بيتها وذاكرتا مع زميلتهما عنايات”.
2- إعراب جمع المؤنث السالم وترك التنوين: تقول “عرفاتُ جبل قرب مكة، والمسلمون يقدسون عرفاتِ بالصعود عليه والمبيت فيه في موسم الحج”.
3- إعراب الاسم الذي لا ينصرف: فيرفع بالضمة وينصب ويجر بالفتحة من غير تنوين، تقول: “اصطحبت عناياتُ زميلتها زيناتَ ومرَّتا على أملاتَ ليذهَبْن جميعًا للنزهة”.
ومن البيّن في هذه الوجوه الثلاثة أن الأول يراعي تماما الجمع قبل التسمية به، فيعربه بعد التسمية إعراب جمع المؤنث وينونه، والثاني يراعي الجمع قبل التسمية في الإعراب فقط، لكنه يلاحظ -بعد التسمية- أنه أصبح علما مؤنثا فيمنعه من التنوين، أما الوجه الثالث فيصرف النظر تماما عن الأصل -وهو الجمع- ويعتبره علما مؤنثا فيمنعه التنوين ويعربه إعراب ما لا ينصرف.
وقد ورد بهذه الوجوه الثلاثة قول امرئ القيس يتغزل في معشوقته:
ومثلِكِ بيضاء العوارِض طَفلةٍ … لَعُوبٍ تُنَسِّيني إذا قمْتُ سِرْبَالِي
لطيفة طيِّ الكشحِ غيرِ مُفَاضةٍ … إذا انْفَتَلتْ مُرْتَجَّةٍ غيرِ مِتْفَالِ
إذا ما استحمّتْ كان فيضُ حمِيمِها … على مَتْنَتيها كالجُمانِ لَدَى الْجَالِي
تنَوَّرتُها من أذرعات وأهلُها … بِيَثْرِب أدْنَى دارِها نظرٌ عالِي[1]
[1] العوارض: جمع عارض وهو صفحة الوجه، الطفلة: اللينة الناعمة، السربال: الثوب، الكشح: الخصر، غير مفاضة: غير مهدلة البطن، مرتجة: بضة الجسم، غير متفال: ليست كريهة الرائحة، متنتيها: جانبي ظهرها، الجمان: الفضة النقية، الجالي: الصيرف الذي يعد الفضة، أذرعات: بلد في الشام، يثرب: مدينة الرسول.
يصف عشيقته بأنها بيضاء الوجه، لينة الجسم، رقيقة الخصر، بضة، طيبة الرائحة، نظيفة البدن، ينسدل الماء على جسمها كقطع الفضة البيضاء، ويتخيل أنه يرى -من شوقه- نارها مع بعد المكان -بعد الشام عن المدينة- وله عذره!!
والشاهد في البيت الأخير: كلمة “أذرعات” فهي ملحقة بجمع المؤنث وقد وردت بروايات ثلاث: مكسورة منونة، ومكسورة غير منونة، ومفتوحة الآخر دون تنوين.
والشاهد في كلمة “أذرعات” في البيت الأخير، فقد رويت مكسورة منونه “أذرعاتٍ” على الوجه الأول، وبغير تنوين “أذرعاتِ” على الثاني ومفتوحة بغير تنوين “أذرعاتَ” على الوجه الأخير.
والذى أراه -بعد فهم كل هذه الأوجه- أن الوجه الأخير أقرب إلى استعمال اللغة، إذ إن هذه الأسماء -بعد أن سمي بها- أصبحت لدى الناطق العادي أسماء مفردة مؤنثة، حيث يتوارى وراء هذا الاستعمال الأصل الذي نقلت عنه وهو الجمع، وهذا الاستعمال والإحساس به يرجح لديّ الوجه الأخير من اعتبارها “أعلاما مؤنثة” تعرب إعراب ما لا ينصرف.