عودة الممنوع من الصرف للإعراب الأصلي
لاحظ الأمثلة الآتية:
ما شيءٌ بأنبلَ من المروءة.
فالمروءة من أنبلِ الصفات.
ومن الأنبلِ لك أن تتصف بهذه الصفة.
الاسم الذي لا ينصرف -بكل أنواعه السابقة- يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالفتحة أيضا: فهذا الاسم يخرج عن الأصل في حالة الجر فقط، لكنه يعود لهذا الأصل مرة أخرى، فيجر بالكسرة في حالتين:
1- أن يضاف
2- أن تتصل به الألف واللام
فكلمة “أنبل” في الأمثلة السابقة ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل، وهي مجرورة بالفتحة في المثال الأول، وفي المثال الثاني عادت للأصل فجرت بالكسرة؛ لأنها مضافة، وفي الثالث عادت للأصل، فجرت بالكسرة لاتصالها بالألف واللام. قال ابن مالك:
وجُرَّ بالفتحةِ ما لا ينصرف … ما لم يُضَفْ أو يَكُ بعد “أل” رَدِف
صرف الممنوع من الصرف:
من صفات الاسم الممنوع من الصرف أنه لا ينون -كما سبق- لكن عند حاجة المتكلم إلى تنوينه فإنه يترك هذا الأصل، فينون مع استحقاقه منع التنوين، وتتحقق هذه الحاجة في النثر والشعر على التفصيل الآتي:
1- في النثر: لإرادة التناسب، وذلك أن تكون بعض الكلمات منونة والأخرى غير منونة فتنون الأخيرة لتناسب ما جاءت معه من الكلمات المنونة ومن ذلك:
– جاء في القرآن: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً} الآية 4 من سورة الإنسان. فكلمة “سلاسل” ممنوعة من الصرف، وكلمة “أغلالا” مصروفة، وقد قرئت الآية بتنوين الكلمة الأولى لتناسب الثانية، وجاءت القراءة: “إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلًا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً” لقصد التناسب.
2- في الشعر: للضرورة، والمقصود بذلك ضرورة موسيقى الشعر ونغمه التي تتمثل في أوزانه وقوافيه، فإذا لم تستقم هذه الموسيقى إلا بتنوين الاسم الممنوع من الصرف، كانت تلك ضرورة تبيح للشعراء هذا التنوين، ومن ذلك قول امرئ القيس:
ويوم دخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ … فقالتْ: لَكَ الويْلاتُ إنكَ مُرْجِلِي[1]
فكلمة “عنيزة” ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، وصرفت في البيت لضرورة الشعر.
منع صرف الأسماء المنصرفة:
كما أبيح للشاعر أن يصرف الممنوع من الصرف، يباح له أيضا العكس، وهو أن يمنع صرف الأسماء المنصرفة -وهي ضرورة موضع خلاف- لأن مجال الشعر ضيق بالوزن والقافية وعدد التفاعيل، فيباح له ما لا يباح لمن ينطق نثرا، ومن ذلك:
• قول ذي الإصبع العدواني يمدح عامر بن الطفيل بالطول وفراهة الجسم:
ومِمَّنْ ولَدوا عامـ … ـرُ ذو الطّولِ وذو العرضِ[2]
• قول الأخطل في أحد القادة الذين هزموا الخوارج:
طلب الأزَارِقَ بالكتائب إذ هوتْ … بشبيب غائلةُ النفوس غدورُ[3]
فالكلمتان “عامر، شبيب” في البيتين منعتا من الصرف -مع أنهما منصرفتان- لضرورة الشعر.
المصدر: النحو المصفى
[1] الخدر: المكان المخصص للنساء في البيت، والمقصود به هنا الهودج، لك الويلات: دعاء عليه بالهلاك والعذاب، ولا يقصد به حقيقته، بل هو تصوير للتدلل والإعجاب، إنك مرجلي: جاعلني أسير على رجلي لهلاك البعير.
والشاهد في البيت: كلمة “عنيزة” فهي أصلا ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، وقد نونت هنا لضرورة الشعر.
[2] الشاهد في البيت أن كلمة “عامر” في الأصل مصروفة، لكنها منعت الصرف في البيت لضرورة الشعر.
[3] الأزارق: فرقة من الخوارج، شبيب: أحد زعماء الخوارج، غائلة النفوس: الموت.
والشاهد في البيت: منع صرف كلمة “شبيب” لضرورة الشعر مع أنها في الأصل مصروفة.
1 تعليق